التونسيون يتنبهون لأهمية الإنتاج الزراعي البيولوجي

تزايد كبير في مساحات الأرض المخصصة له

زيت الزيتون أول منتوج زراعي بيولوجي في تونس
TT

احتضن فضاء سكرة للمعارض، بالضواحي الشمالية للعاصمة التونسية تونس، بين يومي 25 و28 مارس (آذار) الماضي «الصالون الأول للفلاحة البيولوجية»، الذي تشرف على تنظيمه وزارة الفلاحة (الزراعة) والموارد المائية التونسية. وكان الهدف الأساسي لهذا الحدث كما جاء على ألسنة الجهات المنظمة، التعريف بالمنتوج البيولوجي التونسي وفتح أبواب جديدة للتصدير الخارجي أمام الكميات الهائلة للمنتجات البيولوجية (أو العضوية) التونسية التي تتراوح قوائمها من زيت الزيتون إلى التمور، ومن نتاج المراعي والنباتات العطرية والطبية إلى التين الشوكي واللوز وخلافهما.

«الصالون» لاقى إقبالا كبيرا من جمهور الزائرين، وكأن التونسيين يتنبهون لأول مرة إلى أهمية المنتوج البيولوجي وهم الذين يستهلكون الكثير منه على مدار السنة. لكن الواقع أن الفلاحة البيولوجية - أو الزراعة العضوية كما تعرف في المشرق العربي - ليست جديدة على التونسيين مزارعين كانوا أو مستهلكين. بل إن كثيرين من الفلاحين كانت لديهم منتجات بيولوجية بالكامل لا يمدونها بغير سماد الحيوانات، غير أنهم مع ذلك كانوا لا يدركون فعليا أنهم ينتجون منتوجات بيولوجية ثمينة جدا على مستوى الأسواق الأوروبية، التي سيطرت عليها منذ عقود المنتجات «المسمدة كيمياويا» ومن ثم «المعدلة وراثيا»، وهو ما أفقد نسبة غالبة من الغلال والفواكه الأوروبية من مختلف المنتجات الفلاحية نكهتها الطبيعية. وللأسف، بالكاد يستطيع المواطن التونسي التمييز بين المنتوج الطبيعي الطازج والمنتوج البيولوجي الذي يخضع لعدة شروط ومقاييس لا بد من توافرها للحصول على شهادة في الغرض.. والمنتوج «المصنع» كيماويا وتأصيليا.

بالنسبة للمساحات المخصصة للفلاحة البيولوجية في تونس والحاصلة على شهادات المطابقة الدولية، فإنها لا تقل اليوم عن 285 ألف هكتار. وهذا، بعدما كانت لا تتجاوز حدود 300 هكتار فقط عام 1997. والجدير بالإشارة إليه أن تونس تحتل راهنا المرتبة الثانية بين دول أفريقيا والمرتبة 24 عالميا على صعيد مساحات الزراعة البيولوجية. وتتوزع هذه المساحات بين 130 ألف هكتار من المزروعات، منها 115 ألف هكتار خصصت للزيتون، وستة آلاف هكتار مخصصة للأشجار المثمرة الأخرى من بينها قرابة 90 في المائة لأشجار اللوز، هذا إلى جانب ستة آلاف هكتار أخرى خصصت للزراعات العطرية والطبية. أما المساحات المخصصة للنخيل فلا تزيد حاليا على ألف هكتار. ولكن، على أي حال، تمكن قطاع الزراعات البيولوجية من تأمين عائدات مادية لتونس من التصدير قدرت بنحو 64 مليون دينار تونسي عام 2008، من بينها 48 مليون دينار لزيت الزيتون و12 مليون دينار للتمور.

من جهة أخرى، على الرغم من هذه الأرقام المسجلة والمشجعة، فإنه لا بد من القول إن معظم التونسيين لا يولون أهمية كافية للمنتوج البيولوجي. ولعل مرد ذلك إلى أن الجهات التجارية التونسية الضخمة التي تعرض كل المنتجات المحلية والمستوردة لا تخصص فضاءات للفلاحة البيولوجية، ربما لارتفاع أسعارها بالمقارنة مع الأسعار العادية. فالمنتوج البيولوجي يباع بسعر يزيد بخمسة أضعاف - في بعض الحالات - عن المنتج العادي المغذى كيماويا والمعدل وراثيا. كما أن إغراءات التصدير كبيرة ومهمة، والطلب على المنتجات التونسية عموما لا يزال مرتفعا. وما إن يصبح المنتوج حاصلا على شهادة المطابقة للمنتوج البيولوجي فإن أكثر من سوق أوروبية تقبل عليه.

أحمد بن عامر، وهو فلاح من الشمال الغربي التونسي، قال لـ«الشرق الأوسط» في موضوع استهلاك المنتجات البيولوجية «في الحقيقة لسنا محتاجين للحصول على شهادات المطابقة للمنتوج البيولوجي. فكل ما ننتجه يمر أمام أعيننا، ونحن ندرك تماما الضرر الحاصل للتربة من خلال اللجوء إلى المواد الكيماوية لتغذية الأرض. لذلك سعينا منذ عقود إلى السماد الحيواني الذي نغذي به الأرض سنويا، وهو ما يعطينا منتجات طبيعية في غاية الجودة والطعم والنكهة. فزيت الزيتون طبيعي وبيولوجي منذ قرون، ولم تتغير طريقة تعاطينا مع شجرة الزيتون. كما أن التين والتين الشوكي واللوز ومعظم منتجاتنا تنتج بصورة طبيعية، وهو ما يجعلنا على الدوام نشعر بأننا على أحسن حال بالمقارنة مع سكان المناطق الحضرية». وتابع «أما استهلاك المنتوج البيولوجي.. فإنني أنتج بالدرجة الأولى لتغطية حاجيات العائلة التي أحرص على أن تكون من أفضل أنواع البذور وأجودها، وهذا يجعلني لا أفكر كثيرا في مسألة البيولوجي من عدمه.. ويكفي أنني مطلع على كل مراحل ما أنتجه وأعاين النبتة والثمرة طوال السنة».

وقالت فرجانية الماجري، وهي ربة بيت، معلقة «إن الإقبال على المنتوج الفلاحي الجيد والطبيعي أكثر من ضروري حفاظا على الصحة وابتعادا عن المؤثرات الكيماوية التي غالبا ما تترك مخلفات صحية سلبية كثيرة». وأردفت الماجري «العائلة التونسية أصبحت تخرج من العاصمة والمدن الكبرى بحثا عن البيض العربي والخبز العربي والغلال المقطوفة مباشرة من الضيعة، وتتجه بصفة متكررة إلى الموانئ البحرية للحصول على أجود الأسماك الطازجة، كما يقبل كثيرون من المواطنين هذه الأيام على التشارك في ذبح شاة توزع على مجموعة من العائلات عوض استهلاك لحوم قديمة لا يعرف أحد مصدرها. ومن الأكيد أن المنتوج الطبيعي أو البيولوجي يطيل العمر ويوفر الصحة والعافية».