الساعات اليدوية فقدت أهم دوافع اقتنائها

بعد ظهور الهواتف الجوالة ما عادت سوى أساور للزينة

صاحب أحد المحلات يدون طلب أحد الزبائن بينما يتفحص زبون آخر ساعته
TT

اهتم الإنسان بقياس الوقت منذ وجوده على الأرض، فاستخدم ظواهر الطبيعة وحركة الشمس لمعرفة أوقات اليوم، ومنازل القمر لحسابات معينة، والنجوم لمعرفة الاتجاهات. ثم تدرج في معارفه فاستخدم ساعة الشمس والساعة الرملية وأدوات أخرى، التي كتب عنها علماء المسلمين والعرب. وشغف العرب القدماء بالساعة حتى يقال إنه عندما أهدى إبراهيم بن الأغلب ساعة لملك فرنسا العظيم شارلمان - الذي لم يكن قد سبق له أن رأى ساعة من قبل - فزع الأخير من صوتها وتراجع القهقري. وواصل الإنسان تطوير الساعات حتى وصل إلى الساعة الحديثة التي تميزت بها، بصورة خاصة، سويسرا. بيد أن زمن الساعة اليدوية دار دورته تاركا مكانه لساعات الهواتف الجوالة والسيارات والحواسب والحواسب المحمولة.. وحتى أجهزة التلفزيون. وغدا كثيرون من الناس يستخدمون الساعات للزينة ليس إلا.

فهل فقدت الساعات اليدوية أهم دوافع اقتنائها؟

محلات الساعات اليدوية وغيرها لا تزال مفتوحة، والمصانع لا تزال تنتج المزيد منها، وتتفنن في إخراجها بشكل يغري الزبائن. لكن ماذا يقول أصحاب محلات الساعات وورش تصليحها؟ وماذا يقول الناس المعنيون بهذه الصناعة؟

عدة أسئلة حملتها «الشرق الأوسط» إلى من يهمهم الأمر في العاصمة البوسنية سراييفو، ومنهم صاحبا وكالة ساعات «شوارتز» دامر هيراك (25 سنة) وألما بيغوفيتش (33 سنة)، التي قالت: «حصلنا على التوكيل عام 1998، والساعة فيها زخارف متنوعة وهناك أناس يرغبون في نوعيات معينة، ونحن نحاول إرضاء جميع الأذواق». وحول نسب الإقبال على الشراء بين النساء والرجال، قالت ألما: «النساء أكثر إقبالا، فهن أكثر اهتماما بالزينة وأكثر استعدادا للإنفاق وولعا بالتسوق».

وقال صاحب محل لبيع الساعات يدعى وداد ماغودا (27 سنة) زرنا محله: «لدينا ساعات أميركية وألمانية وإيطالية وفرنسية وسويسرية الصنع، وعملية اقتناء الساعات ما عادت مرتبطة بمعرفة الوقت، كما يفهم كثيرون، وإنما بالولع. فهناك من يحب السيارات وهناك من يحب الملابس الأنيقة، وهناك من يحب الحواسب المحمولة، وطبعا هناك من يحب الساعات، والطريف أنني شخصيا لم ألبس ساعة في حياتي قط». وتابع: «الساعة ليست لمعرفة الوقت فقط بل للزينة أيضا.. فالذين يحبون الزينة هم الذين يحافظون على لبس الساعات في الوقت الحالي».

ومع أن تجارة بيع الساعات مرت بشبه كساد على المستوى العالمي، فإن أرفف محل وداد تضم أيضا سبائك وخواتم وسلاسل وغيرها من الذهب والفضة، لكنه يؤكد أن مردود الساعات على ضعفه يظل أفضل من مردود الذهب في منطقة البلقان، «فسعر الذهب يتذبذب مثل البورصة ارتفاعا وانخفاضا.. أما أسعار الساعات فهي ثابتة».

ويرى صاحب محل آخر لبيع الساعات اسمه سناهيد شتى (25 سنة) أن تجارة الساعات موسمية، «إنها تجارة تكسد في الشتاء والخريف والربيع وتنشط قليلا في الصيف»، ونفى هو الآخر أن تكون معرفة الوقت هي الدافع حاليا لاقتناء الساعة اليدوية.. بل الزينة والتجمل، إذ أردف: «لا أعتقد أن كثيرين يضعون الساعات اليوم لمعرفة الوقت.. فهي متوافرة لدى العاطلين عن العمل أكثر منها عند الموظفين». واستطرد قائلا: «ربما ورثوا الساعات عن أجدادهم أو أهديت لهم في المناسبات، فالكثير من الزبائن يأتون لشراء ساعات يدوية لإهدائها في أعياد الميلاد والأعياد الإسلامية ومناسبات الزواج أو النجاح في الامتحانات.. وليس للاستعمال الشخصي». وعن أسعار الساعات اليدوية أفاد بأن الأسعار تتراوح بين مائة يورو وألف يورو للساعة حسب النوع والمصدر. واشتكى كثيرا من الساعات الصينية الرخيصة الثمن والقليلة الجودة التي تعمل بالبطاريات مثل الساعات اليابانية. وحول ما إذا كان هناك من يبيع ساعات مقلدة ويزعم أنها أصلية، أوضح سناهيد أن «أهل الصنعة يعرفون تمييز الأصلي من المزور والمقلد، كما يعرف ذلك أصحاب ورش تصليح الساعات». وبخصوص انخفاض المبيعات وانصراف الناس عن استخدام الساعات اليدوية، وهو ما أكدته الأزمة الاقتصادية وضاعفت من آثاره، قال: «لدينا ساعات من 40 مصدرا عالميا، وأسعارها مختلفة، أما انخفاض المبيعات فهو بين 60 و90 في المائة، ولذلك ترى في محلات بيع الساعات مقتنيات أخرى لتنويع البضائع ولتعويض الخسائر المترتبة على عزوف الناس عن اقتناء الساعات اليدوية».

من ناحية ثانية، التقت «الشرق الأوسط» صاحب ورشة لتصليح الساعات اسمه سامر كازموفيتش (38 سنة) الذي قال إنه ورث الصنعة أبا عن جد، وإن أسرته تعرف بين الناس بـ«الساعاتجية»، واشتكى بدوره من عزوف الناس عن اقتناء الساعات، وتصليح المعطل منها، ومن الساعات الرخيصة التي لا يزيد سعر الواحدة منها على 5 يوروات، فقال: «الناس هنا، والشباب تحديدا، ما عادوا يهتمون بلبس الساعات، وإذا ما فعلوا فإنهم يشترون الساعات الرخيصة التي تعمل بالبطاريات، ولذا قل العمل». ولاحظت «الشرق الأوسط» وجود ساعات حائطية معلقة على جدران الورشة، فسألت صاحب الورشة عن عمر بعضها، فقال: «هذه الساعات تعود إلى زمن الاحتلال النمساوي المجري للبوسنة، وبعضها يزيد عمره على 100 سنة». وعن أسعار هذه الساعات العتيقة أجاب: «بين 1500 و2000 يورو.. لكننا نبيعها بـ500 يورو للحاجة، وبعضها تطلق أصواتا مميزة كل 15 دقيقة». وعن الذي سيرث حرفته بحكم أنه ورثها عن أبيه وأبيه عن جده، قال: «لدي ابن عمره 12 سنة ولا أعرف إن كان سيقبل بهذه الصنعة أو سيبحث عن أخرى، لكنني أود استمرار هذا التقليد في العائلة».