صيارفة الشوارع والباعة المتجولون.. أبرز معالم «دوار المنارة» في رام الله

تلاحقهم الشرطة أحيانا لكنهم باقون مكانهم منذ عشرات السنين

باعة «دوار المنارة».. بعضهم يفضلون البقاء مطاردين من قبل الشرطة («الشرق الأوسط»)
TT

يعرف« دوار المنارة» الشهير وسط مدينة رام الله بالضفة الغربية، بأسوده الخمسة المنحوتة بشكل متقن على الدوار، الذي يعتبر مركز الحياة في المدينة التي تحولت إلى عاصمة سياسية للفلسطينيين، غير أن ثمة ما يميز دوار «المنارة» غير تلك الأسود، الموجودة منذ عام 1946.. إنهم صيارفة الشوارع، وباعة المدينة المتجولون.

ومنذ 21 عاما، لم يغادر أبو حسن - 53 عاما - الذي يعتبر عميد الصيارفة المتجولين، ساحة المنارة، ويصف نفسه بمعلم تراثي في المنارة، حتى أنه كثيرا ما يمازح شرطة المدينة وعائلته بالقول لهم: «ادفنوني بجانب الأسود».

يأخذ الرجل مكانا بقرب «البنك العربي»، ظاهرا للمارة الذين يقطعون الدوار بكل الاتجاهات، وإلى جانبه يقف صيارفة آخرون وبعض الباعة المتجولين، يصطادون زبائنهم.

يمسك أبو حسن بالأموال ظاهرة في يده، ويراقب المارة في انتظار من يسأله عن سعر صرف العملات. ويحرص أبو حسن على أن يعطي سعرا مماثلا لسعر صرفها في المحلات الرسمية.

سأله أحد المارة: بكم الدولار؟ فأجاب مسرعا: بـ3.72 (شيكل إسرائيلي). كان هذا سعر صرفه في محلات الصرافة أيضا، لكن الشاب فضل أن يذهب إلى محل رسمي، فقال أبو حسن، «ربما كان يتوقع أن نعطيه سعرا أفضل من محلات الصرافة، أو أنه يتوقع أني أغشه».

ويعمد بعض الصرافين المتجولين إلى استغلال جهل المارة بسعر الصرف الرسمي، ويصرفون بسعر أقل من المعمول به. قال أبو حسن «أنا ما بعملها، أنا أعمل هنا منذ 21 عاما، وأحافظ على مصداقيتي مع الناس». أما لماذا يختار بعض الناس التوجه إلى صيارفة الشوارع، فقال أبو حسن: «إما يكونون متعجلين، أو أصدقاء، أو يتوقعون سعرا أفضل من المحلات».

ويثير صيارفة الشوارع حفيظة أصحاب المحلات الرسمية للصرافة، فمع كل ما يترتب على أصحاب المحلات من ضرائب، لا يدفع الصيارفة المتجولون أي دولار مقابل السماح لهم بمزاولة هذه المهنة.

وتبدو علاقة الصيارفة بالشرطة مثل علاقة القط والفأر في الفيلم الكرتوني الشهير «توم وجيري».. «أحيانا هم متخاصمون.. وأحيانا متصالحون».

وقال أبو حسن: «يطاردوننا أحيانا كثيرة، ويعتقلوننا ويحتجزوننا لساعتين في مركز الشرطة، ويطلبون منا عدم العمل، بسبب شكوى تصلهم من سلطة النقد أو البنك، ومن ثم يطلقون سراحنا، ونعود».

وبحسب أبو حسن، فإن دخله اليوم يبلغ نحو 20 دولارا فقط، وقال إن ذلك لا يكفي لسد احتياجات عائلته المكونة من 6 أفراد، وإنه يضطر دوما إلى الاستدانة، ولكن «لا بديل».

ويحرص الصيارفة على حمل أقل مبلغ ممكن من المال، وهم يخشون عادة التعرض للسرقات، ويفاخر أبو حسن أنه لم يتعرض للسرقة مرة واحدة في حياته، وإن كان لا يستبعد ذلك. وقال: «الحمد لله، هناك أمن نفاخر فيه». وروى أن طبيبا أجنبيا، جاءه ذات مرة، وسأله كيف يجرؤ على حمل الأموال بهذه الطريقة في الشارع، واصفا ذلك من عجائب الدنيا.

انشغل أبو حسن مجددا في صرف بعض الدنانير لأحد المارة، أما رفاقه فامتنعوا عن الحديث، إذ يخشون أن يفتح ذلك عليهم النار.. كانوا يفضلون أن يعملوا في صمت، ووحده أبو حسن تجاوب، شرط أن لا يذكر اسمه.

قال أحدهم إن الدخل في تراجع.. وصمت. وقال إنه لا يريد الحديث حتى لا يتعرض للسرقة، وزاد أبو حسن: «أكثر فترة مزدهرة كانت قبل الانتفاضة الثانية.. الناس كانت تشتغل في إسرائيل. كل يوم كان في حركة وفي صرف، أما اليوم فالحركة لا تتجاوز الأيام الثلاثة الأولى بعد دفع الرواتب. الناس اليوم موظفون في السلطة.. مش عمال في إسرائيل».

لكن حركة الناس المكتظة على «دوار المنارة»، كانت تشي بغير ذلك، فعشرات من أفراد الشرطة ينظمون حركة السير في بقعة ضيقة نسبيا، والناس بدوا كأنهم في صراع مع الحياة، متعجلين في كل شيء، المشي والأكل والتسوق والكلام.

وليس بعيدا عن أبو حسن، كان الطفل محمد قعد - 15 عاما - يحمل بعض شرائح الجوال، يبيعها للمارة، وقال إنه يعمل على المنارة منذ كان عمره 11 عاما. ويأتي محمد بعد مدرسته ليبيع للناس، ولا يدفع محمد مقابل ذلك أي مبلغ لبلدية رام الله، ويقول إن متوسط دخله اليومي من 50 إلى 100 شيكل (الدولار 3.70 شيكل)، أي يساوي ويزيد على دخل أبو حسن، الذي قال إن أطفال الشوارع يبيعون أفضل منه.

وبحسب محمد، فلا أحد يمنعه من مزاولة عمله، أو يطلب منه مقابل ذلك، على الرغم من أن سنه غير قانونية. ومن دون أن يقول، اكتشفنا أن شقيقه الأصغر أدهم - 11 عاما - يتخذ زاوية مقابلة أخرى يبيع فيها حلوى الأطفال. وبحسبه، فإن دخله اليومي يقارب الـ50 شيكلا (14 دولارا).

ويعمل محمد وأدهم في ظل وضع اقتصادي صعب تعيشه العائلة، وقالا إنهما يعملان من أجل سد احتياجات العائلة.

أما إياد سامي، بائع الكعك، فإنه الأوفر حظا، إذ يبلغ دخله اليومي نحو 150 شيكلا يوميا (40 دولارا).

ويجر إياد عربة كعك، غير مرخصة، وقال إنه يرفض الحصول على ترخيص من البلدية لأنها تطالبه بدفع مبلغ 400 شيكل شهريا (110 دولارات)، ووصف سامي هذا بالكثير جدا، وأضاف: «أفضل البقاء هكذا مطاردا». ويتعرض إياد لمضايقات مستمرة من الشرطة التي تأمره بين الفينة والأخرى بمغادرة المكان. لكنه يقضي يومه متحايلا على الشرطة، يهرب من زاوية إلى أخرى. جاءه من يطلب كعكتين وبعض البيض، تركنا فورا وأخد يحضر ما طلب منه، وقال: «بسبب الشرطة، بعد قليل أغادر.. أتحرك أمتارا وأبيع لآخرين، وأعود،.. وهكذا».