6 ملاجئ في حارات دمشق القديمة مرشحة لاستثمارها ثقافيا

بعد تحويل ملجأ القشلة القديم إلى مركز فني وموسيقي

ملجأ القشلة وحديقته في دمشق («الشرق الأوسط»)
TT

بعد النجاح الذي حققه تحويل ملجأ قديم في منطقة القشلة، قرب باب شرقي في دمشق القديمة قبل شهرين إلى صالة عرض فنية، اقترح الكثير من المعنيين بالثقافة والفنون في العاصمة السورية تحويل بقية ملاجئ دمشق القديمة إلى «غاليريهات» أسوة بملجأ القشلة.

الملجأ السابق المرمم سيصبح مكانا لاستضافة معارض الفنانين التشكيليين السوريين بشكل دوري بدعم مالي أوروبي. والاقتراح بأن يكون فاتحة لإعادة تأهيل الملاجئ الأخرى إلى مراكز فنية لاقى - على ما يبدو - تجاوبا من قبل المسؤولين في محافظة دمشق، إلا أنه لم يؤخذ لتاريخه القرار الخطي باستثمار الملاجئ الباقية ثقافيا.

الجدير بالذكر، أن هذه المباني تحتاج لأعمال تأهيل كبير تشمل الإصلاح والترميم والصيانة لكي تصبح جاهزة للاستثمار الثقافي. ولقد استغرب المهندس أمجد الرّز، مدير مدينة دمشق القديمة، ما تناقلته بعض وكالات الأنباء والمواقع الإلكترونية عن تحويل سبعة ملاجئ يعود تاريخ إنشائها لعهد الانتداب الفرنسي وتقع في حارات دمشق القديمة إلى صالات عرض فنية بعد انتهاء دورها وعمرها الزمني. وفي لقاء مع «الشرق الأوسط» قال الرز: «قرأت في الخبر أن هناك مثلا أربعة ملاجئ في حارة مئذنة الشحم بدمشق القديمة بينما في الواقع لا يوجد أي ملجأ في هذه الحارة، تحديدا. وقرأت أن هناك ملجئين في باب توما بينما لا يوجد إلا ملجأ واحد في المنطقة المذكورة قرب كنيسة حنانيا. والحقيقة أنه في كل حارات دمشق القديمة لا يوجد غير سبعة ملاجئ وكان ثمة مطالب من قبل الفنانين التشكيليين وبعض الجهات الثقافية بتحويل هذه الملاجئ إلى صالات عرض فنية وأماكن للنشاطات والعروض الثقافية. وبالفعل، عرض الأمر على محافظ دمشق، فطلب تقديم مذكرة بهذا الخصوص تكون مشتركة بين كل الجهات المعنية. ونحن كمديرية للمدينة القديمة ونعمل في هذه المجالات مع وكالة التعاون الألمانية (GTZ) ندرس هذا الموضوع، ولكن لم يحصل حتى الآن شيء على أرض الواقع، وإن كانت هناك أفكار مطروحة في هذا المجال. من هذه الأفكار أن استثمار هذه الملاجئ سيكون بواسطة تقديم داعم مادي لها كما حصل مع ترميم السبلان القديمة. وما حصل فعلا أن هناك جهة واحدة تقدمت بطلب لاستثمار ملجأ قديم كصالة عرض فنية وهو قيد الدرس. وكما قلت لك، يوجد توجه لاستثمار هذه الملاجئ ولكن لا شيء أقر خطيا لديّ. ونحن قبل أشهر قليلة رممنا ملجأ واحدا وهو في منطقة القشلة ونجح في توظيفه كصالة عرض فنية وقد بلغت تكلفة ترميمه 50 ألف يورو (نحو 3.5 مليون ليرة سورية) دفعت تكلفتها من قِبل مشروع تحديث الإدارة البلدية (مام) المموّل من قبل الاتحاد الأوروبي. كما ساهمت محافظة دمشق بنحو نصف مليون ليرة سورية، ورمّم من خلالها الملجأ (القبو) وسطحه، وجرى استثماره كصالة عرض، فنظم فيه حتى الآن 4 معارض تشكيلية لفنانين سوريين. كذلك زرعت الحديقة في الأعلى بمختلف أنواع النباتات ووضعت مقاعد للجلوس، واستثمرت لاستضافة نشاطات فنية كالحفلات الموسيقية». وتابع الرز: «الملاجئ متشابهة من حيث الشكل والمساحة، وليس لها أي طراز معماري لافت، بل هي عبارة عن ملاجئ عادية بنيت في ثلاثينات القرن المنصرم ولكن عمرها الزمني انتهى».

مما يستحق الإشارة هنا، أن فكرة استثمار بعض ملاجئ دمشق والمباني القديمة غير المستثمرة - خاصة في الحارات القديمة - لتنفيذ نشاطات ثقافية فيها ليس جديدا. فقد عرضت على مدى أشهر مسرحية «المهاجران» للمخرج السوري سامر عمران في أواخر عام 2008 بمناسبة احتفالية «دمشق عاصمة الثقافة العربية» في ملجأ القزازين بشارع بغداد، وهو ملجأ قديم أيضا. كذلك كانت «أمانة احتفالية دمشق الثقافية» قد حولت في أوائل العام الماضي مشغلا قديما كان مخصصا للحرف التقليدية في منطقة باب شرقي إلى متحف للفن الحديث، وانطلق بالفعل بمعرض الجزء الرابع والأخير من «ذاكرة الفن التشكيلي السوري».

وفي سياق سعي الجهات المسؤولة بمحافظة دمشق لتوظيف الأماكن العامة ثقافيا، فإنها تعمل حاليا على تنفيذ المراحل الأخيرة من مشروع تجميل ساحة العباسيين، وهي من أكبر ساحات دمشق وتتصدر مدخلها الشمالي ويعود تاريخ إنشائها إلى ستينات القرن المنصرم. ومما تتضمنه الساحة في مشروعها الجديد وكذلك تحت الساحة لوحظ ولأول مرة إشادة صالات عرض فنية كبيرة تنفذ بشكل فني معماري جميل ليستفاد منها في إقامة المعارض الفنية والنشاطات الثقافية. وتبلغ مساحة هذه الصالات نحو 1000 متر مربع، وروعي في إنشائها أن يفتح بعضها على بعض بحيث يستفاد منها كصالة كبيرة أو كصالات متعددة. وهذا النوع من الصالات تفتقر إليه مدينة دمشق.

من جهة ثانية، تعمل الجهات المسؤولة عن دمشق القديمة حاليا، بالتعاون مع مؤسسات أهلية على الاستفادة من كل مفردات المدينة القديمة لإظهارها بشكل تراثي جميل واستغلالها سياحيا وثقافيا وبيئيا. وفي هذا الصدد يجري تنفيذ مشروع «الحي البيئي» في حارة الزيتون بدمشق القديمة الذي يهدف لإحداث نشاطات بيئية ورفع المستوى البيئي وإظهار جماليات الحي المذكور. أيضا أقامت محافظة دمشق وجمعية البيئة السورية وبدعم مالي سويسري عن طريق السفارة السويسرية بدمشق «حديقة بيئية» في دمشق القديمة في المنطقة المجاورة لقلعة دمشق كانت حتى الأمس القريب مكبّ قمامة ومكانا لرمي الفضلات في فرع نهر بردى الذي يعبر تلك المنطقة. وقد جرى تحويل الحديقة إلى مركز توعية بيئية وموئل لحماية ونشر النباتات السورية وتضم الحديقة اليوم نحو 235 نوعا نباتيا من أصل 6000 نوع موجود في سورية، كما شيدت في الحديقة استراحة بيئية جميلة لاستقبال الزوار، ونسّقت ممرات الحديقة بحيث تتيح للزائر فرصة مشاهدة دمشق القديمة ومعالمها التاريخية.