موالد مصر الشعبية تدخل أجندة التوثيق

عددها 2850 مولدا عدد زوارها نحو 40 مليونا

يرى بعض الباحثين أن الموالد واقع حي يعيشه المصريون على مدار العام («الشرق الأوسط»)
TT

تحتشد روزنامة مصر بنحو 2850 مولدا شعبيا، يبلغ عدد زوارها نحو 40 مليون شخص على مدار العام، ولا تخلو محافظة أو مدينة مصرية من مولد، يجدد لغة الوصل بين البشر وموروثهم الروحي والديني. كما تشكل هذه الموالد فرصة خاصة لاحتفالات الطرق الصوفية، وطقوس أتباعها الشهيرة بزفة المواكب والبيارق والأعلام وحلقات الذكر وابتهالات المنشدين.

تعتبر الموالد الشعبية بانوراما مصرية خالصة لخصتها المخيلة الشعبية بتراكم الخبرة والسنين، وترتبط بسير أولياء الله الصالحين وتخليد ذكراهم، كما تعدّ سوقا مفتوحة لكل صنوف البشر، من الفقراء وأبناء السبيل والأغنياء والمشاهير، لذلك طالتها خفة دم المصريين، فنحتوا من طينها المثل الشعبي الشهير «مولد وصاحبه غايب» في دلالة على متاهة الفرح وسط الجموع. بالنسبة للفقراء وأبناء السبيل تعد الموالد مناسبات ينتظرونها على أحر من الجمر، وبخاصة في أمسيات القرى الرتيبة. كما تعد موسما للغجر والحواة وأصحاب السيرك والملاهي والألعاب الشعبية كالمراجيح والطارات ودفع الأثقال والنيشان (الرماية). ويرتادها جيش جرار من باعة المأكولات الشعبية والحلوى وعرائس المولد والتسالي، مثل الحمص وحب العزيز - بشكل رئيسي - بالإضافة لطيف آخر بالغ التنوع من بائعي ألعاب الأطفال. كذلك يقصدها كثيرون من الأثرياء أو ميسوري الحال الذين يجدون فيها فرصا مناسبة لإطعام المساكين، فيكون النحر على رؤوس الأشهاد. تاريخيا، دخلت الموالد الشعبية مصر أول مرة على أيدي الفاطميين في القرن العاشر الميلادي (الرابع الهجري)، لكن أحد حكام الفاطميين وهو الأفضل ابن أمير الجيوش انقلب على العادات الفاطمية، قبل اغتياله عام 1121 ميلادية، فأعادها الآمر بأحكام الله مرة أخرى، وبقيت حتى يومنا هذا، وإن كان عددها ازداد وتناثرت على جغرافيا الواقع المصري وذابت بين عنصري الأمة من المسلمين والمسيحيين، فشملت إلى جانب أولياء الله الصالحين المسلمين، قساوسة ورهبانا وقديسين.

أشهر هذه الموالد حاليا موالد الحسين والسيدة زينب والسيدة نفيسة والسيدة عائشة في القاهرة، ومولد أحمد البدوي في طنطا، وإبراهيم الدسوقي في مدينة دسوق، ومحمد بن أبي بكر في ميت دمسيس قرب مدينة أجا (دلتا مصر) وعبد الرحيم القنائي في قنا، وأبو الحجاج الأقصري في الأقصر (صعيد مصر)، فضلا عن الاحتفالات ببعض أولياء الإسكندرية، والأشهر بينهم أبو العباس المرسي وسيدي جابر. أما الأقباط فلهم موالد كثيرة للسيدة مريم العذراء والشهيد ماري (القديس) جرجس في القاهرة وكفر الدّوار، وميت دمسيس، والقديسة دميانة بمحافظة الدقهلية، ومار مينا بالصحراء الغربية.

هذا الزّخم دفع أخيرا صندوق التنمية الثقافية بقيادة مديره المهندس محمد أبو سعدة، بالتعاون مع الجمعية المصرية للمأثورات الشعبية، لتنظيم معرض توثيقي لعدد كبير من الموالد في مختلف أنحاء مصر، ومنها الموالد الإسلامية والقبطية، باعتبارها من أهم مظاهر الاحتفال الشعبي المصري المتوارث. ويركز المعرض على زفة المولد النبوي والمواكب المصاحبة لها، كما يرصد المعرض حالات الأسواق المصاحبة للموالد التي تعد حالات استثنائية للتجارة وتمثل بعض أهم الموارد لبعض الفئات. وبحسب صندوق التنمية الثقافية، رغم أن الظاهرة قد لفتت انتباه كثرة من الباحثين والرحالة، وورد وصفها في كثير من المراجع فإن أحدا لم يهتم بفكرة التوثيق المصور لهذه الاحتفالات الشعبية التراثية، وهو ما دعا الصندوق إلى العمل على توثيقها كمأثورات. ووفق تقديرات الباحثين المتخصصين في هذا المجال، وأطلس الفولكلور المصري، يوجد في مصر ما يقرب من 2850 مولدا يحضرها ما يربو على 40 مليون شخص، أي نصف سكان البلاد تقريبا. وتقام طقوسها بلا حواجز يفرضها المكان ولا تحفظات دينية. ولكن في المقابل، يرى بعض الباحثين أن لا حاجة عند المصريين لتوثيق الموالد، فهي واقع حي يعيشونه على مدار العام، بل إن البعض من الممسوسين بهذا الولع يرتحلون خلف تجلياته على امتداد البلاد. ويرون أيضا أن مصر عرفت الموالد الشعبية، بوصفها امتدادا موروثا لأشكال الاحتفالات الدينية في العصور الفرعونية، وهذا يعني أن جذورها ضاربة في عمق التربة الثقافية المصرية على نحو يسمح بأن يتذوق المصريون ثمارها على الدوام. ويضيف هؤلاء أنها قطعت شوطا طويلا منذ ملوك الدولة المصرية القديمة زمن الفراعنة، مرورا بقديسي عصر الشهداء المسيحيين الأوائل بمصر الرومانية، وصولا إلى تقليد موالد الأولياء الصالحين في مصر الإسلامية التي لا يزال البسطاء في طول البلاد وعرضها يرافقون مواضعها علهم يحظون بجانب من بركاتها، كما يعتقدون.