مزارع الأسماك في غزة لمواجهة قيود الاحتلال والحصار

الحاجة الاستهلاكية تفتق الحيلة في القطاع

هناك توجه نحو انشاء المزيد من مزارع الأسماك في غزة («الشرق الأوسط»)
TT

على الرغم من أنه شهر فبراير (شباط) البارد، فإن من يدخل دفيئات تربية الأسماك، التي تقع على ساحل مدينة دير البلح، في المنطقة الوسطى من قطاع غزة، سرعان ما يتصبب العرق من وجنتيه بسبب درجات الحرارة العالية داخلها.

عملية تربية الأسماك في هذه المزرعة تحتاج إلى هذه الدفيئات، والمهندس أدهم الهيثم، الذي يدير المزرعة، يعمل بلا كلل ولا ملل مع عماله، متحدين درجات الحرارة العالية. وكان قطاع غزة قد شهد خلال الفترة الأخيرة تزايدا كبيرا ولافتا جدا في أعداد مزارع تربية الأسماك، ذلك أنه قبل سنة واحدة لم تكن هناك إلا مزرعة واحدة في مدينة أصداء السياحية، الواقعة شمال غرب مدينة خان يونس، جنوب القطاع، أما الآن فإن عدد المزارع يبلغ 13 مزرعة، مع الإشارة إلى أن وزارة الزراعة تدرس حاليا طلبات للحصول على تراخيص لإنشاء المزيد من المزارع في القطاع.وعن مسوغات التوجه نحو إنشاء المزيد من مزارع تربية الأسماك في قطاع غزة، الذي هو أصلا منطقة ساحلية، قال المهندس الهيثم لـ«الشرق الأوسط»، شارحا: «إن كلا من إجراءات إسرائيل القمعية ضد صيادي الأسماك، وتداعيات الحصار الذي تفرضه على القطاع عوامل أدت إلى نقص شديد في كمية الأسماك المتوافرة للاستهلاك في القطاع». وأردف: «إن متوسط ما يحتاجه الجسم من الأسماك هو 13 كلغ سنويا للفرد الواحد، في حين أن متوسط ما يستهلكه الفرد في القطاع لا يتجاوز 3 كلغ، الأمر الذي يؤدي إلى اختلال في النظام الغذائي».

وتابع الهيثم كلامه، فقال: «إن إقدام سلطات الاحتلال على منع الصيادين الغزاويين من الإبحار في عمق البحر لصيد الأسماك، وما يترافق مع ذلك من ممارسات ابتزازية، جعل من الضرورة القصوى التفكير في محاولة التعويض عن طريق إنشاء مزارع الأسماك».

ثم قال المهندس الهيثم، وهو يعطي تعليماته لعماله بتقديم العلف للأسماك: «إن اليرقات أو الأسماك المفرخة، التي يبلغ وزنها غراما أو نصف غرام، تُجلب من مصر، ومن ثم توضع في البرك التي يجري حفرها في المزارع، وتكون عادة على شاطئ البحر. وهي تتغذى بماء البحر».

وحول المزرعة التي يعمل فيها، أوضح الهيثم أن مزرعته «شرعت في إقامة أول مشروع لتفريخ الأسماك الصغيرة، وذلك عن طريق جلب الأسماك الكبيرة من البحر، ووضعها في بركة خاصة ضمن ظروف إضاءة وحرارة خاصتين». وذكر أن الأسماك الجاري تربيتها في المزرعة هي نوع «الدنيس» الذي يعتبر من الأسماك الشهية جدا، والتي تحظى بإقبال شديد من الغزاويين.

لكن، من الواضح أن عملية تربية الأسماك، لا سيما في القطاع، «عملية شاقة، ويحتاج القائمون عليها إلى التحلي بدرجة عالية من الصبر» كما يقول سمير رويس، الذي يعمل في مزرعة لتربية الأسماك إلى الجنوب من مدينة غزة. وخلال لقاء مع «الشرق الأوسط»، أشار رويس إلى أنه «يتوجب أن تمر فترة زمنية لا تقل عن 15 شهرا حتى يصبح في الإمكان بيع الأسماك، ذلك أنه لا يمكن بيع الأسماك من نوع الدنيس، تحديدا، إلا بعد أن يبلغ وزن الواحدة منها نصف كلغ على الأقل، وهذا أمر يتطلب استثمار الكثير من الجهد والمال».

مع هذا يتوقع سمير رويس أن يتغلب الغزاويون على مشكلة النقص في كميات الأسماك بشكل كبير في غضون سنوات لا أكثر، وذلك بفضل الزيادة في عدد المزارع، وبخاصة في حال تمكن أصحاب مزارع الأسماك من تفريخها بشكل مستقل، وتوقفوا عن استيرادها من مصر. ثم ذكر أن سمكة «الدنيس» الواحدة تضع مليون بيضة، وأضاف: «إذا افترضنا أن 30 في المائة من البيض قد فسد، فإن هذا يعني أن كل سمكة ستعطي 700 ألف سمكة، وهذا في حد ذاته عدد كبير». في المقابل، يقر أصحاب المزارع بحقيقة أن طعم السمك الذي تنتجه مزارعهم أقل لذة من سمك البحر. ويقول المهندس الهيثم: «إن السبب في هذا يعود إلى واقع تغذية السمك في مزارع الصيد على العلف، في حين أن السمك في البحر يتغذى طبيعيا على الهوام البحرية والأسماك الأصغر حجما، وهذا أمر يصنع الفرق»، غير أن الاعتبارات الاستهلاكية تظل الأقوى.

ويراهن أصحاب المزارع على تسويق إنتاجهم على التجار والمطاعم. وتقول وزارة الزراعة الفلسطينية إنها تقوم بالإشراف على تربية الأسماك بشكل متواصل. ويوضح عادل عطا الله، مدير قسم الثروة السمكية في الوزارة، أن قطاع غزة يستورد سنويا 10 آلاف طن من الأسماك المجمدة، ويقول إنه حدث ارتفاع كبير في استيراد الأسماك بسبب النقص الشديد في الكمية التي يجري اصطيادها، «فإجمالي كمية الأسماك التي يجري صيدها حاليا لا يتجاوز 1500 طن، في حين كانت الكمية قبل ثلاث سنوات فقط لا تقل عن 4500 طن».