هنادي سليمان.. عربية عبدت الطريق لأحلام العلماء

وصفت إنجازها لـ «الشرق الأوسط» بالخطوة الصغيرة في مجال العلوم

هنادي سليمان (الصف الأمامي إلى اليسار) مع فريقها البحثي (صورة من موقعها الشخصي)
TT

هنادي سليمان اسم قد لا يَرُدّ البحث عنه على مواقع الإنترنت العربية بإجابة شافية بكل أسف، غير أن البحث عن الاسم بالإنجليزية يصب على الباحث طوفانا من النتائج التي تُعرّف بصاحبته.

البروفسورة هنادي سليمان، سيدة لبنانية الأصل تعمل حاليا كأستاذ مساعد للكيمياء بجامعة ماك غيل بمونتريال الكندية، وهي صاحبة أبحاث كثيرة نالت عنها التكريم الرفيع عدة مرات، وآخر هذه الأبحاث ما نشرته دورية «الطبيعة للكيمياء» Nature Chemistry في عددها الصادر منتصف مارس (آذار) الماضي.

يتناول البحث الأخير إنجاز سليمان وفريقها لتقنية حديثة في علوم النانوتكنولوجي، من شأنها أن تغير وجه العلوم الطبية لو أحسن استخدامها في التطبيقات القادمة بالمستقبل القريب.

فقَبل بحث سليمان، كان أحدث ما توصل إليه النانوتكنولوجي هو إمكانية تصنيع أنابيب متناهية الصغر (نانوية) من مادة الـ«دي إن إيه»، وهو ما يُمَكّن هذه الأنابيب من التوجه إلى خلايا معينة في الجسم بحسب الشفرة الوراثية التي تحملها على متنها. ولكن استخدام هذه الأنابيب في مجال الطب كان محدودا للغاية، نظرا لكونها أنابيب مفتوحة من الجهتين. ولكن سليمان وفريقها تمكنوا بطرق معقدة للغاية من اكتشاف وسيلة تتخذ من خلالها مادة الـ«دي إن إيه» النانوية أي شكل مطلوب، لتصبح كالعبوة التي يمكن للعلماء ملؤها بما شاءوا من مواد علاجية تساعد في شفاء الخلايا المريضة أو تكون كالطرد الملغوم الذي يحمل أمرا بالإعدام للخلايا السرطانية المتمردة، دونما تأثير يذكر على باقي خلايا الجسم السليمة ووظائفها الحيوية.

وفي مداخلة هاتفية مع البروفسورة هنادي سليمان قالت عن صدى بحثها في الأوساط العلمية الغربية: «استُقبِل البحث هنا بحفاوة بالغة، وقامت دورية Nature Chemistry الرفيعة بنشر موضوع عنه، وهو شرف كبير لي ولفريق البحث. كما أننا تلقينا كثيرا من الاتصالات المهنئة حول البحث من مختلف أنحاء العالم».

وحول مدى تأثير البحث على النظرة الغربية لذوي الأصول العربية، بعد الحادي عشر من سبتمبر، ردت سليمان: «رغم أن مونتريال تقع شمال الولايات المتحدة مباشرة، فإن الأمور هنا مختلفة تماما. فمنذ وصولي إلى كندا قبل 12 عاما، وأنا أجد أن طبيعة البشر هنا رائعة، فلا توجد عنصرية طبقا للجنس أو اللون أو الأصل، الكل يرحب بك ما دمت جادا في عملك. والناس هنا تحترمك على قدر علمك وإنجازك لا مالك وأصلك، ولذا فأنا لم أشعر باختلاف من هذه الناحية، لأنها لم توجد من الأساس».

وبخجل شديد وتواضع أشد، تجيب سليمان عن مدى احتمالية ترشحها إلى جائزة كبرى، مثل «نوبل» في الكيمياء، عن بحثها قائلة: «لا، ليس إلى هذه الدرجة، فأنا فقط خطوت خطوة صغيرة جدا في طريق العلم، وما زال الطريق طويلا كي يتمكن آخرون من تنفيذ التطبيقات باستخدام هذه التقنية». ورغم محاولة الجدل معها أن ابتكار التقنية هو ما يستحق الجوائز دائما لأنها تفتح أبوابا مغلقة أمام علماء آخرين كي ينفذوا التطبيقات المطلوبة، فإنها قالت: «أفضل أن أعمل وأنجز في صمت، وألا أحلم بالعائد الذي سيعود علي.. ولا أفكر في التكريم بقدر ما أفكر فيما يمكن أن أصنع من أجل التطور البشري». البروفسورة هنادي سليمان، المولودة في بيروت في 13 أبريل (نيسان)، حصلت على بكالوريوس العلوم في فرع الكيمياء من الجامعة الأميركية ببيروت عام 1985، قبل أن تحصل على الدكتوراه في الكيمياء العضوية من جامعة ستانفورد بولاية كاليفورنيا الأميركية عام 1990، لتعمل بعدها كأستاذ زائر بنفس الجامعة لمدة عامين، ثم تنتقل إلى جامعة لويس باستير بفرنسا لتعمل كباحث مشارك حتى عام 1996. ومنذ عام 1998 وحتى الآن تعمل كأستاذ مساعد بجامعة ماك غيل الكندية.

وتم تكريم سليمان عدة مرات، ففي مشوارها الحافل حصلت على زمالة المركز الوطني الفرنسي للباحثين العلميين (1994)، ثم جائزة كوتريل للتميز في التدريس والبحث في العلوم الفيزيقية (كندا، 2002)، ثم جائزة جامعة ماك غيل للتميز في التدريس (2003)، ثم منحة ويليام داوسون من نفس الجامعة (2004)، وزمالة المؤسسة الكندية للبحث المتقدم وجائزة ليو يافي للتميز في التدريس (ماك غيل 2005)، ثم منحة تعجيل الاكتشاف وقدرها 120 ألف دولار (2008)، ثم جائزة كرسي ويليام داوسون وجائزة سترم للكيمياء غير العضوية المحضة أو التطبيقية من الجمعية الكندية للكيمياء (2009).