«مار سابا» أشهر دير في فلسطين.. ممنوع على النساء

عمره 1500 عام.. ويعيش فيه 15 راهبا من دون كهرباء وماء وإنترنت

يحتفظ دير مار سابا ببعض أشجار الزيتون والليمون ويمنع أي زراعة أخرى حتى لا تأخذ من وقت الرهبان («الشرق الأوسط»)
TT

الطريق إلى دير مار سابا، الأشهر في فلسطين، يمر عبر كثير من المتعرجات في صحراء وادي القدرون القاحلة التي تبعد عن مركز مدينة بيت لحم جنوب الضفة الغربية نحو 20 كيلومترا، وتربط كذلك المدينة بالقدس والبحر الميت في أريحا.

أما الدير نفسه فإنه بني بطريقة هندسية جزءا فوق جزء، قبل 1500 سنة، بيد الراهب الشهير مار سابا، و5000 راهب آخر كان يقودهم، على سفح أحد الجبال المتصلة بسلسلة جبال. ويكاد يكون الدير منحوتا في بطن هذه الجبال في مشهد ساحر، يذهب كثيرون إلى هناك من أجل المتعة والمشاهدة والتنزه، وليس فقط للصلاة بالنسبة للمسيحيين.

ويرمز دير مار سابا إلى حياة الرهبنة «الصعبة»، ولذلك يأتيه رجال دين مسيحيون متعصبون من كل مكان في العالم، يعيشون ويموتون في أرضه.

واحتفظ سكان دير مار سابا على مدار مئات السنين التي مضت بطبيعته كما هي، ويعيش الآن الأب فريم مع 15 من رفاقه في الدير حياة الصحراء الأولى، من دون كهرباء وخطوط ماء، من دون أدوات اتصال وإنترنت وتلفزيونات وراديوهات.

وقال الأب فريم لـ«الشرق الأوسط»: «جئت إلى هنا من اليونان من أجل أن أصلي لله فقط، وسأموت هنا». أما لماذا اختار مار سابا من بين كل أديرة العالم، فقال: «هنا يُختبر إيمان الإنسان، هنا يعيش الإنسان لله فقط».

ومن دون وجود كهرباء يضطر فريم ورفاقه للعيش على أضواء الشموع في الليل، ويشربون الماء من نبع طبيعي في المكان. وقال فريم: «نعيش في الليل على أضواء شموع زيت الزيتون، ونشرب من نبع طبيعي يأتينا من بطن أحد الجبال». ويحظى زوار دير مار سابا بشربة ماء حلو المذاق من النبع الذي يقع إلى جانب نخلة قديمة.

واستمعنا إلى جدل بين بعض الزوار المسلمين والمسيحيين حول ما إذا كان هذا المكان شهد فعلا ميلاد السيد المسيح أم لا، لكن يعتقد على نطاق واسع أن المسيح ولد في المكان الذي بنيت فيه كنيسة المهد في بيت لحم.

وعمليا يمكن مد خطوط كهرباء وماء للدير، لكن القائمين عليه يرفضون ذلك، وفسر فريم الذي يعيش في مار سابا منذ أكثر من 3 سنوات المسألة بقوله: «لا نريد لشيء أن يشوش اتصالنا بالله، الكهرباء والتلفزيون والإنترنت ستأخذ من وقتنا وتشوش على عقولنا وبالتالي على اتصالنا بالله».

لكن لا تقف قائمة الممنوعات في دير مار سابا على الكهرباء ووسائل الاتصال الحديثة، بل يشتهر دير مار سابا بأنه محرم على النساء كذلك، وفي بيت لحم يقول أهالي مدينة العبيدية الأقرب إلى دير مار سابا إن رجال الدين في الدير يخشون من تعرضه إلى هزة أرضية إذا ما دخلته امرأة.

وقال إيهاب بنورة، الذي يعمل مسؤولا للأمن في الدير منذ أكثر من 11 عاما، لـ«الشرق الأوسط»: «هذه حكاية غير مؤكدة، بعض رجال الدين تحدث عنها، والبعض الآخر نفاها.. قالوا مرة إن مجندة إسرائيلية تمكنت من الدخول فاهتز الدير، لكن من غير المؤكد ذلك».

ورد فريم: «منع دخول النساء كان بقرار من مار سابا، هذا قانون». ومضى يقول: «حيث يوجد نساء توجد الشهوة، ونحن لا نريد لشيء أن يبعدنا عن الله».

وتبدأ صلوات رجال الدين المقيمين في مار سابا يوميا في السادسة والنصف ليلا، وتمتد حتى العاشرة والنصف صباحا، وقال فريم: «بعد ذلك ننام وننشغل في بعض الترتيبات».

ويحفظ رجال الدين وصايا يتناقلونها عن سابا الذي أخبرهم أن العذراء مريم ظهرت له وقالت له: «إن من يعيش بصبر في هذا الدير ويحفظ واجباته الروحية سيحصل على شفاعتي».

ومن بين القوانين الصعبة المتبعة هناك حظر أكل التفاح، ولهذا قصة قديمة حدثت مع سابا نفسه، وتقول نشرة يوزعها الدير إن سابا أراد أن يأكل تفاحة في غير مواعيد الأكل، لكنه رأى في ذلك شراهة فقاوم وقرر أن لا يأكل التفاح، ومنذ ذلك الوقت ممنوع على رجال الدين في مار سابا أكل التفاح.

ويحتفظ دير مار سابا ببعض أشجار الزيتون والليمون، ويمنع أي زراعة أخرى، حتى لا تأخذ من وقت الرهبان، ويحتوي دير مار سابا على رفات سابا المؤسس، و«قبر القديس»، و«الكنيسة المبنية من الله»، نسبة إلى مغارة في جبل كانت موجودة أصلا وأقيمت عليها الكنيسة الصغيرة، و«مقبرة الدير» التي تحتفظ برفات كثير من الرهبان ورجال الدين الذي قضوا في الدير، و«صومعة يوحنا الدمشقي»، و«برج يوستينيانوس» ويبلغ علوه 18 مترا وبني للمراقبة، و«ماء البار سابا» وبعض المغارات.

ويمكن للزائر أن يشاهد كل ذلك بما فيه رفات سابا الممد في صندوق زجاجي، وقد انكمش جسده قليلا وذاب منه بعض الجلد، ويرفض رجال الدين المسيحيون في الدير فكرة أن جسده قد تحنط، ويقولون إنه محروس من الرب.

وسابا هو الراهب الأهم في تاريخ هذا الدير، وتقول نشرة الدير إن سابا «صار راهبا وعمره 8 سنوات في كبادوكية في سابا وجاء إلى الأرض المقدسة في عمر 18 عاما». وحسب النشرة فإنه «في عام 478 ميلادي قاد ملاك سابا إلى المكان الحالي للدير وبناه مع 5000 راهب. وتوفي سابا في 532 ميلادي، وبعد سنوات حمل الصليبيون جثمانه إلى الغرب ثم أعادوه إلى مكانه».

ويذهب زوار الدير من المسيحيين خصيصا لزيارة قبر سابا، وخارج الدير كان يقف عشرات السواح ينتظرون السماح لهم بالدخول، وبينما سمح للرجال بالدخول منعت النسوة من ذلك، وبقين في الخارج يتأملن المكان والبناء ويصلين عن بعد.

ويأتي مسيحيون من كل مكان في العالم للصلاة، أما المسلمون فيتخذون من الجبال مكانا للتنزه، وقال ناصر العصا لـ«الشرق الأوسط»: «نأتي إلى هنا كل أسبوعين.. المكان رهيب وجميل وله رونق خاص». وبصحبة ناصر، كان سليمان زحايكة الذي جاء خصيصا من القدس لقضاء وقت مع أصدقائه، وقال «هنا آتي لأبحث عن الهدوء، وسط هذا الصمت الرهيب وبعيدا عن ضوضاء المدن».