لامبيس.. أشهر صالون حلاقة يوناني يسترجع ذكرياته في الإسكندرية

فؤاد سراج الدين والنحاس وفرغلي باشا كانوا من زبائنه

واجهة صالون لامبيس من الخارج («الشرق الأوسط»)
TT

في قلب الإسكندرية التجاري، يقبع صالون «لامبيس» للحلاقة في أناقة وهدوء بطرازه الكلاسيكي العتيق وستائره البيضاء. للوهلة الأولى يظن المار به أنه مجرد محل قديم يجلس فيه صاحبه لقضاء الوقت، بل إن غالبية المارة لا يلتفتون إليه، لكن من يمعن النظر سيجد زبائن شديدي الأناقة والأبهة يخرجون منه ويتوافدون إليه بين حين وآخر.

أشرف إسماعيل، أحد أشهر العمال في الصالون بدا منهمكا في قص شعر أحد زبائنه وعلى وجهه ابتسامة لا تفارقه، وحينما سألته عن قصة هذا الصالون قال: «الصالون عمره أكثر من 70 سنة، وأسسه الخواجة اليوناني خرالامبو لابيدس، الذي اشتهر باسم لامبيس على اسم المحل»، ولمح مبتسما: «أصل اسمه كان صعب شوية واختار اسم الصالون لامبيس، يعني صالون الزهور لأنه سهل»، وكان والدي محمد إسماعيل أحد العاملين معه إلى جانب أحد اليونانيين، وظل يعمل معه عشرات السنين».

يكمل وهو في غاية التركيز مستمتعا بصوت المقص: «امتلك والدي الصالون حينما قرر لامبيس أن يغادر مصر بعدما بلغ الستينات من عمره وقرر السفر لليونان، خصوصا أن معظم الجالية اليونانية هاجرت للخارج وتركت الإسكندرية، كان ذلك عام 1957 حيث اشترى والدي الصالون من لامبيس بنحو 200 جنيه، وكان مبلغا كبيرا في ذلك الوقت، ولا يزال الصالون كما هو بكل ديكوراته ومعداته منذ ذلك اليوم».

يترك إسماعيل الزبون لدقائق ليستعرض معنا ما يحتفظ به من صورة عقد البيع الخاص بالصالون، وصور والده مع لامبيس، ومع بعض أشهر الشخصيات من الجالية اليونانية في الإسكندرية. وقبل أن يتذمر الزبون أخذ إسماعيل في تهذيب ذقنه سريعا متلافيا غضبه بإضافة كثير من كريم الحلاقة مستطردا: «الزي المميز في الصالون المعطف الأبيض، والنظام والنظافة من أهم ما يميز لامبيس حتى الآن، كان الباشوات والبرنسات تحب أن تلقى العناية هنا في هذا الصالون منهم البطريرك اليوناني، ومحافظ الإسكندرية، ورئيس الجالية اليونانية، وفؤاد سراج الدين باشا والنحاس باشا وفرغلي باشا، وعائلات كبيرة كعائلة يانيسكيريس وستيفانو، وسان جورج، وسبيرو، وتارناداس، وأنيس كيريس صاحب الصالون الأخضر كان يأتي إلينا دائما، وصاحب محلات أريستو».

وبحركات بهلوانية يصفف إسماعيل شعر الزبون ممسكا بزجاجة ماء الكولونيا ويحاول أن يضيف بعض اللمسات الأخيرة، مواصلا حكايته: «كانت محطة الرمل معظمها أجانب، كان هناك علاقة قوية بيننا وبينهم، سواء سكان أو أصحاب محلات، فكان بجوار لامبيس محل قمصان أرمنلي، ومحلات أحذية ومجوهرات، وكان هناك صالونات ومحال يونانية وإيطالية وأرمنية، وأتذكر جيدا أن والدي كان يتكلم اليونانية والفرنسية والإيطالية، وقد تعلمت منه اليونانية».

لا يزال كل مكان بالصالون كما هو محتفظا برونقه. وعن تقاليد صالون لامبيس الشهيرة، يقول إسماعيل: «الأسعار كانت محددة زمان بـ25 قرشا وكان فيه زبائن تحب الدفع بالشهر 3 جنيهات لزيارتين لحلاقة الشعر، ويوم ويوم لحلاقة الذقن. ويشير إلى دولاب أبيض بأدراج كثيرة صغيرة: «كل زبون له درج خاص به، يحتوي على المقص الخاص به، والشفرات الخاصة به، وعلى الرغم من عدم وجود لافتات للأسماء فإن كل زبون يعرف درجه جيدا من دون وضع أسماء».

«خرالامبو شاف جيبي معمر راح دوغري واقف لي مشمر».. كلمات تغنى بها سيد درويش حول استغلال اليونانيين للمصريين. لكن أشرف إسماعيل يؤكد أن ذكريات والده مع خرالامبو صاحب صالون لامبيس تختلف عن كلمات درويش، فقد كانت جيدة، ويؤكد قائلا: «كان لامبيس محبوبا من الناس في المنطقة، وكان معروفا بدقة مواعيده لا يتأخر دقيقة، كان يفتح الصالون الساعة 7 صباحا، وفي تمام الساعة 12 يأخذ استراحة الغداء، وبعدها بنصف ساعة يعود للعمل ويغلق في السابعة مساء».

ويضيف: «كان لامبيس يصنع الصابون هنا، ويصنع كريم الحلاقة هنا في الصالون بنفسه في جزء خاص به يشبه المعمل، فكان يصنع الكولونيا والصابون الخاصة بالصالون، لكن حاليا كله جاهز. وكانت شهرة صالون لامبيس أن الخواجة كان يصنع الباروكات لزوم التنكر، وكان ماهرا في وضع الماكياج وكان الزبائن يأتون لعمل زينتهم قبل الحفلات التنكرية التي تقام في العطارين ومحطة الرمل، وكنا نشاهد في الشارع أزياء مختلفة الأشكال والألوان، لكن كل ذلك كان قبل الثورة».

ويذكر إسماعيل أن لامبيس كان من أشهر عاداته أن يقيم مسابقة كل كريسماس، راويا: «كان زمان في شيء اسمه (كارتيلا) كان عبارة عن كيس كبير من القماش، يضع فيه الخواجة لامبيس قطعا من الفلين ويوضع عليها أرقام من 1 إلى 300، والنمرة بخمسة قروش، كان كل زبون يشتري أرقاما طول السنة، وكان كل الزبائن المشتركين تسجل أسماؤهم في دفتر، ويوم الكريسماس يفتحون الكيس ويختارون الفائز وتعرف المنطقة كلها من الفائز، كان تقليدا يحبه الزبائن».

وعن اختلاف الأحوال عن الماضي، قال: «الأوضاع اختلفت، وكان الوضع في الماضي أفضل من الآن، ووجود الجنسيات المتعددة كان سببا في النشاط التجاري، والمصريون تعلموا منهم حاجات كثيرة».

ويشكو إسماعيل من أن بعض الزبائن هجروا صالونه وذهبوا لزميل والده الذي انفصل عن صالون لامبيس وافتتح صالونا آخر خاصا به.

وحينما سألته عن توافد زبائن يونانيين عليه قال: «حينما بدأت العمل هنا مع والدي كان عمري 18 سنة، وتعرفت على أناس منهم، كان ذلك في الثمانينات وما زال بعض المقيمين هنا من اليونانيين يأتون إلي، أما الذين هاجروا لكندا وأستراليا وأميركا أو عادوا لليونان، أعتقد أنهم كانوا في حالة حزن شديد لمغادرتهم مصر، فبعضهم يأتي من خلال رحلات سياحية ويزورون المحل مصطحبين أبناءهم أو أحفادهم فيقومون بالتقاط الصور التذكارية معي لاسترجاع ذكرياتهم في الإسكندرية».