مصر: «مندوب مبيعات».. هل هي مهنة من لا مهنة له؟

الحياة داخل حقيبة

التجوال في الشوارع طوال اليوم المعاناة المعتادة لمندوبي المبيعات (تصوير: عبد الله السويسي)
TT

«مساء الخير.. أنا مصطفى عبد الرحمن من شركة (...) للتجارة، ممكن 5 دقائق من وقتك؟». عبارة اعتدت أن أقولها ألف مرة في اليوم، فعملي هو مندوب مبيعات في شركة تستورد منتجات متنوعة من الصين وأقوم ببيعها في الشوارع والمقاهي وأماكن التجمعات. «قد أفلح في جذب انتباه الزبون وقد أفشل».

هكذا لخص مصطفى عبد الرحمن مندوب المبيعات واقع مهنته التي يراها البعض شاقة ويراها آخرون مربحة، بينما يراها فريق ثالث مهنة من لا مهنة له.

بدأت مهنة مندوب المبيعات في مصر في النصف الثاني من ثمانينات القرن الماضي، عندما بدأت أجهزة الكومبيوتر المنزلي تعرف طريقها على استحياء إلى الأسواق المصرية. وبالتالي، كانت تحتاج إلى من يعرف الناس بها، وهكذا نشأت مهنة مندوب المبيعات، التي ما لبثت أن اتسعت تدريجيا حتى صارت تغطي مختلف المجالات، بدءا من الأجهزة الكهربائية والكومبيوتر، مرورا بالأدوية وخطوط الهواتف الجوالة، ووصولا إلى العطور والحلي المصنوعة من الذهب الصيني، والأقلام وكشافات النور اليدوية.

ومع تزايد عدد الخريجين كل عام، الذين بلغ عددهم نحو 416.5 ألف شاب عام 2008، وفقا لإحصاءات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في مصر، وكذلك اتساع السوق المصرية، دخلت مهنة مندوب المبيعات مجالات جديدة منها الكتب والموسوعات والفنادق والمنتجعات السياحية، بل وحتى التجمعات السكنية الخاصة.

وبين سندان متاعب العمل في الشارع، ومطرقة الشركات التي ترغب في تحقيق أقصى استفادة لها، يقع الشباب الذي قد يتعرض بعضهم للنصب تحت بريق شعارات زائفة بمرتبات مجزية وعمولات كبيرة. أو قد يشترط صاحب الشركة على الشباب نسبة مبيعات يصعب عليه تحقيقها، قبل الحصول على عمولة من المبيعات.

يقول مصطفى عبد الرحمن: «ألفّ على قدميّ في الشوارع 8 ساعات على الأقل يوميا لأعرض على روّاد المقاهي وركاب الحافلات ومترو الأنفاق مجموعة من الأقلام والمفكات والأدوات الرفيعة المستوردة من الصين بسعر 5 جنيهات، وأكسب من كل مجموعة أبيعها جنيها واحدا كعمولة، بالإضافة إلى راتب شهري يبلغ 350 جنيها (نحو 63 دولارا)».

ويضيف عبد الرحمن: «أنا تخرجت في كلية التجارة منذ 8 سنوات، ولم أجد عملا يناسب مؤهلي، فقبلت بهذا العمل بعدما ظللت عاطلا لمدة 3 سنوات»، مشيرا إلى أنه يتعرض لصعوبات كثيرة خلال عمله، بعضها يتعلق بأنه مطالب بالعمل خلال أيام الحر الشديد والبرد القارس في الشارع، وبعضها يتعلق بنظرة الناس إليه بأن وظيفته عبارة عن بطالة مقنعة.

الأمر مختلف تماما في شركات الأدوية. فمندوب المبيعات في هذه الشركات عادة ما يكون من خريجي كليات القمة مثل الصيدلة والطب وطب الأسنان، من الذين فاتهم التعيين في السلك الجامعي ولا تسمح إمكانياتهم المادية بفتح صيدليات أو عيادات خاصة.

وعموما، يسبق نزول مندوب المبيعات في شركات الأدوية حصوله على دورات تدريبية قد تصل إلى بضعة أسابيع، تتعلق بإتقان مهارات البيع والإقناع، بالإضافة إلى دورات متخصصة في مواصفات وتركيبة الدواء الذي سيعمل المندوب على تسويقه.

وحتى الجمهور في هذا المجال مختلف، لأنه في الغالب جمهور متخصص من الأطباء الذين يشرح لهم المندوب خصائص الدواء الجديد ومدى فعاليته وأشكال اختلافه عن الأدوية المشابهة. وبناء عليه، ينال مندوب مبيعات الأدوية مميزات متعددة، فبخلاف الراتب الشهري المجزي، هناك مكافآت مالية حسب نسبة مبيعات الدواء الذي يسوقه. كما تمنحه الشركة خط هاتف جوال مجانيا للاتصال بالأطباء، بالإضافة إلى العينات المجانية من الأدوية. بل، وفي بعض الأحيان تمنحه الشركة سيارة للتنقل بها.

وعن العمل في مجال تسويق الأدوية، يقول هشام طاهر، وهو صيدلاني يعمل مندوبا للمبيعات في إحدى شركات الأدوية الأجنبية في مصر، «وجدت نفسي في هذا المجال، بعد تخرجي في الجامعة واكتشافي أن فتح صيدلية خاصة بي قد يكلفني نحو 250 ألف جنيه (نحو 46 ألف دولار)، وهو ما كان مستحيلا بالنسبة لي بكل المقاييس. ثم لاحت لي فرصة للعمل في إحدى شركات الأدوية المصرية مندوبا للمبيعات وأمضيت فيها سنتين، قبل أن أنتقل إلى العمل في شركة أجنبية حاليا».

ويضيف هشام: «أبرز الصعوبات التي أواجهها في عملي هي أن مواعيد لقاء الأطباء لتسويق الأدوية تكون بعد انتهاء مواعيد عمل عياداتهم الخاصة، أي بعد منتصف الليل». غير أنه يشير إلى أن العمل في هذا المجال أتاح له فرصة السفر إلى الخارج عدة مرات لحضور مؤتمرات علمية حول الأدوية التي يتولى تسويقها، معتبرا أن العمل في مجال تسويق الأدوية أفضل بكثير من العمل في صيدلية يكون كل دوره فيها إحضار الأدوية من على الأرفف. في أي حال، مع ازدياد أعداد الخريجين سنة بعد أخرى، قلّت فرص العمل المطلوبة، لكن مهنة مندوب المبيعات ما زالت تتربع على عرش المهن التي تتصدر أبواب الوظائف الخالية في إعلانات الصحف، وهي تجتذب الشباب بصفة خاصة للوعود البراقة التي تصاحب الإعلان بالحصول على راتب مجزٍ ونسبة عمولة عالية من المبيعات.

أحمد عزب (23 سنة) تخرج في كلية الحقوق قبل سنتين، وتدرب لفترة في مكتب محام كبير، لم يكن يعطيه ما يكفي للمواصلات، فقرر العمل مندوبا للمبيعات لدى إحدى المكتبات التي تطبع كتب القانون والمرافعات. ويقول عزب: «عملي هو أن أمر على مكاتب المحامين لأعرض عليهم الكتب القانونية، سواء القديمة والموسوعية، مثل مجموعة السنهوري، أو تلك التي تشرح القوانين الجديدة، مثل قانون الإيجارات الجديد، أو قانون الضرائب العقارية الذي أقره البرلمان مؤخرا».

ويوضح عزب أنه يحصل على نسبة عمولة تصل إلى 15% من المبيعات التي ينجح فيها، بخلاف راتبه الشهري الذي يصل إلى 600 جنيه (110 دولارات) في الشهر، مما يرفع دخله الشهري إلى نحو 1000 إلى 1200 جنيه شهريا.

إزاء هذا الواقع، يرى الدكتور محمود إبراهيم، أستاذ الإدارة في كلية التجارة بجامعة القاهرة، أن مهنة مندوب المبيعات في مصر «فيها الكثير من العشوائية التي تسهم في سوء حالة مندوبي المبيعات». ويتابع: «وهذا بعكس حال مندوبي المبيعات في الخارج، حيث لهم نقابات تحميهم وتنظم عملهم، وهي مهنة لها أصولها ويجب أن يجتاز من يرغب في العمل بها دورات تدريبية متخصصة في مهارات الإقناع والبيع والتسويق». ويضيف: «إن إقبال الشباب على مهنة المبيعات سببه تزايد أعداد خريجي الجامعات سنويا مقابل ضآلة فرص العمل، وبالتالي يلجأ الشاب إلى العمل في غير مجاله، وهكذا، أصبحت مهنة مندوب المبيعات عمليا مهنة من لا مهنة له».