دمشق: تسميات طريفة ودارجة لشوارع وحارات

منها «عين الكرش» و«الزط» و«القط» و«مطرح ما ضيع القرد ابنه»

حارة «السبع طوالع» الدمشقية القديمة («الشرق الأوسط»)
TT

ما زالت لوحة «مرايا» التي قدمها الفنان الكوميدي السوري ياسر العظمة في إحدى حلقات سلسلته التلفزيونية الشهيرة قبل نحو عشر سنوات راسخة في أذهان كثيرين. وفيها أعطى شاب دمشقي عنوان منزله لصديقه الأوروبي كي يراسله عليه، فذهل الصديق الأوروبي من طول العنوان الذي أخذ مساحة كبيرة من غلاف الرسالة. لكن مما يزيد في طرافة العناوين الدمشقية القديمة ليس فقط طولها، بل كونها تضم مسميات وعبارات «دارجة» بعضها غريب والبعض الآخر مضحك.

فالدمشقيون، خصوصا، ومعظم سكان المدن السورية بصفة عامة، تعودوا منذ انطلاق الخدمات البريدية على كتابة عناوينهم بشكل مفصل، يشتمل على اسم الحي واسم الشارع ثم الحارة والزقاق والدخلة، ومن ثم اسم صاحب دكان معروف في الحارة، أو حتى جار معروف محليا، ثم مالك المبنى.. وأخيرا اسم صاحب العنوان. ومع أن الجهات الرسمية في سورية أطلقت قبل نحو 15 سنة مشروع تسمية الشوارع وترقيمها، ومعه جرى ترقيم الأبنية بشكل دقيق، على غرار المدن العالمية والعربية الكبرى، تسهيلا للزيارات والخدمات، لا سيما البريد، فإن كثيرا من السوريين لم يتقيدوا بهذه التسميات والأرقام الجديدة.

عاصم العشا (أبو عدنان)، وهو صاحب محل في حي الصالحية، يبرر تعلق الناس بالعناوين القديمة قائلا «لم نعتد لا نحن ولا أولادنا على كتابة العناوين الجديدة المرقمة لمنازلنا وحاراتنا رغم أننا نشاهدها معلقة بلوحات معدنية وبشكل أنيق وباللون الأزرق على واجهات بيوتنا. لقد ورثنا عن آبائنا وأجدادنا التسميات المعتادة ولم تحصل أي مشكلة معي أو حتى مع من أعرفهم في العناوين. فساعي البريد يحفظ منطقتنا بشكل جيد، ويعرف منازلنا». ويضيف «أبو عدنان» شارحا «إن الجيل الشاب، خاصة الجامعي والمتعلم منه، لم يعد يعتمد على الخدمات البريدية التقليدية، بل صار يستخدم البريد الإلكتروني والإنترنت، ويمكن ملاحظة هذا الأمر من تناقص عدد الرسائل التي يأتي بها ساعي البريد إلى شارعنا، إذ يضع الكثير من سكانه اسم دكاني عنوانا لرسائلهم».

ويؤكد الكثير من سعاة البريد صحة ما قاله «أبو عدنان»، ويوضح هؤلاء أنهم تعودوا على إيصال الرسائل إلى العناوين الشعبية القديمة المتداولة بين الناس، لكنهم يقرون بوجود مشاكل وصعوبات. إذ يقول أحد السعاة، ويدعى حمدان أو «أبو سمير» إن «البعض يغير مكان سكنه أو يضع أسماء لدكاكين تكون مغلقة، فنضطر لإبقاء الرسالة عدة أيام في سلتنا، لأننا ما زلنا نستخدم الدراجة العادية أو النارية في إيصال الرسائل إلى البيوت». كذلك يطرح «أبو سمير» مشكلة بعض زملائه من السعاة الجدد الذين لا يعرفون الحارات والأزقة الدمشقية جيدا، وبخاصة، تلك التي تأخذ تسميات محلية دارجة.

وحقا، ثمة ظاهرة يعتبرها البعض من المهتمين والباحثين تأخذ جانب الطرافة، هي أنه توجد في عدد من مناطق دمشق القديمة - وحتى الحديثة منها نسبيا - حارات وشوارع تحمل تسميات غريبة، لكنها دخلت مجال التراث وتعود الناس على التعامل معها، بل أبقي عليها في مشروع تسميات المناطق الدمشقية، ومنها مثلا حارة «عين الكرش»، التي تتوسط مدينة دمشق وتربط بين مناطق جديدة مثل شارع بغداد والثورة و29 أيار وفيكتوريا ومنطقة ساروجة القديمة. وهذه التسمية دارجة للحي الذي أسس قبل نحو 75 سنة، ويضم حاليا سوقا نشطة ومكاتب للكثير من أصحاب المهن الجديدة والمحامين وعيادات الأطباء.

ومن التسميات الغريبة الأخرى، كما يذكرها الكاتب السوري غفران الناشف هناك حارة «الجردون» (أي الجرذ) في منطقة ساروجة، وجاءت التسمية من جرذ ظهر في الحارة في بعض الأزمنة فأطلق الناس اسمه على الحارة. وحارة «الزط» (أي الغجر) في منطقة الشاغور، وحارة «القط» في منطقة جنوبي حي الأمين، وكانت تسمى «بستان القط»، وذكرها ابن طولون في القرن العاشر الهجري، لكن البستان اندثر وتحول إلى حي سكني في ثلاثينات القرن الماضي، وبقي الاسم. وحارات «الطنابر» (الحناطير) في منطقة الصالحية، وجاءت نسبة لسكانها الطنبرجية (الذين يقودون عربات تجرها أحصنة أو بغال وينقلون عليها الأغراض والأمتعة ومخلفات البناء الجديد). وحارة «الكلبة»، وحارة «جوزة الحدبا» في ساروجة، وحارة «السبع طوالع» (مطالع الماء المسحوبة من نهر بردى) في منطقة العمارة. وحارة «القرد» - التي يطلق عليها البعض تسمية أطرف هي «مطرح ما ضيع القرد ابنه» - وهي تتسم بتعاريج والتواءات يتوه معها الزائر ويضيع حتى القرد فيها!.. وهناك حارة «المزابل» في منطقة العمارة.

ومن الغرابة أيضا أن التسميات الطريفة لبعض حارات دمشق انتقلت إلى بعض الأماكن العامة كالحدائق، ومنها حديقة صغيرة في منطقة الميدان تعارف الناس على تسميتها «حديقة الثلاث عنزات»، ويبدو أن أحد السكان كان يربي في الأرض ثلاث عنزات قبل أن تتحول إلى حديقة عامة. وكانت خصصت في البداية للنساء فقط، ثم صارت مفتوحة للجميع وأطلق عليها فرع الحدائق في محافظة دمشق تسمية جديدة هي «حديقة الخنساء».

في هذه الأثناء، وعلى الرغم من تعود الناس على التسميات الدارجة للحارات والشوارع، فإن مديرية المعلوماتية في محافظة دمشق تسعى من خلال مشروع تسمية الشوارع إلى ترسيخ الأسماء الجديدة مع المحافظة على تسميات المناطق القديمة والمعروفة. والتسميات الجديدة تحمل معاني رمزية واجتماعية، كما تضم أسماء الشهداء والبلدان والمدن المهمة، والشخصيات العربية والعالمية المشهورة والتاريخية والمؤثرة في العصر الحديث. وما هو جار الآن هو وضع لوحتي دلالة الأولى عليها اسم المنطقة والشارع والزقاق ورقم المنطقة من أجل العنوان الرقمي، واللوحة الثانية تتضمن بضع كلمات تعرّف بتاريخ الحارة وسبب التسمية ولمحة عن تاريخ الاسم المطلق على الحارة.

وحول هذا المشروع لتسمية الشوارع، شرح بشار الدادا، مدير المعلوماتية في محافظة دمشق، لـ«الشرق الأوسط» قائلا «لقد أنجزنا تقريبا 95% من ترقيم أسماء شوارع دمشق والمباني السكنية والمحلات، في المناطق التنظيمية فقط وليس مناطق السكن العشوائي. وقد وصل عدد الأماكن التي شملها المشروع إلى نحو 5000 زقاق وشارع رئيسي وثانوي وجادة. ومن خلال جولاتنا على مخاتير الحارات وسؤالنا للناس هناك أكدوا لنا أنهم يستخدمون الأرقام التي وضعت على أبنيتهم في كل مراسلاتهم، ولكن يبقى الانتشار الإعلامي للتسميات والأرقام ضروريا لكي يصبح المشروع مستثمرا بشكل جيد. هذا المشروع حضاري ومهم كونه يوضح المناطق على خارطة المكان الجغرافي والخرائط الرقمية. أما التسميات فقد اختارتها لجنة ثقافية متخصصة ضمت أساتذة جامعات ومدرسي تاريخ ومعنيين وباحثين، وكل اسم أطلق على شارع دمشقي له معنى ورمزية. والعنوان الرقمي ضمن هذا المشروع يبدأ من المناطق في دمشق التي جرى تقسيمها إلى 15 منطقة، وكل منطقة إلى مجموعة أحياء (من 1-9)، وبعدها يأتي رقم الشارع ومن ثم الزقاق والبناء ورقم الطابق، وأخيرا رقم الشقة التي يقطنها الشخص».