رجل أعمال فلسطيني يدخل عالم السياحة والتراث من باب « الحدادة»

إبراهيم حداد شيد متحفا تماثيله تحاكي واقع مواطنيه

جانب من المتحف («الشرق الأوسط»)
TT

قبل نحو خمس سنوات قرر رجل الأعمال الفلسطيني إبراهيم حداد أن يحول منزله الخاص في مدينة جنين، بشمال الضفة الغربية، إلى «قرية سياحية»، مستغلا مساحة الأراضي الشاسعة التي يملكها وسط غابات سبعين الجميلة قرب جنين، وموهبته الكبيرة في مهنة الحدادة التي اشتهرت بها عائلته أبا عن جد.

ولعل إبراهيم حداد وأولاده من قلة قليلة من الناس دخلت عالم السياحة من باب الصناعة. ولقد أشرف مصنع حداد، الذي ينتج الآن آليات ثقيلة بعدما بدأ العمل كورشة حدادة صغيرة، على صنع جميع الألعاب الكبيرة والضخمة الخاصة بـ«مدينة الملاهي» التي تشكل الآن جزءا مهما من «القرية».

تمتد قرية حداد السياحية على أرض تبلغ رقعتها 11 هكتارا، وتقع وسط جبال خضراء ممتدة على مد البصر. وتضم القرية التي زارتها «الشرق الأوسط» عدة أقسام هي: «مدينة الملاهي»، وحدائق، وبرك خارجية وداخلية، وشاليهات، وفندق، ومطعم، ومدرج ضخم، وقاعة مؤتمرات، وقاعة بلياردو، وصالة لكرة الطاولة (البينغ بونغ)، وملاعب للأطفال وملاعب لكرة المضرب (التنس)، والكرة الطائرة، ومسرح روماني، ومسرح صيفي مفتوح لجميع المناسبات. ويوم زيارتنا كان الزوار يشغلون معظم هذه الزوايا، مع العلم أن القرية السياحية يقصدها الزوار من كل مكان في الضفة الغربية، ذلك أنه في جبال جنين يمكن استنشاق هواء نقي قل نظيره في أماكن أخرى مكتظة في الضفة الغربية.

بسام حداد، مدير القرية قال لـ«الشرق الأوسط» عندما التقينا به: «نقدم كل شيء هنا، إنه مكان شامل». وتابع بسام، الذي كان يتكلم داخل «مدينة الملاهي» حيث كان عشرات الأطفال وبعض الشباب يجربون ألعابا خطرة، قائلا وهو يشير إلى بعض الألعاب: «كل هذه صنعناها بأيدينا في مصانعنا ولم نستورد برغيا واحدا». ويباهي بسام بقدرة مصنع عائلته على صناعة مثل هذه الألعاب، وفق أصعب التقنيات، موضحا أنها «على الرغم من آلية عملها الخطرة، فهي آمنة وموثوقة 100 في المائة».

الواقع أنه بعد 5 سنوات من الافتتاح الرسمي للقرية السياحية، فإنها الآن تتوسع وتطور تشكيلة خدماتها، وتنظم وتستضيف حفلات زفاف مع مبيت للعروسين في فيلا كبيرة تتوسط القرية. كما أنها أخذت تستقبل المؤتمرات والندوات الرسمية وغير الرسمية، وهذا جانب مهم مكن القرية من الاستمرار في العمل حتى في فصل الشتاء، حين تتوقف الرحلات. وحسب المؤسس إبراهيم حداد، فإنه يريد «تنشيط السياحة المحلية في شمال الضفة الغربية»، بينما يقول فؤاد زكارنة، مدير المبيعات لـ«الشرق الأوسط» إن أعداد زوار القرية خلال السنة الأخيرة ازدادت كثيرا، وأصبحت القرية تستقبل زوارا من فلسطينيي 1948، أي من عرب الداخل في إسرائيل. وللعلم، يمكن للقرية أن تستقبل نحو 56 عائلة في ليلة واحدة موزعين على 36 غرفة في فندقها و20 شاليه، بالإضافة إلى وجود فيلا فاخرة للراغبين في استئجارها لليلة أو أكثر.

أما الجديد، فهو أنه قبل أيام شيد إبراهيم حداد، مالك القرية، بجهد خاص، متحفا فلسطينيا من تماثيل، هو الأول من نوعه والأكبر، يحاكي حياة الفلسطينيين قديما وحديثا. ولقد بني المتحف على 560 مترا مربعا، وضم عدة أقسام، تحاكي البيت القروي، الذي يمثل حياة الفلسطينيين القديمة، ومقهى وحقلا، بالإضافة إلى الكتاب الذي كان يمثل المدرسة، ورجالا يعملون في مهن قديمة ونساء يغزلن ويخيطن.

زكارنة شرح أن المتحف «سيضم مزيدا من المجسمات التي تهدف إلى تصوير الواقع، وسيجد الزائر تماثيل ترتدي أثوابا فلسطينية، بعضها يجلس في بيته وبعضها يعمل وبعضها الآخر يلعب أو يحرث الأرض، أو يركب الخيل، كما أن منها ما يشرب القهوة وما يدردش». وتابع أن المتحف يبرز الحرف الفلسطينية القديمة وأدواتها، ومن بينها الحدادة والصيد والغزل والنسج والزراعة، وبعض الصناعات الأخرى، مثل صناعة الأحذية وسروج الخيل والفخاخير.

هذا، وقد خصص المتحف جناحا كاملا للقدس، فجسد القدس القديمة بمساجدها وكنائسها، والقدس الآن. وحسب قول إبراهيم حداد - الأب المؤسس - فإن متحفه «يشكل بانوراما منذ العهدة العمرية وحتى قيام السلطة الفلسطينية، وتغطي جدران المتحف صور قديمة لفلسطين عمرها نحو 300 عام، وصور لفلسطين الآن».