مقهى الصم والبكم في الإسماعيلية.. دفتر أحوال خاص جدا

يشاهدون الأفلام الأجنبية ونشرات الأخبار ويردون على الهاتف الجوال

يشاهدون القنوات الفضائية، خصوصا التي تعرض أفلاما أجنبية مترجمة إلى العربية، كما يتابعون بعض نشرات الأخبار في القنوات الفضائية التي تتيح لغة الإشارة («الشرق الأوسط»)
TT

من بين مقاهي مدينة الإسماعيلية، التي أنشاها الخديوي إسماعيل ومنحها اسمه لتكون نافذة خاصة لمصر على شاطئ قناة السويس، يستوقفك مقهى «المشربية» الشعبي في حي المحطة في المدينة الهادئة القابعة على بعد 130 كم (شمال شرقي القاهرة) الذي أصبح بمثابة دفتر أحوال من نوع خاص، فعلى طاولاته يجتمع يوميا العشرات من الشباب الصم والبكم، يتحاورون ويتسامرون ويتابعون بصمت شفيف وهدوء مشمس فيما بينهم أوضاعهم المعيشية ومجريات الواقع والحياة. خلال كل ذلك يستقبلون بابتسامة عذبة تحيات المارة. يلوحون لهم ويردون التحية بإشاراتهم البسيطة التي لا تخلو بعض مفرداتها من طرافة ما، فالمقهى يقدم لهم خدمة خاصة، وحرص صاحبه على تعلم لغة الإشارة حتى يتواصل معهم.

زبائن المقهى الذي يقع في أكبر وأقدم أحياء المدينة، غالبيتهم من الصم والبكم، يجلسون في مجموعات على طاولات خارج المقهى.. يلعبون الطاولة ويحتسون المشروبات، بينما يتابع آخرون منهم إحدى القنوات الفضائية، التي تذيع فيلما أجنبيا مترجما إلى العربية، والبعض الآخر منشغل في حديثه بالهاتف الجوال مستخدما خاصية المشاهدة، للرد بالإشارات على المتصل، وعلى بعد عشرات الأمتار من المقهى تابعنا من بعيد ما يدور فيه من أجواء تخص الصم والبكم.

يقول وليد عبده، صاحب المقهى: «لا أحد يستطيع التحدث وفهم الصم والبكم داخل المقهى غيري.. فأنا على علم بلغة الإشارة وأحترمهم وأقدر ظروفهم وأعرفهم جميعا بشكل شخصي.. وهم كذلك يجدون راحة في التعامل معي».

وحول كيفية تعلمه لغة الصم والبكم يروي عبده: «عملت لفترة في الكافيتريا التابعة لنادي الصم والبكم، وهناك تعلمت لغة الإشارة وأتقنتها. في البداية وجدت صعوبة في التعامل، إلا أنني بعد فترة قصيرة أدركت جميع الإشارات».

وأضاف عبده: «اللغة الإشارية لغة فنية لكنها غير منطوقة، لقد أحببت عالم الصم والبكم، وتعاطفت مع مشكلاته ومفارقاته، ووجدتني بعد نحو عامين من العمل داخل النادي أقرر أن فتح مقهى خاصا بي، ولم يكن غرضي في البداية أن يكون زبائنه من الصم والبكم، لكن قدرتي على مد علاقات طيبة معهم جعلت هذا المكان سببا في تجمعهم والترويح عن أنفسهم كل ليلة».

يتابع عبده: «كانت جماعات متفرقة منهم يجلسون في مقاه متعددة في أنحاء المدينة، لكن بعد وقت قصير من بداية نشاطي أصبح المقهى الاختيار الأول لهم وتوافد علي العشرات من الصم والبكم.. أصبحوا يفضلون المكان، وساعدهم على ذلك أيضا أن العاملين في المقهى أصبحوا على دراية بلغتهم، كما أن جيران المقهى لا يشعرون بإزعاج من وجودهم لساعات متأخرة في المقهى، فهم ليسوا مصدر قلق وإزعاج للجيران».

وحول طبيعة عالمهم الخاصة يضيف عبده: «أكثر ما يميز الصم والبكم توقيرهم للكبير، فالأكبر سنا بينهم تجدهم يحترمونه ويبجلونه، ودائما هو محط استشاراتهم في أمورهم الحياتية والعامة، كما أنهم يتميزون بالذكاء الشديد وسرعة البديهة، حتى إنهم يستخدمون إشارات سهلة في التعامل مع الآخرين للتواصل».

عبده كان دليلنا في التحاور مع بعض المتردين على المقهى من الصم والبكم واقتربنا من إحدى المجموعات التي اعتادت التردد على المقهى، وبدا من اللحظة الأولى أن أحدهم، ويدعى علي أحمد حسن (47 عاما) هو كبير الجلسة، لكن بذكاء وبسرعة بديهة، أدركها البقية منهم، حاول استشارتهم في قبول التحدث معنا أو الرفض، فكانت الموافقة بإيماءات وإشارات حاولنا فهمها.

يقول يوسف عبد الرحمن، يعمل منجدا في إدارة الكراكات في هيئة قناة السويس إنه منذ الوهلة الأولى لافتتاح المقهى وجد وكثير من زملائه الصم والبكم في هذا المكان فرصة للترويح عن أنفسهم من هموم الحياة اليومية والتسامر مع بعضهم. فرغم أن هذا المقهى لا يختلف عن باقي المقاهي المنتشرة في المنطقة، فإن القائمين على العمل داخله يدركون لغة الإشارة وفن التعامل بها.، «ونحن هنا يمكننا أن نتابع أحوالنا المعيشية مع بعضنا بعضا فكل منا يجد في الآخر صديقه الصدوق الذي يفهمه ويدرك حاجته عن الآخرين».

وبين الحديث في الفن والرياضة ومشاهدة الفضائيات ولعب الطاولة يقضي الصم والبكم أوقات فراغهم داخل مقهى المشربية بعد يوم طويل من العمل والجهد.

يقول عادل محمد (36 عاما)، ويعمل موظفا في إدارة الأمن في جامعة قناة السويس بالإسماعيلية، إن المقهى والنادي الذي يعد مقرا لجمعية الصم والبكم في المحافظة هما المكانان اللذان يتجمع فيهما الصم والبكم في الإسماعيلية.

ويضيف أنهم يشاهدون القنوات الفضائية، وبخاصة التي تعرض أفلاما أجنبية مترجمة إلى العربية، حيث يمكنهم قراءة الترجمة وفهم الفيلم المعروض، كما يتابعون بعض نشرات الأخبار في القنوات الفضائية التي تتيح لغة الإشارة ويضيف: «لكنها قليلة للغاية لا تكفينا لمتابعة سير الأحداث الجارية في العالم وفي مصر».

ويقول أحمد علي (34 عاما)، إنه وجميع الصم والبكم يتابعون نتائج النادي الإسماعيلي ويشجعون الفريق، وإن كثيرا منهم ملتزم بحضور المباريات في الاستاد، ويضيف أن أكثر الصحف اليومية التي يحرصون على متابعتها «الأهرام المسائي»، لأنها تهتم بالرياضة في المقام الأول وإبراز أخبار النادي الإسماعيلية.