«الجرّ».. متعة صيد السمك الكبير

البعض يسعى لنشر التجربة من البحر الأحمر للساحل الشمالي

أحد الصيادين الفائزين في مسابقة الجونة («الشرق الأوسط»)
TT

«صيد الجر» ليس مجرد صيد للسمك، بل هو متعة في الإيقاع بالأسماك الكبيرة عن طريق أسماك صغيرة لكن صناعية. إنه نوع من الخدع التي تعتمد على حقيقة أن الصغير لا مكان له في البحر، طالما كان الكبير موجودا. إنها لعبة.. وربما لهذا السبب يعرف الاسم الإنجليزي لهذا النوع من الصيد باسم «Big - game fishing». وهذا الصيد يستهدف الأنواع الكبيرة من الأسماك التي لا يمكن للهواة صيدها بطرق أخرى. ولهذا يحتاج صيد الجر لمبالغ باهظة، وللسبب نفسه ينحصر هذا النشاط على الأثرياء والمقتدرين ماليا.

وأسعار أدوات هذا النوع من الصيد تختلف من مكان لآخر.. وتتراوح إجمالا بين عدة مئات من الدولارات، إلى عدة آلاف، وهذا بالطبع لا يشمل نفقات المركب وباقي الأدوات المساعدة.. البوصة الخاصة بصيد الجر تتميز بالقوة الشديدة، مع مرونة أقل من تلك الموجودة في البوص العادي، كما أنها مزودة بوسائل تقلل من الاحتكاك، أهمها «عجلة الانزلاق». ويتراوح سعر بوصة الجر في السوق المصرية بين 30 و50 دولارا، فيما يبلغ سعر السمكة الصناعية في المتوسط نحو 5 دولارات. وسيحتاج مجموعة من الصيادين الهواة لثلاثين أو أربعين سمكة من هذا النوع على الأقل لصيد يوم واحد. وسعر ماكينة ذات فرملة قوية وذات وسائل تأمين ضد احتكاك الخيوط، يبدأ من 120 دولارا وحتى 5 آلاف دولار. ويلزم لاستخدام الماكينة بعض المستلزمات الأخرى، منها أحزمة البطن والكتفين، وتصنع عادة من الفايبرغلاس، وتربط هذه الأحزمة على مختلف أجزاء جسم الصياد، لحمايته من خيط الصيد في حال الإمساك بسمكة كبيرة والعراك معها، قبل رفعها على المركب.

ويقول شيخ الصيادين في منطقة العلمين بالساحل الشمالي، محمد الفردي، إن الأوقات الصالحة للصيد بطريقة الجر تبدأ من الصباح الباكر حتى ما بعد الضحى بقليل، وكذلك في فترة العصر وحتى غروب الشمس، مشيرا إلى أن الطُعم الصناعي (رابالا) الذي يستخدم في اصطياد الأسماك الكبيرة يتم تصميمه من مواد مختلفة، حسب السعر.. «يوجد طُعم عبارة عن قطعة بلاستيك ذات ثقل معين يتراوح بين كيلوغرام إلى أربعة كيلوغرامات، وتوجد قطع أخرى من مادة الفايبر.. هذه الطعوم يتم إنزالها في الماء، وربطها بخيوط صيد يصل طولها لحوالي مائة متر».

ويضيف الفردي: «تبدأ المركب في التحرك بسرعة معينة، بحيث تبدو كل تلك الأسماك الصناعية وكأنها سرب من السمك الحقيقي يجري تحت البحر، على بعد لا يقل عن مائة متر عن المركب.. هذا يلفت انتباه الأسماك الكبيرة التي تقع في الفخ.. ». وبالنسبة لمن لا يسعون وراء الصيد طلبا للرزق، فإن الموضوع لا يزيد عن كونه هواية، تحولت مع الزمن إلى صيد له قواعد وعادات وأصول، تختلف عن تلك التي يلجأ إليها الصيادون المحترفون بسفنهم المجهزة في أعالي البحار. الهواة، بإصرارهم على ممارسة هذه العادة، حولوا الصيد بالجر إلى مسابقات محلية وإقليمية ودولية يشارك فيها المتنافسون وهم يخضعون للجان تحكيم ولجان مراقبة لقانون اللعبة التي تجري فصولها بين المراكب في عرض البحر.. وشهد البحر الأحمر مسابقتين من هذا النوع، الأولى مسابقة عربية، استضافتها مدينة ينبع السعودية في يناير (كانون الثاني) الماضي، تحت رعاية الأمير عبد العزيز بن ماجد بن عبد العزيز أمير منطقة المدينة المنورة، فيما استضافت مدينة الجونة المصرية مسابقة دولية أواخر الشهر الماضي، تحت رعاية محمد مجدي قبيصي محافظ البحر الأحمر. ومن بين عشرات الصيادين الهواة المشاركين في بطولة الجونة، تمكن ثلاثة، وهم مصريان وسعودي، من الحصول على المراكز الثلاثة الأولى، مستخدمين الطعم الصناعي، حسب شروط المسابقة، حيث أوقع أيمن حسونة صاحب المركز الأول بسمكة «كوبيا» تزن 13 كيلوغراما، وأمسك الثاني سيف خيري بسمكة من نوع الناجل ويبلغ وزنها 11.80 كيلوغرام، فيما قنص الثالث هاني عبد الجليل سمكة تونة بوزن 11.05 كيلوغرام.

وحتى بالنسبة للسياح وزوار المدن الساحلية المصرية، ممن لا تؤهلهم إمكاناتهم للانخراط في المسابقات المحلية والإقليمية والدولية، يمكنهم ممارسة هوايتهم بتكلفة أقل ودون شروط، خاصة أن عددا من القرى السياحية المصرية على البحر الأحمر وعلى البحر المتوسط، أصبحت توفر وسائل لصيد الجر من أجل إغراء السياح والزوار بالإقامة فيها. ولأن هذا النوع من الصيد يتطلب أجواء باردة، كون السمك الكبير لا يقترب من الشواطئ إلا في مثل هذه الأجواء، فإن الإعلانات عن صيد الجر ومسابقاته وممارسة هوايته، تكثر في فصل الشتاء، وتستمر حتى الربيع، أي حتى منتصف شهر مايو (أيار) من كل عام. «لاحظنا أن كثيرا من المصريين والعرب يحبذون ممارسة هذه الهواية. وحيث إن السياحة تراجعت لأسباب مختلفة منها الأزمة المالية العالمية، فإن توفير ما يحتاجه هواة صيد الجر، يمكن أن يغري على الإقامة هنا.. جربنا هذا في قريتنا في (منتجع) شرم الشيخ، ونجرب الآن في قريتنا بالساحل الشمالي (على البحر المتوسط)»، يقول محسن جاد الله، المسؤول عن الترويج في إحدى الشركات السياحية العاملة في عدة دول بمنطقة الشرق الأوسط، مشيرا إلى وجود رغبة من قبل شركات سياحية أخرى للتعاون في هذا المجال، لها نشاط ومقار في منطقة الشرق الأوسط وأوروبا. وبعد مصر والسعودية، تعتبر الأردن ولبنان والإمارات والكويت أكثر الدول العربية نشاطا في هذا المجال. ويشير جاد الله إلى إمكانية إقامة مسابقة دولية أخرى للصيد بالجر في إحدى قرى الساحل الشمالي الغربي بمصر خلال أحد شهور فصل الشتاء، لتنشيط السياحة هناك، خاصة أن أسعار أدوات الصيد بالجر، ليست في متناول الأثرياء فقط، كما يعتقد البعض، بل يمكن للطبقة المتوسطة امتلاك هذه الأدوات أو استئجارها من مكان الإقامة.