أسواق «البالة» في بورسعيد.. ملابس قديمة تتحدث بعدة لغات

أصبحت متنفسا لمحدودي الدخل وتغري ذوي المناصب المهمة

سوق البالة في بورسعيد.. للبحث عن الجديد والجيد من الملابس («الشرق الأوسط»)
TT

«الأشياء القديمة لا تزال صالحة لإثارة الدهشة».. هذا القول المأثور ربما يجهله الكثير من باعة الملابس المستوردة بأسواق «البالة» بمدينة بورسعيد على ساحل المتوسط التي يفد إليها آلاف المصريين لقضاء حوائجهم من الملابس، وتحت إغراء أنها مدينة حرة، وسوق مفتوحة للتسوق على شتى الأصناف والخامات الأجنبية والمحلية. داخل أسواق «البالة» التي أصبحت متاجرها تنتشر في أسواق المدينة الشعبية وتعرض الملابس المستوردة ذات الماركات العالمية القادمة من مختلف الدول الأوروبية. يمكنك أن تلاحظ اتساع هذه النوعية من التجارة التي أصبحت سوقا مفتوحة للمنافسة بين التجار بدأت ملامحها تتبلور بقوة في أعقاب إنشاء المدينة الحرة في بورسعيد عام 1975، حيث أطلق أهالي المدينة اسم «البالة» على الملابس كانت تأتي على متن السفن داخل بالات.

ويرجع زبائن البالة إقبالهم على شراء الملابس المستعملة المستوردة لتميزها بجودة الخامات وعدم انتشارها في الأسواق، إضافة إلى رخص أسعارها التي تناسب إمكاناتهم المادية المتواضعة. خاصة بعد أن اتسعت أسواق البالة وأصبحت تتميز بالتنوع. سوق كبيرة تقع على مساحة أكثر من 3 آلاف متر مربع على بعد مئات الأمتار من أسواق الحميدي والتجاري الشهيرة ببورسعيد بها أكثر من 500 محل تجاري تخصص في بيع المنسوجات والأحذية ذات الماركات العالمية والمستوردة.

وبينما تعج بزبائنها من أصحاب الدخول المتوسطة فإن هناك من ذوي المناصب المهمة يقبلون على شراء البالة.

يقول حسن زكي محمد من كبار تجار البالة بالسوق إن هناك تحولا حدث في زبائن سوق البالة فلم يعد يقتصر زبائنها على الفقراء ومحدودي الدخل كما كان في السابق بل إن أغلبية المقبلين على شراء ملابس البالة في الفترة الحالية من أصحاب الدخول المتوسطة وفوق المتوسطة. ويضيف: في السابق كانت ملابس البالة تعرض على عربات تجرها الحمير وتمر في كل شوارع بورسعيد، خاصة في شارعي التجاري والحميدي بالمدينة، إلا أن الوضع اختلف الآن تماما، حيث تقام لهذه التجارة المحلات التجارية ذات الواجهات الزجاجية وأصبحت الملابس تعرض على شماعات بعد إعادة غسلها وكيها في تراص بصورة تلفت نظر المشترين للإقبال عليها. ويؤكد زكي أن الملابس المستعملة أسعارها مرتفعة وليست رخيصة كما يظن البعض فهناك ارتفاع في أسعار استيرادها من الخارج خلال السنوات الماضية. كما أن لها زبائنها. ويشير أن أكثر المقبلين على شراء البالة من أصحاب الأذواق الرفيعة الذين يقدرون قيمة ملابس البالة وجودة خاماتها وعدم انتشارها بالأسواق مقارنة بالملابس الجديدة المنتشرة في كل الأسواق. ويقول سعد عواد تاجر بالة إن سوق البالة في بورسعيد تضم كل الأنواع والمقاسات المختلفة لجميع الفئات العمرية، حيث تتوافر الملابس النسائية والأطفال والرجالي وهناك محلات تتخصص في بيع أحذية البالة وجميعها من الماركات المسجلة العالمية واستخداماتها متنوعة ما بين رياضي وكلاسيك وغيرها. ويضيف: أغلب المعروض ليس مستعملا بل هناك «استوكات» لملابس جديدة لم يسبق استخدامها وهذه النوعية من الملابس تتميز بارتفاع أسعارها. ويتابع عواد لافتا إلى أن تجارة الملابس المستعملة أكثر ربحية من تجارة الملابس الجديدة ويفضل تجار بورسعيد التجارة في الملابس المستعملة لانخفاض رسومها الجمركية عن الملابس الجديدة. وأثناء التجول في سوق البالة تبين وجود اختلافات في جودة المعروض فهناك من المعروض لا يمكن تفرقته عن الجديد وهذا يعد فرزا أول، وهناك فرز ثان وهذه النوعية يقبل عليها محدودو الدخل لرخص سعرها.

و يقول أحمد الجنايني شريك في أحد متاجر البالة إن البضاعة تأتي من الجمارك بعد إنهاء إجراءاتها الجمركية في بالات حيث يتراوح وزن البالة الواحدة من 45 إلى 200 كيلوغرام.

ويضيف أن أكثر زبائن البالة من الرجال وأن سعر القميص الرجالي يبدأ من 30 جنيها ويصل حتى 100 جنيه للماركات العالمية. فيما يتراوح سعر البنطلون الرجالي من 20 إلى 80 جنيها حسب جودة ونوعية البنطلون. وتتراوح أسعار الفساتين الحريمي من 200 إلى 500 جنيه للفستان الواحد كما أن ملابس الأطفال الأولادي والبناتي تتراوح ما بين 50 جنيها للطقم حتى 200 جنيه.

ويكشف الجنايني عن أن هناك عددا من المستشارين والضباط ومديري الفنادق من زبائنه. مؤكدا أن هناك بدلا تباع في البالة تصل أسعارها لأكثر من 2000 جنيه. ويقبل على شرائها ذوو الدخول المرتفعة. ويقول عاطف العطوي رئيس الجهاز التنفيذي للمدينة الحرة ببورسعيد إن بورسعيد كانت تستورد سنويا ما قيمته ثلاثة ملايين دولار من البالة تراجعت هذا العام إلى نحو مليوني دولار نتيجة خفض الحصص الاستيرادية ببورسعيد وهناك نحو 250 مستوردا بالمدينة يقومون بعمليات الاستيراد من أوروبا. ويقول علي سعد وهو يعمل بأحد محال بيع البالة إنه يقوم وعدد من زملائه بعملية فرز البالة التي تأتي إليهم من المستورد حيث يتم فز الحريمي على حدة والرجالي والأطفال ثم يتم بعدها تصنيف الملابس إلى بنطلونات وقمصان وسترات طبقا لنوعية الموجود في البالة ويتم كيها وتعليقها على الشماعات لتعرض بصورة جذابة.

وعلى الرغم من سلمه الوظيفي المرتفع لا ينكر محمد حسن، نائب مدير بإحدى المؤسسات الحكومية، أنه يقبل على شراء معظم ملابسه من البالة لتميزها بجودة خامتها التي يندر وجودها في الملابس الجديدة كما أن أسعارها مناسبة. مشيرا إلى أن ملابس البالة تتميز بعدم انتشارها في الأسواق لذلك تضمن أن ما ترتديه لا يرتديه غيرك. وتتفق معه هناء جوهر موظفة مرموقة بهيئة قناة السويس بالإسماعيلية مشيرة إلى أنها كثيرا ما تجد فساتين «لُقْطة» في البالة، حتى أن أصدقاءها يحسدنها عليها. وتقول هناء: البالة أصبحت سوقا منظمة ومريحة على عكس زمان، حيث كان يتسم بالكثير من الفوضى، لذلك فقد أصبحت البالة سوقي المفضلة للبحث عن الجديد والجيد من الملابس وبأسعار معقولة جدا مقارنة بالأسعار في محال الملابس الأخرى.