5% من السكان في نجران يعيشون في بيوت الطين التراثية

مبان بديعة ومثالية لمقاومة الظروف المناخية .. فهي باردة صيفا ودافئة شتاء

بيوت الطين في نجران.. الموروث الجميل للأجيال القادمة (تصوير: ناصر الربيعي)
TT

يقدّر العاملون في مجال البناء والمقاولات حجم إقبال سكان مدينة نجران، جنوب غربي المملكة العربية السعودية، على البيوت الطينية التقليدية بنحو 5 في المائة من السكان. ويفسرون هذا التعلّق بالحب والوفاء لتراث الأجداد والحياة الريفية الجميلة التي يحاولون جهدهم المحافظة عليها، ولا سيما أن هذه الأبنية من أفضل المباني بيئيا، فهي الأفضل من حيث مقاومتها للظروف المناخية القاسية من أمطار ورياح وقيظ، فهي باردة صيفا ودافئة شتاء.

ويأتي هذا الالتزام بهذه الأبنية الطينية التقليدية في وقت تشهد المملكة العربية السعودية عموما، ومنطقة نجران بصفة خاصة، نهضة معمارية كبرى أدت إلى تحول الناس من البيوت الشعبية القديمة إلى الفلل والبنايات الفخمة. غير أن بيوت نجران الطينية لا تزال صامدة تفرض وجودها ضد مد الحداثة المتسارع الإيقاع، كيف لا وهي من أجمل المعمار الشعبي وأدقه في عموم الجزيرة العربية.

لقد استوحى أصحاب هذه البيوت فكرة بنائها من البيئة المحيطة بهم. فعادة ما يستدل الباحثون في التاريخ على نمط المعيشة، في أي حقبة زمنية ماضية، من طراز البناء، الذي يختلف بطبيعة الحال من منطقة إلى أخرى. فثمة اختلافات كبيرة في طريقة تشييد البيوت بين مكان وآخر، في البلد الواحد أحيانا، تبعا لطبيعة الأرض والظروف المناخية والمواد الطبيعية المتوفرة للبناء من صخر وخشب وطين وخلافه. ثم إن الظروف المعيشية والاقتصادية تتحكم في أشكال الأبنية وأحجامها وملحقاتها. ومن طُرُز المعمار المميزة الأصيلة في السعودية، بلا شك، الطرز التي نراها في جبال عسير وسهول تهامة ومنها جازان. وهي لأصالتها تمكن الباحث من استنتاج نوعية الحياة وطريقتها وحالة المجتمع المادية والأمنية السائدة في وقت تشييدها.

صالح بن أحمد الصعدي، وهو رجل أعمال وصاحب مؤسسة مقاولات، قال في حديث لـ«الشرق الأوسط» شارحا: «إن بيت الطين النجراني يطلق عليه اسم (درب) ويتكوّن من عدة طوابق قد تصل إلى 7 أو 8 طوابق على شكل مستطيل، يضيق من الجهات الأربع كلما ارتفع البناء. وهناك عدد كبير من النوافذ المطلية باللون الأبيض من الخارج. ويتميز (الدرب) بوجود خطوط غائرة متوازية تعطي المبنى سمة مميزة. وفي كل طابق يوجد عدد كبير من الغرف الصغيرة والضيقة، ويجري توزيع الغرف بحيث تتسع بعضها لقبيلة كاملة تتكون من 30 إلى 50 شخصا، في حين يصار إلى تخصيص الدور الأرضي للأغنام والعلف وتخزين الحبوب أحيانا. ويراعى في تصميم البيت أن يكون محصّنا كالقلعة لصد الأعداء وقت الحروب». وأوضح الصعدي أن «تكلفة بناء البيت الطيني النجراني تقارب حاليا 50 ألف ريال، وقد يستغرق تشييده 3 أشهر»، لكنه يشير بشيء من الأسى إلى «أن هذا الفن المعماري مهدّد بالاندثار في ظل بحث بعض الناس عما يربطونه بمظاهر التمدن والحضارة ومواكبة البناء العصري بعيدا عن تراث الماضي». يسكن في منطقة نجران قرابة 800 ألف نسمة، يعيش نحو 5 % منهم في البيوت الطينية حبا لها وعشقا لحياة الريف الجميلة التي يحاولون المحافظة عليها. أما عن طريقة البناء فيوضح الصعدي قائلا: «يعتقد البعض أن البناء يجري بصورة عشوائية، لكنها في الواقع غير ذلك. فهي عملية بناء تتم بطريقة هندسية متقنة جدا، تبدأ من اختيار تربة طينية صالحة. ومن ثم يُعمل لها أساسات، تُملأ بالحجارة ثم يخلط الطين مع التبن، وبعدها يبدأ البناء بشكل تدريجي منظّم مع وضع النقوش والزخارف التي تميز المباني النجرانية عن غيرها». وعن عمليات الترميم، ذكر الصعدي أنه «يجري ترميم البيوت الطينية بالمواد ذاتها التي بني منها البيت وذلك لضمان المحافظة عليها من السقوط والانهيار».