عدد السيارات في سورية تضاعف خلال 4 سنوات مرتين ونصف المرة

الأسود والألوان الغامقة الأكثر شعبية

سيارات من مختلف الأنواع يزدحم بها أحد شوارع دمشق («الشرق الأوسط»)
TT

في ساحة المرجة، أعرق الساحات العامة في العاصمة السورية دمشق، وفي صباح يوم ربيعي من أيام شهر أبريل (نيسان)، كان سائق سيارة الأجرة (التاكسي) الذي توقف ليقل راكبا إلى مقصده يتأفف وهو يباشر إعادة تشغيل عداده، ثم يتحدث لدى انطلاقه نحو منطقة البرامكة قائلا: «يا أخي، النساء لا يجدن قيادة السيارات. تصور إنني قبل أن أتوقف من أجلك كانت أمامي سيارة خاصة تحاول الانعطاف نحو زقاق فرعي من دون أن تعرف كيف ستنعطف، فكانت تارة تميل يسرة وتارة أخرى نحو اليمين حتى كادت تتسبب في تصادم مع سيارتي. ولقد راهنت الراكب الذي كان معي قبلك أن من يقود هذه السيارة امرأة.. وربحت الرهان».

إذا كان سائق «التاكسي» يتجنى قليلا على النساء في مجال مهارتهن في قيادة السيارات فإن البعض يربط الازدحام المروري الذي تشهده دمشق وبقية المدن السورية بكثرة عدد السيارات وانخفاض أسعارها خلال السنوات الخمس الماضية لدى تطبيق الرسوم الجمركية المخفضة على استيرادها، وهو الأمر الذي جعل اقتناء السيارات الخاصة متيسرا لشرائح كثيرة في المجتمع السوري. وكذلك سهل ذلك وجود عروض التقسيط لاقتناء سيارة من الشركات والوكلاء والبنوك العامة والخاصة.

آخر الإحصاءات الرسمية في مجال أعداد السيارات في سورية، حتى نهاية العام الماضي 2009، تشير إلى أن العدد وصل إلى نحو مليون وسبعمائة ألف سيارة بمختلف أنواعها، أي بمعدل سيارة لكل 13 مواطنا. كذلك تبين الإحصاءات أن العدد تضاعف مرتين ونصف المرة خلال أربع سنوات، أي بعد يونيو (حزيران) 2005، حين قررت الحكومة السورية تخفيض رسوم السيارات إلى أقل من الثلث.

ويبرر الباحث الاجتماعي محمد طرابلسي الإقبال الكبير من السوريين على اقتناء السيارات بأنه لم يكن استيراد الجديد منها مسموحا إلا بشروط ومن خلال مؤسسة السيارات الحكومية، وهذا أدى إلى ارتفاع أسعارها في السنوات السابقة، كما ارتفع سعر المستعمل منها أيضا. ولكن عام 2005 كان عاما مفصليا في سوق السيارات، وبالتالي، فمع المغريات وتوق السوريين إلى اقتناء سيارات خاصة بدأ الإقبال الشديد على شرائها. ومنذ ذلك الحين تشهد سوق السيارات تنافسا شديدا بوجود عشرات الماركات من مختلف البلدان المصنعة. ويرى طرابلسي أن الكثيرين من السوريين يحاولون شراء السيارات المميزة ولذا انتشرت السيارات السوداء أو الغامقة الألوان، وهذا ما يشاهده حقا زوار دمشق والمدن الأخرى. ويفسر المهتمون سبب انتشار اللون الأسود بين السيارات بأنه «يعطي فخامة وتميزا لمن يركب مثل هذه السيارات، على الرغم من أن هذا السيارات السوداء اللون تشكل عبئا أحيانا على مقتنيها لأنها تحتاج إلى تنظيف مستمر ويومي لكونها تلتقط غبار الشوارع بكثرة بعكس الألوان الفاتحة.

ومع انتشار السيارات بكثرة في السنوات الخمس الماضية انتشر معها عادات وتقاليد حرص السوريون على التمسك بها كموروث شعبي. من هذه العادات تعليق حذاء عتيق في أسفل السيارة من الخلف لـ«رد عين الحاسدين». وضحك أبو ميسر، وهو شاب صاحب سيارة «تاكسي» لدى إجابته عن سبب تعليقه الحذاء خلف سيارته، وقال: «هكذا نصحتني والدتي خوفا من عيون الحساد، وخاصة أن سيارتي حديثة الصنع وجميلة المنظر، وعلى الرغم من أن قناعتي ليست كاملة بهذا التقليد فما هو مقدر سيحدث سواء علقت الحذاء أو لم أعلقه.. لكنني استمعت لنصيحة أمي».

يمتلك أيضا أبو بشير، وهو صاحب محل بقالة في أحد أحياء دمشق، سيارة خاصة علق أيضا تحت مؤخرتها حذاء قديما وركنها أمام محله، غير أنه بعكس أبو ميسر مقتنع تماما بهذا التقليد لدرء الحسد، ويقول إن هناك «عيونا فارغة تحسد الإنسان على أي شيء يمتلكه والسيارة آلة تسير في الطرقات، ولذلك لا بد من تعويذة لمنع الحساد عنها». ويضيف: «كلما كانت الصرماية (أي الحذاء) عتيقة ومهترئة كان ذلك أفضل لدرء الحسد!».

وطبعا، لا ينسى الكثير من مقتني السيارات وضع الخرزات الزرقاء بأشكالها المختلفة، ومنها ما تكون على شكل عيون وأكف داخل سياراتهم حيث يعلقونها على الزجاج الأمامي والخلفي لدرء الحسد أيضا.

ولكن على أي حال، فمع انتشار السيارات بمئات الآلاف في شوارع دمشق والمدن السورية الكبرى الأخرى برزت حقا ظاهرة الازدحام المروري، وما عادت الشوارع تتحمل هذا العدد. وبناء عليه، تعمل الجهات المعنية على حل هذه المشكلة من خلال اتجاهين: الأول، إنشاء المزيد من الأنفاق والجسور والشوارع العريضة، والثاني تشجيع الناس على ركوب وسائل النقل الجماعي في تنقلاتهم داخل دمشق والمدن السورية المزدحمة. ولقد صرح مسؤول رفيع في مجال النقل قبل بضعة أيام، خلال ورشة عمل إقليمية أقيمت في دمشق لدراسة مشكلات النقل والازدحام «بأن هناك منظومة نقل داخلي قادمة إلى دمشق ستغري أصحاب السيارات بترك سياراتهم الخاصة واستخدام هذه المنظومة، التي من المتوقع أن تساهم في حل مشكلة النقل الداخلي في دمشق، إلى أن ينطلق العمل بمترو دمشق» الموعود الذي درسته مؤخرا إحدى الشركات الفرنسية.

يبقى القول، إنه مع ازدحام دمشق بالسيارات يحن كثيرون من الدمشقيين إلى الأيام الغابرة حين كان عدد السيارات في العاصمة قليلا. ويتداول كبار السن منهم تاريخ مجيء السيارات إلى دمشق ويشير البعض منهم إلى أن أول سيارة جاءت إلى دمشق كانت في عام 1908 وقد اشتراها الوجيه الدمشقي فيليب سكاف، وأن عدد السيارات في دمشق لم يتجاوز المائة سيارة حتى نهاية عام 1920، وكان معظمها من ماركة «فورد»، وكان الطراز الأشهر في تلك الأيام عند «فورد» هو موديل «تي» الذي أطلق الدمشقيون عليه لقب «فورد أبو دعسة».