معرض صغير و«شمولي الهوية» لثلاثين فنانا في سراييفو

الجمع بين الفن التشكيلي والرسم على الماء وفن الخط العربي مدرسة جديدة في البلقان

نقش على السيراميك في المعرض («الشرق الأوسط»)
TT

ظل فن الخط العربي والفن التشكيلي ومختلف أنواع الرسم، ولا سيما الرسم على الماء والخشب والسيراميك والقماش وكذلك التطريز، فنونا الواحد منها مستقل بذاته حتى وقت قريب. غير أن ظهور مدرسة جديدة في البلقان، بالإضافة إلى تركيا، يطلق عليها مسمى «الفن التجميعي» أنهت هذه القطيعة، أو بالأحرى أنهت تباعد هذه الحقول الثقافية واستقلالها الذاتي. وبالتالي، اندفع كثرة من المثقفين باتجاه اعتبار هذا المجال الثقافي الفني مختلفا عن غيره من المجالات المعرفية كالعلوم التطبيقية مثل الطب والهندسة، التي كلما تقدمت علومها نجدها تفرّعت وكثرت تخصصاتها.

الفنانة البوسنية مرحمة شيشيتش التقتها «الشرق الأوسط» في معرض بسراييفو، فقالت «الفن يتجمع من جهة، ويجمع في آن واحد، ولا يفرق، وظهور آية قرآنية على لوحة طبيعية أو لوحة من الفن التشكيلي، أو مع رسم على الماء (الإبرو) أو على الخشب، يزيد اللوحة جمالا وإجلالا». وأشارت إلى مجموعة من الأعمال الفنية المخصصة للزينة والإهداء، التي يمكن أن تستخدم أيضا لوضع الطعام، «هذه الأعمال التي ترون في المعرض، جزء بسيط من إنتاجنا فنحن 30 فنانا معظمنا نساء أردنا أن نعمل معا، والجميع يجيد فن كتابة الحروف العربية والرسم والتصوير والنقش وما إلى ذلك وإن بمستويات مختلفة»، وأردفت «في اللوحات الكبيرة التي نفدت بسرعة تشاركنا في أكثر من عمل وفقا للخبرة والتخصص، ولكن يمكن لكل واحد منا أن ينجز مثل هذه الأعمال بمفرده». وعما يعبر عنه المعرض قالت شيشيتش «إنه يؤكد على الثقافة الإنسانية من خلال وجود الكثير من المظاهر المشتركة. فالاعتراف بالآخر دليل قوة وثقة في النفس، ونفيه علامة ضعف وانعدام الثقة في الذات»، مشيرة إلى أنها تعلمت كتابة الحروف العربية في غضون 9 أيام فقط.

زائر المعرض يشاهد صحونا وأطباقا جمعت بين الخط العربي والرسم العادي و«الإبرو»، والمطرزات، بجانب النقش على الخشب، والخزفيات وأنواعا متعددة من أعمال السيراميك، ورسوما للسجاد البوسني وغيرها.

ونفت شيشيتش في ردها على سؤال أن يكون هدف المعرض تجاريا، إذ قالت «نحن نبيع اللوحة بسعر التكلفة فقط، وهمنا هو التعريف بهذا الفن.. إذ لا يزيد سعر اللوحة عن 25 يورو»، لكنها كشفت عن وجود نية لاقتحام معارض الكتاب والملتقيات الثقافية والاقتصادية والسياسية «للفت نظر العالم إلى أنه يوجد أشياء أخرى غير لغة الأرقام.. هي الحب والفن والشعور والإحساس والعاطفة».

الفنان رجب هاييتش (55 سنة) فنان متخصص في الحرف التراثية، وهو ممن يجمعون بين مختلف الفنون الجميلة. وفي لقاء معه شرح الطريقة التي كانت تجهّز بها العروسة عند انتقالها من بيت والدها إلى منزل زوجها، ومن ذلك صندوق ثيابها ومقتنياتها، وقال «لقد فقد الصندوق مكانه اليوم في عملية تجهيز العروسة، إذ حلت محله الحقائب. أما في السابق فكان لا بد من هذا الصندوق الخشبي، الذي يبدع الحرفيون في إعداده وزخرفته من الداخل والخارج، وكلما كانت الزخرفة أكثر وأغنى - والصندوق أكبر - كان ذلك دليلا على الغنى والجاه». وعن دور الصندوق المنسي في عملية تجهيز العروسة أوضح هاييتش «كثيرات من الفتيات يشترين صندوقا مزخرفا لوضعه في غرفة النوم أو مدخل البيت أو إحدى الزوايا، ما عدا زاوية النسيان. لقد أصبح رمزا للانتقال من مرحلة إلى أخرى بعدما كان وسيلة وأداة، وتعبيرا عن مستوى اجتماعي معين، إضافة لكونه مظهرا للزينة، وأحد موجودات المنزل، التقليدية الأثيرة». ثم نوه بحرص كثيرين من البلقانيين على تحويل بيوتهم إلى «متاحف صغيرة من خلال اقتناء الكثير من التحف التراثية التي تزيد البيت جمالا على جمال». وحقا، كان الصندوق المعروض للبيع، في ردهات المعرض داخل مبنى عتيق أدى دورا مهما إبان العهد العثماني في الجزء العريق من سراييفو، مزخرفا بالصور والنقوش مثل زهور الزئبق، ومعلم السبيل في باش تشارشيا (حنفية في قلب المدينة العتيقة) وحلقات لأبواب المنازل القديمة، وصورة لمصنع للسجاد كان قائما حتى القرن التاسع عشر، وهو اليوم مقر السفارة اليابانية في سراييفو.

وأوضحت الفنانة الأستاذة نورس أهانوفيتش، التي تخرج على يديها عدد كبير من الفنانين كيفية طلي اللوحات فتبدو بصورة مغايرة، إذ تبدو هذه اللوحات كما لو أنها نقشت على النحاس أو الفضة بينما هي غير ذلك، ولا علاقة لها بالمعدنين المذكورين بل صنعت من الألوفوليا. وتقول أهانوفيتش «هنا تبدو المواءمة ظاهرة بين الأصالة والمعاصرة.. مما يجعل الإنسان يعيش مختلف العصور من دون أي تناقضات فلسفية، بل يتمتع الإنسان بالأشياء الجديدة كأداة أو وسيلة عملية، وبالقديمة كرموز وثقافة ونكهة للتميز والإثراء والتنوع، كزهور الربيع تلبي جميع الأذواق ولا ينفي بعضها بعضا». وأردفت «نحن نستخدم خمسة فنون في آن معا هي: الرسم على الماء (الإبرو) والرسم على الورق، والرسم على القماش، والرسم على الخشب، ومن ذلك الرسم على الراحلة، وهي المحمل الذي يوضع فوقه القرآن الكريم. ولا شك، فإن التقنيات المتعلقة بهذه الأنواع مختلفة».

وفي إحدى ردهات المعرض التقينا أنيلا لاتيتش (17 سنة)، وهي أصغر فنانة مشاركة في المعرض تعبّر - كما قالت - عن «تواصل الأجيال». فلهذا ظلّت في بلادها بينما تعيش أسرتها في ليبيا، وشقيقها في دولة الإمارات العربية المتحدة. وتشرح لاتيتش ما تنتجه من فنيات قائلة «أعمل وأبيع إنتاجي ولا أعتبر نفسي أقل مقدرة من غيري، فلدي ما يميّزني، ولا سيما في مجال الرسم على الخشب». وعما إذا كان الناس يشترون منها إنتاجها لتشجيعها فقط، قالت «هو مزيج من الإعجاب والتشجيع وأحدهما متولد عن الآخر». وتابعت «أنا أحلم بأن أصبح فنانة عالمية مشهورة، وأن أقوم بجولات في أنحاء العالم لعرض إنتاجي الفني. وآمل في يوم من الأيام أن يكون لدي معارض في الكثير من الدول».