تونس: عائلات بأكملها في أعالي الجبال لجني ثمار «الزقوقو»

ثماره أساسية لتحضير طبق عصيدة فاخر يوم الاحتفال بالمولد النبوي

الإنتاج التونسي من محصول «الزقوقو» خلال الموسم الحالي يقدر بنحو 310 أطنان («الشرق الأوسط»)
TT

ترتعش الأيادي وهي تمسك بأغصان الصنوبر المترامية الأطراف علها تقبض على مخاريط أشجار الصنوبر الحلبي التي تفرز لاحقا حبات «الزقوقو»، التي ستتحول بعد أيام قلائل إلى عصائد على موائد العائلات التونسية. عادة «عصيدة الزقوقو» كانت خلال العقود الماضية حكرا على العائلات الميسورة باعتبارها من الأطباق الفاخرة (فواكه جافة غالية الثمن)، فإذا بها قد انتشرت بين كل الأوساط الاجتماعية وأصبحت مطلبا جماعيا، مما جعل أسعار «الزقوقو» ترتفع بصفة ملحوظة. المخاريط المستخرجة من أشجار الصنوبر لم تكن إلى وقت قريب مطلبا للكثير من التونسيين، بل إن الأطفال الصغار كانوا يستعملونها كرات صغيرة يلهون بها في الطرقات، ولكن انتشار هذه العادة غير الكثير في باب التعامل مع إنتاج تلك الشجرة الغابية الساكنة في أعالي الجبال.

الطلب المتزايد على مادة «الزقوقو» جعل الأسعار ترتفع من 6 دنانير تونسية إلى 12.5 دينار (من 4.6 إلى 9.6 دولارات أمريكية). هذا الطلب جعل عائلات بأكملها تنصب الخيام في الجبال العالية لمناطق الشمال الغربي التونسي المعروفة باحتكارها محصول «الزقوقو» وهو مما أسهم في تحسين مداخيل ساكني المناطق الغابية. مشقة جني ثمار «الزقوقو» لا تخفى على العارفين بطبيعتها الصعبة. عن هذه الشجرة التي تستغل في الأصل لتثبيت التربة والمحافظة على الكساء الغابي، قال كمال البراهمي (فني في الفلاحة): إن أشجار الصنوبر الحلبي تعطي ثمارها مرة كل سنتين، وهي شجرة برية تحبذ المرتفعات والمناطق الممطرة وهي معمرة ويمكن أن يتجاوز طولها عشرين مترا. ويصادف المولد النبوي خلال هذه الفترة موسم جني مخاريط الصنوبر، إذ إن الموسم عادة ما ينطلق خلال شهر ديسمبر (كانون الأول) ليتواصل إلى غاية شهر أبريل (نيسان) من كل سنة. وأكد البراهمي أن المساحات الغابية المخصصة لغابات الصنوبر في تونس لا تزيد عن 300 ألف هكتار تستحوذ عليها بالكامل ولايات (محافظات) الشمال الغربي التونسي، وتشمل القائمة: جندوبة وباجة وسليانة والكاف والقصرين، إلا أن المساحات القابلة لإنتاج «الزقوقو» لا تزيد خلال هذه السنة عن 76 ألف هكتار.

وقال ميلود بن موسى (فلاح من الشمال الغربي التونسي): إننا نجني هذه الصابة لسكان العاصمة والمدن الكبرى على وجه الخصوص فهم المولعون بعصيدة «الزقوقو» أما نحن فتكفينا العصيدة التقليدية التي نغمرها بالعسل والزبدة. أما عن عمليات جني حبات «الزقوقو»، فقد أكد على صعوبتها، فالذي يجنيها مطالب بصعود أعالي الأشجار وهي عملية صعبة وخطيرة ومخاطر السقوط واردة في تلك المحاولات التي لا يقدر عليها إلا الشباب وأصحاب الصحة الممتازة وهي نشاط رجالي بالأساس، ثم يضع تلك المخاريط في النار حتى تتفتح ويصبح بالإمكان إخراج تلك الحبات الصغيرة من مكامنها. ثم نزيل عنها كل العوالق من الأوساخ قبل أن يجهزها للتجار الذين يوزعونها على الفضاءات التجارية.

وتؤكد فتحية الظريفي (ربة بيت) من ناحيتها على أهمية موسم جني «الزقوقو» وتقول: إن أسعار هذه السنة مواتية وبالإمكان تحقيق مداخيل إضافية قد تنسينا تعب جمع رؤوس الصنوبر وحملها من أعالي الجبال على ظهور الأحمر وما تتطلبه من مجهودات متنوعة حتى تستوي وتصبح قابلة للاستهلاك الآدمي. وتقول الظريفي: إن سكان الغابات أصبحوا ينتظرون هذه المناسبة لتحقيق القليل من المداخيل، فجني ثمار الصنوبر الحلبي تتطلب حنكة ودراية لا يمكن أن يكتسبها أصحاب المهن الأخرى بسهولة، وهناك عائلات اختصت في هذه النوعية من النشاط.

وتقدر الهياكل الإدارية الغابية من ناحيتها الإنتاج التونسي من مادة «الزقوقو» خلال الموسم الحالي، بنحو 310 أطنان، وهي توفر عائدات مادية سنوية لا تقل عن مليوني دينار تونسي (نحو 1.5 مليون دولار أميركي)، وقد اضطرت السلطات التونسية خلال السنوات الماضية لاستيراد كميات من «الزقوقو» من الجزائر لتلبية الحاجيات المتزايدة. ويوفر هذا النشاط الموسمي قرابة ثلاثة آلاف موطن شغل وهو نشاط صعب يسيطر عليه سكان الغابات على وجه الخصوص باعتبار معرفتهم لتلك الغابات.

وتعد ولاية القصرين من أهم الجهات المنتجة لمادة «الزقوقو» حيث يقدر إنتاجها لهذه السنة بنحو 120 طنا، أما ولاية سليانة فهي تنتج سنويا قرابة 50 طنا تجنى من جبال برقو وكسرى ومكثر وسليانة الجنوبية وقعفور، وبها مركز لإنتاج مادة «الزقوقو» وتخزينها وترويجها، وذلك بحكم وجود وحدات استغلال عائلية تقليدية معروفة بمنطقة مكثر. وتنتج غابات ولاية جندوبة قرابة 51 طنا من «الزقوقو» سنويا. أما ولاية باجة فهي توفر نحو 12 طنا، وتتوزع أهم الغابات على مناطق تبرسق وتستور وتيبار وهي تنتج كذلك أصنافا أخرى من الثمار الغابية على غرار ثمار البندق. ويقدر إنتاج حبوب «الزقوقو» في ولاية الكاف بنحو 10 أطنان تتأتى بالخصوص من غابات مناطق نبر وساقية سيدي يوسف.