محمد أحمد.. سلطان الفول والفلافل في الإسكندرية

تفوق على أسماكها.. وتذوق أطباقه ملكة إسبانيا وروسوس ونجيب محفوظ

صورة لتواقيع بعض المشاهير على قائمة الطعام عند محمد أحمد
TT

عندما تدخل مطعما، وتطلب قائمة الطعام لتختار منها، من الطبيعي أن تجد فيها أصناف الطعام وأسعارها. ولكن في مطعم «فول محمد أحمد» ستجد الأمر مختلفا، ولا تندهش إذا قرأت هذه العبارات «كلمتين وبس.. الفول يجنن!»، «تحية للمحل الجميل وصاحبه الكريم»، «خبر صحافي عن زيارة ملكة إسبانيا».

فمطعم محمد أحمد، بمدينة الإسكندرية، ليس كغيره من المطاعم التي تقدم الوجبات الشعبية المصرية؛ لأنه برغم وجوده في مدينة ساحلية من أشهر أكلاتها الأسماك بأنواعها، فإنه يجبرك على تناول ألذ الفول والفلافل - أو «الطعمية» كما يسمّيها السكندريّون...

«إذا زرت الإسكندرية ولم تأكل عند محمد أحمد.. فأنت لم تزر عروس البحر المتوسط»، مقولة يحفظها ويرددها كل سكان وزوار الإسكندرية، المدينة المصرية الساحرة المطلة على ساحل البحر المتوسط؛ لأن «محمد أحمد» لم يعد مجرد مطعم شهير أو مميز، بل أصبح أحد معالم المدينة الثانية في القطر المصري منذ أكثر من 50 سنة.

يقع مطعم «فول محمد أحمد» في شارع صغير يتفرّع من شارع سعد زغلول الشهير بمحطة الرّمل في وسط الإسكندرية. ولزحمة المرور، من الأفضل أن تصل إليه مشيا على الأقدام. وستكون محظوظا إذا عثرت على طاولة فارغة. فطاولات المحل، المكوّن من طابقين، دائما مشغولة في أي وقت من النهار أو الليل، وفي أي فصل من فصول السنة.

بعد ذلك، ستجد أن قائمة الطعام التي ستطلب منها ما ستأكله مختلفة كليا عن مثيلاتها في أي مطعم آخر، إذ طبع عليها القائمون على المحل تواقيع وكلمات لأشهر مَن تناولوا طعامهم فيه، ومنهم الملكة صوفيا ملكة إسبانيا والمغني العالمي ديميس روسوس، والأديب الكبير نجيب محفوظ.

لقد اشتهر «فول محمد أحمد» بتقديم الأكلات الشعبية المصرية - والسكندرية بشكل خاص - ومنها الفول والفلافل والبصارة والبيض المقلي بطرق مختلفة والباذنجان، ولكن يظل الفول «الإسكندراني» بالثوم والسّجق هو طبقه الأشهر.

الحاج محمد أحمد قال لـ«الشرق الأوسط» عن بداية مشروعه، الذي أصبح مصدر رزقه الأوحد على مدار السنوات الماضية: «بدأت مشروعي عام 1957 وكان المحل أصغر مما هو عليه الآن بكثير، ولكن مع مرور السنوات، وبالجهد والعرق استطعت أن أصل بالمطعم إلى أن يصبح أشهر مطاعم الإسكندرية».

ويضيف: «الفول والفلافل مهنتي الأساسية. بدأت فيها صغيرا، والآن تجاوز عمري السبعين سنة، ولم أعرف لي مهنة أخرى. لقد عملت على تطوير المحل طوال هذه الفترة، وكنت أضيف جديدا بين الحين والآخر، سواء من ناحية شكل المطعم، أو في نوعية الأطباق التي نقدمها، . وكان آخر هذه التطويرات في عام 2006، وأعتقد أنه سيكون التطوير الأخير».

الحاج محمد يقول إن مطعمه، نتيجة لسمعته الطيبة، أصبح مقصدا للعديد من المشاهير في مجالات السياسة والفن والأدب وغيرها، متابعا «كنت حريصا على جودة الطعام الذي نقدمه، لأن أي مطعم يكتسب سمعته الطيبة من جودة الطعام الذي يقدمه، فلو ساءت لأغلق المطعم نهائيا.. فما الذي سيجبر أي شخص على أن يتناول طعامه في مطعم يقدّم طعاما سيئا».

وبنبرة زهو يقول: تناول الطعام في مطعمي العديد من المشاهير في مصر والعالم منهم: الملكة صوفيا ملكة إسبانيا عام 1989 وقضت هنا نحو الساعتين، وكانت سعيدة للغاية؛ لأنها درست لفترة في إحدى مدارس الإسكندرية أثناء طفولتها. أيضا أكل هنا المغني العالمي ديميس روسوس عام 1998، وهو سكندري المولد والنشأة، وأمضى بالإسكندرية السنوات الـ15 الأولى من حياته».

ويضيف «.. وزار مطعمي أيضا الأديب المصري الحائز على جائزة نوبل نجيب محفوظ، ورسام الكاريكاتير مصطفى حسين، والمخرج الراحل صلاح أبو سيف، ومعظم الفنانين الشباب الذين ظهروا ولمع نجمهم في السنوات الأخيرة».

ويروي الحاج محمد أحمد: الضيف الذي لا أستطيع نسيانه هو الفنان الكوميدي الراحل فؤاد المهندس؛ لأنه كان يتمتع بروح طيبة، وخفة ظل شديدة، وكتب لي تعليقا بعد تناول الطعام قال فيه «كلمتين وبس.. الفول يجنّن» وذلك على نهج البرنامج الإذاعي الشهير «كلمتين وبس» الذي كان يقدّمه في ذلك الوقت.

ويوضح الحاج محمد أنه لا يزال حريصا، رغم كبر سنه، على الذهاب إلى المطعم يوميا، وممارسة عمله في إدارته، ويشرح «آتي إلى المطعم كل صباح، وأحرص على متابعة كل ترتيبات إعداد الطعام في المطبخ بنفسي، وأظل في المحل حتى صلاة المغرب، لأذهب بعد ذلك إلى بيتي كي أرتاح».

وعن ضغط العمل، يوضح أن العمل في الصيف يكون «بطبيعة الحال أكثر من الشتاء؛ لأنه بخلاف أهل الإسكندرية، يكون هناك نحو مليوني زائر ومصطاف، وبالتالي يزداد العمل. إلا أنه لا يتوقف في الشتاء؛ لأننا نعمل في الفول والطعمية.. وجبة كل المصريين في كل وقت».

ويؤكد الحاج محمد أحمد أن ظهور محلات أخرى تنافسه في المجال ذاته لا يقلقه، مرددا «يكفيني أن زائر الإسكندرية يبحث عن البحر ليراه أولا، ثم محمد أحمد ليتناول طعامه».

«هذا المطعم، بالنسبة لي، هو الإسكندرية، إذا زرتها دون أن أمرّ عليه لتناول طعامي لا تحسب الزيارة»، بهذه الكلمات وصف مصطفى إبراهيم، المحاسب بإحدى الشركات التجارية في القاهرة مطعم محمد أحمد. ويضيف قائلا «عادة ما آتي عدة مرات الإسكندرية على مدار السنة لإنهاء بعض الأمور المتعلقة بعملي في ميناء الإسكندرية، وأحرص في كل مرة على تناول الفول والبصارة في مطعم محمد أحمد».

أما السيدة سلوى حمدي، وهي ربة منزل قاهرية، فتقول «أول مرة تناولت فيها طعامي في مطعم محمد أحمد كانت عندما كنت أقضي شهر العسل مع زوجي في الإسكندرية عام 1979، ومنذ ذلك التاريخ أصبح فول محمد أحمد علامة تجارية مميزة أحرص على زيارتها كل سنة عندما أزور الإسكندرية». وتردف «رغم أنني ربة منزل فإنني أجد أن الطعام لدى محمد أحمد فيه مذاق خاص لا يستطيع أحد تقليده، ولعل هذا هو سر بقائه طوال هذه السنوات».

ويعلّق معمر الغانم، وهو طالب ليبي يدرس في كلية الطب بجامعة الإسكندرية، على تجربته، وهو يتشاور مع أصدقائه قبل أن يطلب طعامه من المطعم السكندري العريق، «رغم أن فترة وجودي قصيرة في الإسكندرية، فإنني سرعان ما اعتدت على تناول الطعام في هذا المطعم.. وكلما أتى أحد من عائلتي أو أصدقائي من ليبيا لزيارتي أصطحبه إلى هنا لتناول الطعام، ودائما ما ينبهرون بالطعام المصري».

وقبل أن تغادر المطعم ستصاحبك نداءات عماله الشهيرة «واحد فول على سجق إسكندراني متين.. صحن بصارة مع تقلية تقيلة والحلو أم علي.. صلي على النبي»!