الزربية القيروانية ضحية «قتل الغرزة»

احتفلت بالدورة الـ14 لمهرجانها وسط تحديات صعبة

الزرابي القيروانية تعاني من عزوف النسوة الفتيات التونسيات عن تعلم عملها («الشرق الأوسط»)
TT

احتفلت مدينة القيروان التونسية العريقة للتو بتنظيم الدورة الرابعة عشر لـ«مهرجان الزربية»، وشهد زوار المهرجان من محبي الزرابي (السجاد اليدوي) عددا لافتا من الابتكارات الفنية والتقنية في عالم الزربية التي تُعَد القيروان أهم مراكز صناعتها في تونس. ولقد أتاح المهرجان لمرتاديه فرص الاطلاع على مختلف مراحل صنع الزرابي، ومنح جائزة «الخلافة» في باب الابتكار بفنون صنعها، وهي الجائزة الذهبية التي يمنحها المهرجان، إلى جانب جائزة فضية وأخرى برونزية. ولقد انطلق هذا المهرجان الثقافي الفني المهم يوم 8 مايو (أيار) الحالي واختُتم أمس.

إطلاع السياح الوافدين على مدينة القيروان، في هذه المناسبة، على مراحل صناعة الزربية وتفاصيلها التقنية في إطار ورشة عملية على أرض الواقع، كان بلا شك من أهم الأنشطة المبرمجة خلال الدورة الجديدة. وللعلم، تُعتبر الزربية القيروانية من العلامات المسجلة في مجال الصناعات التقليدية التونسية، وذلك باعتبار أنها تميل أكثر ما يمكن إلى الطبيعة. فهي تعتمد في معظم الحالات على استخدام الصوف الطبيعي الذي يُجمع ويُحتفظ به من مربي الأغنام. وتحرص المرأة القيروانية على الحصول على الألوان الأساسية في صناعة الزربية، وبالذات اللونان الأبيض والأسود، أو اللون «الأشخم» أو الرمادي، كما يعبر الحرفيون عن ذلك، الذي يجمع بين هذين اللونين.

وتبدأ مراحل صنع الزربية بتنظيف الكمية المطلوبة من الصوف وغسلها وتنقيتها من مختلف الشوائب. ومن ثم تبدأ المرحلة الثانية التي تسمى مرحلة «القردشة»، وهي عبارة عن مجموعة من الحركات النسائية الغاية منها تليين الصوف وجعله سهل الاستعمال. ثم يباشر بعد بالمرحلة الثالثة التي هي مرحلة الغزل، وفيها يُحول الصوف إلى مجموعة من الخيوط الطبيعية. ثم تأتي المرحلة الرابعة وهي مرحلة صبغ الصوف أو تلوينه، مع الإشارة إلى أن ثمة نوعا من السجاد التونسي الذي يصنع خصيصا من الصوف غير المصبوغ، ويسمى «علوشة» (أي نعجة)، يظل بألوان الصوف الطبيعية، وتشتهر بها القيروان خصوصا. وبعد هذه المرحلة، يبدأ الجانب التقني الذي يهيئ خيوط السداة على النول في مستهل مراحل نسج الزربية وعقدها، وهي بطبيعة الحال تتطلب مهارات عالية وكفاءة في ضبط الغرز - أو العقد - وعددها، وكل ما يمكن أن يميز زربية عن أخرى، والمرأة أو الرجل القادر على «قتل الغزرة»، كما يقول الحرفيون، هو الذي يكسب الرهان ويبدع زربية قيروانية كاملة الصفات.

المرأة القيروانية تحرص على تعلم فنون صناعة الزربية وتدخلها في جهازها الأساسي وذلك إلى جانب صناعة المقروض القيرواني الذائع الصيت. وتكتسب زربية «العلوشة» الكثير من قيمتها كلما زادت تقادما إذ تصبح أكثر ليونة، وهو ما يجعلها محببة لدى عموم القيروانيين.

وعن المهرجان، قال إبراهيم مالوش مدير «مهرجان الزربية»، إن «إحدى أهم الغايات التي يرمي إليها المهرجان تتمثل في ترغيب الفتاة القيروانية في صناعة الزربية، وهذا ليس بالأمر اليسير باعتبار أن كثيرا من القطاعات الأخرى أصبح يوفر مداخيل أفضل للقيروانيات من صنع الزرابي، كما أنه تولد في الآونة الأخيرة أحساس متنامٍ عند أن الناشطات في مجال صنع الزربية بأنهن بتن الحلقة الأضعف في كامل مراحل هذه الصناعة، لأن مداخيل الوسيط والتاجر من هذه الصناعة التقليدية أكبر بكثير من مداخل حرفييها، وهو ما خلف عزوفا في صفوف الشباب عن العمل فيها».

وأضاف مالوش أن «صنع زربية قياسها ستة أمتار مربعة يتطلب شهرا كاملا من العمل، غير أن سعرها لا يزيد على 480 دينارا تونسيا (نحو 380 دولارا أميركيا). وهذا المبلغ إذا ما حذفنا منه تكلفة المواد الأولية والمجهود المبذول في دقة الإنتاج فسنلاحظ كم هو ضعيف المردود المادي لصناعة الزرابي في تونس. ثم فوق هذا كله هناك الصعوبات الكبرى في ترويج الزربية وتسويقها».

وأشار مدير «مهرجان الزربية» خلال حديثه لـ«الشرق الأوسط» إلى مجموعة من الحلول التي جرى اتخاذها لتجاوز هذه العوائق من بينها «تطوير التصميمات المعتمدة في صناعة الزربية وعدم الاكتفاء بشكل المحراب والخمسة، والتدرج نحو رسوم إبداعية مختلفة على غرار شجرة اللوز وأزهارها البيضاء الناصعة، وهو ما من شأنه فتح آفاق، ومن ثم فتح أسواق، جديدة أمام الزربية القيروانية التي حافظت - على الرغم من كل التطويرات - على ألوانها الأساسية.

من جهة ثانية، شرحت عزيزة السلاوي (إحدى أقدم الحرفيات في المجال): «المتر المربع الواحد من الزربية القيروانية يكلف قرابة 50 دينارا تونسيا (نحو 40 دولارا أميركيا) من المواد الأولية المكونة من الصوف في الأساس، كما أن اليد العاملة لا تقل تكلفتها عن 80 دينارا، وهو ما يعني واقعيا أن التكلفة الإجمالية للمتر المربع لا تقل بحال من الأحوال عن 130 دينارا، وهو سعر مرتفع يجعل من الصعوبة الكبرى بمكان قضية الترويج للزربية القيروانية البالغة الإتقان والتي فيها الكثير من التحسينات الضرورية والغرز (العُقَد) الواجب توفرها وهي دلالة إضافية على الإتقان، ولكن محترفي «قتل الغرزة» أصبحوا قلة قليلة.. وهو ما يهدد بشكل من الأشكال بقاء الزربية القيروانية بميزاتها ومقاساتها المعروفة».

وحسب السلاوي فإن صناعة الزربية في البيوت القيروانية «كانت رافدا ثانيا مهما عند العائلات لجهة تأمين مداخيل إضافية، لا سيما إذا كانت المرأة غير مندمجة في سوق الشغل. أما أن تتحول هذه الهواية إلى مهنة أساسية بين الفتيات القيروانيات، فإنها للأسف لن توفر اليوم المداخيل المرجوة. ولعل الأعداد المتناقصة للفتيات المقبلات على تعلم أصول نسج الزربية التي تقلصت من نحو 40 فتاة في مركز التدريب الواحد إلى 5 أو 6 فتيات فقط حاليا لتؤكد بوضوح حجم المصاعب التي تواجه مصير الزربية القيروانية في الوقت الراهن».