جولة مع ملابس العرائس في البلقان

هل يصمد اللون الأبيض لثوب الزفاف.. وما أهمية رمزيته؟

ورشة لصناعة ملابس العرائس في سراييفو عاصمة البوسنة والهرسك («الشرق الأوسط»)
TT

تتنوع ملابس العرائس في العالم، بل تتنوع في كثير من الأحيان داخل مناطق البلد الواحد. بيد أن الألبسة البيضاء التي ترتديها الفتيات ليلة الزفاف، بأغطية الرأس المتنوعة الأشكال، ظلت السمة البارزة في عالم الأفراح، وهذا رغم ما يلاحظ خلال السنوات الأخيرة من تغيير على اللون والشكل.

عزرا تورلاك (68 سنة)، صاحبة ورشة لصناعة ملابس العرائس في سراييفو عاصمة البوسنة والهرسك، التقتها «الشرق الأوسط» لتتعرف منها على أوضاع المهنة، وظروف امتهانها لها. فقالت عزرا (أي عذراء) «أنا أم لولد وبنت يعملان في المجال الإعلامي، وأعمل في هذا المجال منذ أكثر من نصف قرن.. وعن أسباب اختياري هذا العمل فهو أنه تقليد في عائلة زوجي، رحمه الله، منذ دخول الإسلام إلى البوسنة. وبعد احتلال النمسا البوسنة عام 1878 اضطرت العائلة لإدخال النمط الأفرنجي الذي عرفته بلادنا بعد تعرضها للاحتلال، وتقليد كثيرين أساليب الحياة الغربية، فالمغلوب مغرم بتقليد الغالب، كما قال ابن خلدون».

وتابعت عزرا «وظل النمط الأفرنجي سائدا حتى اليوم، بعدما بدأ زحفه تدريجيا، وعرف عدة أوجه بعد الحرب العالمية الثانية، وتولي الشيوعيون مقاليد السلطة في ما كان يعرف بيوغوسلافيا السابقة. لكن منذ تسعينات القرن الماضي بدأت الرغبة تظهر في الحصول على ملابس محتشمة وملابس للمحجبات، وازدادت الطلبات على الملابس ذات الأكمام الطويلة وتلك التي تغطي العنق، ليس في أوروبا الشرقية فقط، بل في أوروبا الغربية أيضا».

وعن زبائنها تقول عزرا «إنهم من جميع مناطق يوغوسلافيا السابقة، ومن المواطنين العاملين في الخارج، وكذلك أشخاص في دول أوروبية زاروا سراييفو، ورأوا مقدار الإتقان في ملابس الزفاف النسائية لدينا. إننا نرسل إليهم بالبريد ما يطلبونه». وعن السبب حسب رأيها في هذا الطلب القوي على ما تنتجه، وما إذا كان الإتقان فقط وراء ذلك، أشارت إلى أن «الإتقان ليس وحده السبب في هذا الإقبال. فلا شك أن أسعارنا منافسة بشكل لا يقارن بما عندهم (في الغرب). واليوم بصفة عامة عندما تقول العروس أو أمها، أو عندما يقول أحدهم إن ملابس زوجته أو قريبته جاءت من سراييفو، فذلك يأتي من منطلق الاعتزاز والوجاهة (البريستيج) عند كثيرين، فسراييفو اليوم رمز للفرح وليس للحرب والحزن كما كانت، وكما ينظر إليها بعض الناس». وبخصوص أسعار ملابس الزفاف لديها أكدت أن «الأسعار زهيدة مقارنة بأي مكان آخر في العالم، سواء تعلق الأمر بتأجير الملابس أو بيعها أو خياطتها وتطريزها خصيصا».

ويعتبر فصل الشتاء في البلقان، كما هو في الكثير من المناطق، أسوأ فترات العام بالنسبة للعاملين في مجال إعداد ملابس الزفاف النسائية، فالعمل في هذا القطاع يبدأ في فصل الربيع، وتحديدا بداية أبريل (نيسان) من كل عام ويستمر حتى الخريف، أي إلى شهر أكتوبر (تشرين الأول)، وبعدها تدخل السوق في سبات شتوي عميق.

بالمناسبة، تقول عزرا تورلاك «كنت رئيسة لجمعية الصناعات التقليدية لمدة 6 سنوات، وأشعر بحب عارم تجاه هذه المهنة التي تعلمتها في بيت الزوجية، وعلمتها لزوجة ابني وابنتي وآخرين»، أما الصور التي تجمعها بعدد من الشخصيات السياسية والفنية، والموجودة في أماكن مختلفة من متجرها الصغير فتعود - كما قالت لـ«الشرق الأوسط» - لمناسبات سابقة زارت فيها تلك الشخصيات ورشتها لشراء ملابس الزفاف لبناتهم أو أخواتهم أو زوجاتهم، والتقطت معهم صورا تذكاريا. وبين أصحاب الصور الرئيس الكرواتي الأسبق ستيب ميسيتش، والفنان حارث ريجينجيتش، والفنان المعروف باسم هاري ماتا هاري، والفنان الأشهر في منطقة البلقان خالد بيشليتش.

وفي الشارع، استطلعت «الشرق الأوسط» آراء عدد من النساء والفتيات حول «ثوب الزفاف» وأوصافه. فقالت نرمينا إسماعيلوفيتش (28 سنة)، وهي جامعية خريجة لغة انجليزية لكنها عاطلة عن العمل حاليا «أحلم باليوم الذي أرتدي فيه ثوب الزفاف الأبيض، فهو حلم كل فتاة، أما عن أوصافه فأحب أن يكون ذلك بالتوافق مع زوج المستقبل». وتؤيدها في ذلك سعادة حمزيتش (24 سنة)، وهي طالبة فلسفة، قائلة «لا أتخيل زفافا طبيعيا من دون ثوب الزفاف الأبيض. إنه تقليد عريق ولدنا وتعودنا على رؤيته في الواقع، كما في الأعمال الفنية كالسينما والمسلسلات. ولا يهمني تفاصيل شكله.. المهم أن أجد الرجل المناسب».

أما ريحانة إحسانوفيتش (26 سنة)، الموظفة في أحد البنوك، فإنها لا تجد ضرورة للون الأبيض، فتقول «ليس مهما اللون ولا تصميم الثوب، المهم مدى الرضا عن النفس والقناعة. الثوب الأبيض مجرد تقليد يمكن الاستغناء عنه، وأعرف صديقات لي رفضن هذا التنميط، وهن يعشن حياة سعيدة مع أزواجهن، بالنسبة للأبيض أو أي لون آخر ليس أمرا مهما، ولكن المهم مع من ارتبط، وما إذا كان الزي متوافقا مع قناعاتي أم هو مجرد محاكاة لأخريات فعلن ذلك».

أخيرا، يقول الباحث في علم الاجتماع الدكتور عصمت توراليتش إن «الزواج ليس استقرارا وخطوة طبيعية في حياة الإنسان فحسب، بل هو رمز للحياة، يحصل فيه التكاثر، وتحفظ به استمرارية الحياة الإنسانية، وهو شيء جديد في حياة الشاب والشابة سرعان ما يصبح نمطا تقليديا». ويتابع «وبما أن استمرار الحياة مرتبط بالتجديد، للحاجة والضرورة لذلك، فإن الثوب الأبيض إن لم يجد له مبررا موضوعيا لبقائه فسينقرض كما انقرضت أشياء كثيرة. فالتعبير عن الفرح ورمزية الزواج يأخذان أشكالا متنوعة ومتجددة، وإذا لم تصمد القناعات السائدة فالتغيير سيحصل في غضون بضعة عقود، واللون الأبيض الذي ارتبط بالبراءة والنقاء والتعبير عن شيء معين سيُفتقد تدريجيا من الحياة».