أستاذ جامعي سوري حول منزله الريفي إلى متحف جيولوجي نادر

فواز الأزكي جمع آلاف القطع على امتداد 30 سنة

متحف الدكتور الأزكي.. ويظهر مجسم الديناصور الطائر («الشرق الأوسط»)
TT

في قرية من أجمل قرى جبال الساحل السوري، اسمها قسمين، تقع على نحو 20 كلم شمال شرقي مدينة اللاذقية «عروس الشاطئ السوري»، ووسط أشجار السرو والصنوبر والغار والكازورينا يوجد متحف من نوع استثنائي.

فقد قرر الأستاذ الجامعي السوري الدكتور فواز الأزكي، الشغوف بالجيولوجيا، تحويل منزله الريفي الجميل مع حديقته، على مساحة 1700 متر مربع، إلى متحف جيولوجي يعرض فيه ما جمعه من مستحاثات وصخور نادرة على مدى ثلاثين سنة.. من بدء دراسته الجامعية الأولى للجيولوجيا، مرورا بحصوله على شهادة الدكتوراه من جامعة بوخارست الرومانية، ومن ثم استقراره أستاذا في جامعة تشرين باللاذقية.

الأزكي، من فرط عشقه للأرض وتضاريسها وأحجارها فكر في أن يفعل شيئا ما في حياته ويترك بصمته عليه، واختار أن يكون متحفه النادر مفتوحا مجانا لكل من يعشق الأرض مثله، وكل سائح يزور جبال الساحل السوري. ولم يكتف بذلك بل جعل إحدى غرف المنزل الريفي مكانا لاستضافة الزوار ممن يرغبون بالنوم قرب المتحف.. مجانا أيضا. وبالنظر إلى فرادة المشروع وتميّزه طلبت وزارة السياحة السورية من المكاتب السياحية إدخال المتحف ضمن برامج زيارات المجموعات السياحية التي تستقدمها هذه المكاتب. واليوم يشهد المتحف إقبالا من طلبة المدارس والجامعات السورية للاطلاع على موجوداته النادرة.

الدكتور فواز الأزكي تحدث لـ«الشرق الأوسط» عن تجربته، فقال: «سعادتي لا توصف وأنا أحول منزلي في قريتي قسمين إلى أول متحف جيولوجي في سورية، بل وإلى أحد أندر المتاحف الجيولوجية في العالم». وتابع: «ينقسم المتحف إلى جناحين: جناح متحف الهواء الطلق، وجناح المتحف الداخلي. أما متحف الهواء الطلق فيحتوي على عينات صخرية ضخمة تتراوح أوزانها بين 75 كلغ والطن. وتمثل هذه العينات جميع أنواع الصخور المنتشرة في سورية، ولقد وضعت على كل عينة اسمها ومصدرها بالعربية والإنجليزية. وهو يحتوي أيضا على مجسّمات للديناصورات بأبعادها الحقيقية، منها مجسم لديناصور عاشب سيطر على الأرض خلال الدور الجوراسي منذ 140 مليون سنة بطول 23 م وارتفاع 6 م، ومجسم لديناصور لاحم الذي انقرض في نهاية دور الكريتاسي منذ 65 مليون سنة، ومجسم لديناصور طائر. ويحتوي أيضا على مجسم معدني للكرة الأرضية بقطر 220 سم، وهو من أضخم مجسمات الكرة الأرضية في العالم. ومجسم للبركان السوري يدخل إليه من بوابة تماثل تماما بوابة مملكة أوغاريت الأثرية قرب اللاذقية. وهناك أيضا مجسم آخر للبنية الداخلية للأرض، وخارطة تضاريسية لسورية ثلاثية الأبعاد بطول 330 سم وعرض 330 سم مع مقطع جيولوجي بطول 11 مترا مع تضاريسه يجسد المقطع الطبيعي الممتد من اللاذقية وحتى منطقة سهل الغاب في سورية».

ثم أضاف: «ساحة متحف الهواء الطلق وضعت حولها مقاعد رخامية تتسع لأكثر من ثمانين طالبا من أجل الجلوس والكتابة أثناء شرح المحاضرات العلمية للزائرين، أما جناح المتحف الداخلي فقد صممته ونفذته محترما الثقافة السورية، إذ بني من صخور أحضرتها من سلسلة الجبال الساحلية، والسقف من الحجارة فقط دون إسمنت مسلح احتراما للثقافة المعمارية للقلاع السورية. ويتكون المتحف الداخلي من سبعة أركان، هي: ركن المستحاثات، حيث البناء بشكل دائري تماما وعلى سطحه مجسم لنجم البحر (رمز المستحاثات) ووضعت بداخله جميع المستحاثات المكتشفة في سورية ضمن صناديق خشبية نموذجية ذات واجهات زجاجية، وعلى كل صندوق هوية للمستحاثة، وعلى الجدران الداخلية توجد رسوم تمثل بانوراما التطور الباليوجغرافي لسطح الأرض، وعلى السقف مجسمات للشمس وكواكبها بأبعادها النسبية. والركن الثاني هو ركن الفلزّات، ولقد شيدته بشكل موشوري (النظام البلوري للكوارتز) وعلى السطح كتبت بحجارة الكوارتز عبارة SiO2 وهي الصيغة الكيميائية للكوارتز(رمز الفلزات) وفي داخله وضعت جميع الفلزات ضمن صناديق نموذجية عليها هوية كل فلز. والركن الثالث هو ركن الجيولوجيا الفطرية، وبنيته بشكل نصف كرة وهو يحتوي على عينات تراثية (أي كيف استخدم الإنسان القديم الصخور بشكل صحيح من دون أن يدرس علم الجيولوجيا) ويحتوي على أواني منزلية من الفخار وجرن من البازلت ومدحلة من الحجر الرملي وغيرها. والركن الرابع.. ركن الثقب الكوني الأسود، وهو عبارة عن دهليز ذي سقف مقوس يصل بنا إلى الركن الخامس، الذي هو ركن المغارة التي صمّمت اقتباسا من المغارات السورية بصواعدها ونوازلها. أما الركن السادس فهو ركن الصخور، ويحتوي على عينات نموذجية لجميع الصخور ضمن صناديق نموذجية وعلى الجدار علقت أقدم خارطة جيولوجية لسورية 1945م. وأما الركن السابع فهو مكتبة المتحف التي تحتوي على أكثر من 700 كتاب أغلبها مراجع في علم الجيولوجيا، بالإضافة إلى عينات لجميع الخامات السورية».

وواصل الدكتور الأزكي مشواره في التعريف عن متحفه، بعد ما ذكر أنه يعكف الآن على تأسيس مرصد فلكي على سطح المتحف، فقال: «الدخول إلى المتحف مجاني لجميع الأفراد والمؤسسات والسائحين، ولقد استقبلت في ربيع العام الماضي أكثر من ثلاثة آلاف زائر من المدارس والجامعات والسائحين العرب والأجانب. وآمل أن ينقل المتحف مصطلح الجيولوجيا من مفهومه الأكاديمي إلى الثقافة، وأن يشكل هذا المتحف صرحا علميا وثقافيا وسياحيا».

وحول هوايته الجيولوجية التي جعلته ينشئ المتحف، قال: «منذ كنت طالبا في الجامعة برومانيا في أوائل ثمانينات القرن الماضي، ومن خلال الرحلات الجيولوجية التي كانت تنظمها جامعتنا بدأت أجمع المستحاثات والفلزات. ولعشقي للجيولوجيا حولت غرفتي في المدينة الجامعية إلى معرض لما جمعته حتى أن زملائي كانوا يقولون لبعضهم (لنذهب إلى متحف الأزكي في غرفته!).. وبعد استقراري في سورية، ولعشقي منذ طفولتي للجيولوجيا وعلم الأرض، كنت أحمل حقيبة على ظهري وأتجول في الجبال المحيطة بقريتي وحتى البعيدة عنها.. من جبل الأقرع غربا وحتى صلنفة شرقا مشيتها مترا مترا، وكنت كلما وجدت فلذات ومستحاثات وصخورا نادرة أضعها في حقيبتي. وحتى عندما كنت أسافر من سورية إلى رومانيا برا كنت إذا شاهدت أشياء جيولوجية نادرة في الطريق أتوقف لأجمعها. وهكذا تكونت لدي آلاف القطع وكان لا بد من وضعها في مكان ليشاهدها الجميع، ويستفيد منها طلبة الجامعات والمدارس خاصة أنني صنفتها بشكل علمي دقيق وضمن صناديق نموذجية واستخدمت طريقة مميزة وراقية في العرض والتعريف باللغتين العربية والإنجليزية، مع وضع اسمها العلمي وعمرها الزمني. وهكذا ولد متحفي في منزلي الريفي، علما بأن ما ساعدني في مغامرتي أيضا هو وقوف عائلتي إلى جانبي. فزوجتي أستاذة جامعية في الفيزياء، وأحيانا تساهم مع أولادي باستقبال الزوار والشرح عن المعروضات بعد أن صارت لديهم خبرة وهواية في هذا المجال».