«العلاج بالدراما» لحل مشكلات السجناء كما المذيعات اللبنانيات

ورشتان لاستعادة الثقة بالنفس بإدارة الفنانة عايدة صبرا

ملصق للإعلان عن ورشة عايدة صبرا لتطوير المهارات التواصلية
TT

إذا كنت ممن يجدون صعوبة في التواصل مع محيطهم، إما لأنك تتكلم بصوت منخفض، أو لعلك ترتبك أو تصاب بشيء من الخجل، وقد تكون ممن يتعثرون في التعبير، كل هذا، وغيره من المشكلات التي تواجهك في علاقاتك اليومية مع الآخرين، يمكنك حلها بالانضمام إلى إحدى ورشتي التمثيل اللتين تديرهما الفنانة عايدة صبرا في بيروت.

عايدة صبرا الممثلة القديرة، التي شاهدها محبو برنامج «ستار أكاديمي» وهي تعلم طلاب الأكاديمية التمثيل، كما تابعها جمهور المسرح اللبناني في أعمال بقيت عالقة في أذهانهم، هي كذلك ممن يجيدون مساعدة الآخرين للتغلب على مشكلاتهم التواصلية الاجتماعية، وتقوية قدرتهم على التعبير، وهو ما سيختبره معها المنضمون إلى ورشتين متتاليتين في «مسرح بابل». الورشة الأولى بدأت أول من أمس وتستمر أربعة أيام، يتعلم خلالها المتدربون أساليب التعبير الإيمائي، أما الثانية التي تبدأ في الثامن عشر من مايو (أيار) وتستمر لأربعة أيام، فمهمتها تعليم المتدربين تطوير مهاراتهم التواصلية.

وتقول عايدة صبرا التي سبق لها أن نظمت ثلاث ورشات عمل لهواة ومحترفين «إن النتائج كانت مشجعة، وإن المتدربين استطاعوا تخطي عوائق، تسببت بها تراكمات كانوا غير قادرين على اكتشافها وحدهم، ومن دون مساعدة». وتتحدث الفنانة عن «أشخاص يتكلمون بسرعة تمكنوا من تنظيم إيقاع كلامهم، وآخرين يتحدثون دون أن ينظروا في وجه الآخر وعينيه، ومنهم من كانوا يشعرون بارتباك».

وتلجأ مؤسسات تجارية بحسب ما تقول الفنانة عايدة صبرا إليها وتقيم ورشات تدريب لمندوبيها الذين يقتضي عملهم تماسا مباشرا مع الناس، وإقناعا للزبائن، بشراء منتوجات، أو القبول باتفاقات معينة. فالهدف في النهاية هو اكتساب ثقة عالية بالنفس، مصحوبة بجرأة مهذبة، وثمة «فرق كبير بين الجرأة والوقاحة»، تحدد الفنانة صبرا.

أما الوسائل التي تتبعها عايدة مع طلابها فهي مبنية بشكل أساسي على التمارين الارتجالية. وتقول: «ليس هناك خطأ وصواب. نحن نجرب وسائل عدة لتحفيز التفكير بطريقة خلاقة، وبسرعة، إذ إن السرعة هنا مسألة محورية. أطلب من المتدربين مثلا، بعد تقسيمهم إلى مجموعات، قد تكون كل مجموعة من شخصين، ارتجال مشهد خلال خمس دقائق مستلهمين ما يدور حولهم. غالبا ما يميل المتدربون لتمثيل شيء يتطابق مع الواقع، ومهمتي أن أحرك مخيلتهم وأجعلهم يحولون هذه الفكرة العادية إلى فانتازيا. بالانتقال من الواقع إلى تخييل يصير المتدرب قادرا من خلاله على البحث عن مخارج والاستفادة منها.. البعض يقاوم طوال فترة التدريب، ويبقى حبيس اليومي الجاف، لكن دائما في النفس ثمة ما يتغير، ومنهم من يفاجئونني في اليوم الأخير، بأنهم باتوا قادرين على تجاوز العادي إلى ما هو أبعد وأعمق».

الورشة الثانية التي سيكون بها الافتتاح وتستمر حتى 13 من الشهر الحالي، تقول عايدة صبرا إنها مختلفة في تقنياتها وفي أهدافها، التمثيل الصامت أو «الإيمائية» هي عملية خلق في الفراغ. «بمعنى أن يتعلم المتدرب كيف يمشي على حائط غير موجود أو يقفز فوق حواجز ليست موجودة إلا في مخيلته. حين يتعلم أحدنا هذه التقنية، وهي تقنية رياضية تماما.. فإنه يكتسب قدرة السيطرة على أي مكان يدخل إليه، بدل أن يسيطر الآخرون على وجوده. الإيماء هو عملية خلق مساحة حرة مع أنفسنا. وما أحاوله هو أن أضع المتدرب في حالات غير معهودة بالنسبة له، بحيث يخرج من ذاته الجادة ويدخل في عملية قد يعتبرها للوهلة الأولى جنونية، إلا أنه بعد ذلك يتقبلها وينسجم معها».

وتروي الفنانة عايدة صبرا أنها طلبت من أحد المتدربين تقليد دجاجة. فرفض وقال: كيف أضع نفسي في هذا الموقف السخيف؟ فأجبته أنا لا أطلب منك أن تقلد الدجاجة بشكلها البسيط، وإنما كما تراها أنت مع ما يحيط بها. ففعل، وهو يضحك، ويضحك معه الآخرون. وتضيف صبرا: «لكنني في كل مرة كنت أخبره أنه اجتاز مرحلة، وانتقل إلى مرحلة جديدة. لولا الورشة لما فكر هذا المتدرب على الإطلاق أن يتقمص أي أدوار غير تلك التي تعودها في يومياته».

عايدة صبرا فنانة مسرحية لبنانية معروفة، ولها مهارة خاصة بالإيماء، شاركت في كندا/مونتريال لمدة ما يزيد على السنة، بورشة للفن الإيمائي مع أحد الأساتذة الكبار في هذا المجال.

نسأل الفنانة عايدة عن الفرق بين أن يلجأ الإنسان لمحلل نفسي أو ورشة تمثيلية ليحل مشكلته التواصلية، فتقول: «هناك فرق بالتأكيد. اللجوء إلى اختصاصي في علم النفس، يكون لفهم الشخصية وارتباكاتها. أما ورش التمثيل فتلجأ لها الشركات في الغرب، كما البنوك والمعامل لتدريب موظفيها على التعامل مع الزبائن، أو التعامل مع بعضهم البعض بسهولة. في لبنان والعالم العربي عموما لا نزال في أول الطريق ومع ذلك سبق لي أن دربت مندوبي شركة أدوية، كان بعضهم يتكلم بصوت خفيض أكثر مما ينبغي، والبعض الآخر لا يمتلك الجرأة الكافية لمواجهة الزبائن ومحاورتهم».

ليست هذه المرة الأولى التي يستخدم فيها المسرح في لبنان، لحل مشكلات الناس ومساعدتهم على قهر معوقاتهم، فللفنانة زينة دكاش تجربة شهيرة مع سجناء «سجن رومية» وهو أكبر سجون لبنان، حيث يعتقل كبار المجرمين. وقد عملت دكاش مع سجناء ودربتهم على الارتجال، وقدمت مسرحية من تأليفهم وتمثيلهم، دعي إليها وزير الداخلية ووزراء آخرون كما رجال أمن وقضاة وشخصيات، وفتحت للجمهور في عروض محدودة، ولقيت التجربة نجاحا كبيرا. وشارك في مسرحية دكاش «12 لبنانيا غاضبا» سجناء بينهم من حكم عليه بأحكام عالية كالمؤبد مثلا. كما سجلت دكاش مع هؤلاء السجناء أثناء التدريبات على المسرحية، فيلما نال جائزة «المهر العربي للفيلم الوثائقي». وبالتالي فالعلاج بالدراما بدأ بالفعل في لبنان وإن كان المعنيون به لا يزالون قلّة. إلا أن عايدة صبرا تقول إن ورشتيها مفتوحتان لكل الناس، من مختلف الأعمار، وأيا كانت مهنهم واهتماماتهم، وإن التوجه هو صوب تطوير مثل هذه الأنشطة، وخاصة أن المقتنعين بها عددهم يتزايد.