رياضة «الاستغوار».. هواية جديدة تجذب التونسيين

بعيدا عن المغامرات التقليدية في التعامل مع الطبيعة وكهوفها

«عين الذهب» يمكن أن تنافس مغاور العالم على لقب أجمل مغارة، لاحتوائها على أجمل النوازل وأطولها («الشرق الأوسط»)
TT

إلى وقت قريب كان التونسيون خلال فصل الربيع، على وجه الخصوص، يبحثون عن جرعات من الهواء النقي في البراري والجبال والمرتفعات وعلى شواطئ البحر، ولكنهم خلال الفترة الأخيرة غيروا وجهتهم وأصبح الكثير منهم يحبذ دخول المغاور والكهوف بغية استكشاف ما خفي عنهم لعقود من الزمن داخل دهاليز الجبال.

رياضة الاستغوار هي التسمية التي أطلقتها النوادي المتخصصة بهذه الرياضة، وهي تعني دخول المغاور والكهوف الواقعة في باطن الجبال، هذه الرياضة أصبحت تجد قبولا كبيرا بين التونسيين وتجتذب لها أعدادا مهمة من السياح الأجانب الباحثين عن المغامرة والخروج عن الشيء المعتاد. تسلق الجبال واستكشاف المغاور والكهوف أصبحت هوايات متداولة بين الشباب الباحث عن طرق مغايرة للطرق التقليدية في التعامل مع الطبيعة. والاستغوار يفسر على أنه «اكتشاف ميداني» للكهوف والمغاور الطبيعية التي نحتتها الطبيعة خلال آلاف السنين من جراء العوامل الطبيعية والتراكمات المائية في تلك الكهوف.

مغارة «عين الذهب» الموجودة بجبل السرج من ولاية (محافظة) سليانة من بين أعجب المغاور في تونس وربما في العالم، فهي عبارة عن وادٍ جوفي سحيق يشق باطن الجبل على طول ثلاثة كيلومترات، وهي اليوم مناطق جافة كانت تغمرها المياه مند ملايين السنين وباتت الآن مليئة بالأحفورات من صواعد ونوازل بلورية. المغارة تحتوي على ست قاعات ملونة بألوان فريدة من نوعها، ويصل عرض إحدى القاعات حدود 100 متر على مستوى الطول و70 مترا على مستوى العرض بينما يصل الارتفاع إلى حدود 20 مترا... ويصل طول النوازل البلورية الرهيفة حدود الخمسة أمتار.

يقول شاكر الطيب، رئيس جمعية «الرياضة للجميع»، إن من شأن رياضة الاستغوار أن تجلب نوعية مختلفة من الزائرين لبلادنا وتسهم فعليا في تنمية السياحة البيئية، وتجعل المغاور والكهوف وجهة مفضلة لكثير من النوادي الأوروبية المتخصصة بهذه النوعية من الرياضة.

وعن هذه المغاور، يؤكد الفرنسي تيري باريتو من الجامعة الفرنسية لعلوم المغاور والكهوف والمشرف على نوادي علوم الكهوف والمغاور في شمال أفريقيا، في نشريات فرنسية متخصصة أن مغارة «عين الذهب» يمكن أن تنافس مجمل مغاور العالم على لقب أجمل مغارة، وذلك لاحتوائها على أجمل النوازل وأطولها وهي التي يحبذها هواة تلك الأماكن.

وتحتل الكهوف الواقعة بجبل زغوان على بعد قرابة عشرة كيلومترات عن المدينة أهمية مضاعفة بالنسبة إلى هواة استكشاف تلك الفضاءات. ومن مميزاتها وجودها على ارتفاع 800 متر عن سطح البحر، وهي مكونة من 25 مغارة وكهفا، وتوجد بها ترسبات ترجع إلى عهود غابرة مقدرة بآلاف السنين، وهي نتيجة لتفاعل بين الجبس والصخور، مما أفرز إبرا حجرية بأشكال وألوان مختلفة... أما الجبس الموجود بتلك المغارات والكهوف فهو من النوع النادر الذي لا يوجد إلا في ثلاثة بلدان أخرى إلى جانب تونس: وهي المكسيك وفرنسا وإنجلترا. وبمغاور جبل زغوان، تم اكتشاف 19 نوعا نادرا من الخفافيش. وعنها يقول محمد التيويري، رئيس جمعية التجوال والبيئة بولاية (محافظة) زغوان (60 كلم عن العاصمة)، إن مغاور البلاد التونسية وخاصة الموجود منها بجبل زغوان وجبل السرج يمكن أن تكون مستقبل الدراسات الجيولوجية في تونس، فهي تقدم للباحثين تسجيلات علمية دقيقة عن التغيرات الحاصلة على مدى ملايين السنين. وأسهمت الجمعية في إنجاز بعض الدراسات العلمية المتصلة على غرار استعمال لعاب الخفاش كمخدر وتأثير اللعاب على قلب الإنسان، كما درست نوعية الحشرات التي عمرت الكهوف والمغاور، واستقبلت المئات من محبي رياضة الاستغوار سواء من تونس أو من الخارج وفتحت لهم الأبواب على وسعها للاطلاع والبحث والاستمتاع بمواقع طبيعية قل نظيرها.

ولأهمية هذه الأنشطة، نظمت دار الشباب ببنزرت (60 كلم شمال تونس العاصمة) المنتدى العلمي الثاني للاستغوار بتونس من 15 إلى 19 مارس (آذار) الماضي، وحضره ممثلون عن الجمعية المغربية للاستغوار ونادي الاستغوار بأغادير وكذلك نادي بجاية الجزائري. وتضمن البرنامج إلى جانب مجموعة من الندوات العلمية، زيارات إلى مغارة «الهاوية» بمحمية أشكل (محافظة بنزرت) ومغارة «داموس بن حبيب» بنفزة (محافظة باجة). لذلك، لا تعجب إذا مررت يوما بتلك النواحي ورأيت زائرين متعلقين بجوانب الكهوف يحاكون الخفافيش في إمساكهم بسقف المغاور، فتلك رياضة من بين الرياضات التي تلقى قبولا لدى فئات عديدة من المجتمع التونسي.