مركز «إيواء المتسولين» في جدة يحول طفلين إلى فنانين تشكيليين

عقب اكتشافه موهبتهم في فن الرسم

طفل متسول يبدع بريشته على لوحة فنية («الشرق الأوسط»)
TT

«لا بفعلهم، بفعل آبائهم» أودع كل من إبراهيم جميل (14 سنة) وأحمد سليم (13 سنة) مركز إيواء الأطفال المتسولين في مدينة جدة بالمملكة العربية السعودية بواسطة إدارة الجوازات، وذلك بعد إيداع والديهما في التوقيف نظرا لعدم وجود إقامة نظامية لهما وافتقارهما لأي أوراق ثبوتية أخرى. إلا أن هذه الظروف القاهرة لم تمنع الطفلين الموهوبين من إبراز موهبتيهما الكبيرتين في الرسم وإمكانياتهما الواعدة التي يتمتعان بها، والتي أبهرت الجميع وفتحت الباب لاكتشاف مواهب أخرى داخل المركز.

زارع الحكمي مدير مركز إيواء الأطفال المتسولين قال لـ«الشرق الأوسط» في لقاء معه إن المركز التابع لجمعية البر بجدة يحظى بدعم منظمة «اليونيسيف» (صندوق الطفولة العالمي التابع للأمم المتحدة)، وبدعم من جهات محلية، وقد خصص للأطفال ممن هم دون سن الخامسة عشرة من المتسولين، ومن ألقي القبض عليهم من مجهولي الهوية عن طريق إدارة الجوازات.

وتابع الحكمي موضحا أن «البرامج التأهيلية المخصصة للأطفال المتسولين تتركز في تقديم الدروس الدينية، كحلقات القرآن الكريم والمواد الدينية، وبرنامج عمل منوع تتراوح مكوناته بين الجانبين الثقافي والترفيهي، وكذلك تدريبهم على الكثير من المهارات التي تؤهلهم لكسب قوت يومهم بعيدا عن التسول في الشوارع وعند الإشارات المرورية وداخل الأسواق».

وأضاف أن المركز «تمكن بالفعل من صقل إمكانيات طفلين برماويين في فن الرسم بعدما لمس المشرف عليهما موهبتهما في هذا المجال، وهو ما دفع المركز إلى توفير أدوات الرسم من الألوان واللوحات لهما لكي يواصلا إبداعهما وتأسيسهما لامتلاك حرفة تكفيهم شر التسول». وأردف: «إن الطفلين البرماويين إبراهيم جميل وأحمد سليم، المحالين من إدارة الجوازات من مكة المكرمة بعد إيداع والديهما الحبس، نظرا لعدم وجود إقامة نظامية لديهما؛ أبهرا المشرف عليهما بإمكانيتهما في رسم لوحات فنية مميزة، وبالتالي قرر المركز تشجيعهما ورعايتهما وتأمين كل مستلزمات الرسم من ألوان ولوحات وكل الأدوات لمساعدتهما على تنمية موهبتيهما».

كذلك أشار زارع الحكمي إلى أن المركز يسعى الآن إلى جمع أكبر عدد من لوحات الطفلين لبيعها في أحد بازارات جمعية البر بجدة التي تقيمها خلال صيف كل عام لكي يستفيد الطفلان من المردود المادي للوحاتهم حال خروجهما من المركز أو ترحيلهما إلى بلديهما.

وبين الحكمي أن مركز إيواء الأطفال المتسولين يقدم جميع مصاريف الإعاشة والإسكان والمواد التي يحتاجها الأطفال «فالمركز، المكون من قسمين للفتيان والفتيات، مهيأ بكل الإمكانيات والتجهيزات والوسائل المطلوبة، وذلك من أجل ملاءمته للأعمال التي يقوم بها».

وحول آلية استقبال الأطفال المتسولين، أفاد «أن المركز بالتعاون مع الجهات الأمنية، كإدارة الجوازات، يعمل على إيداع الأطفال المتسولين في المركز إما لوجود آبائهم في إدارة الترحيل إلى حين إصدار إجراءات ترحيلهم من البلاد مع آبائهم، أو لحين إصدار إقامة نظامية لهم بعد تسديد الغرامات المالية وتعهد الكفيل بعدم تكرار الأطفال العودة إلى التسول».

ومن ثم أضاف شارحا «يبدأ المركز، لحظة وصول الأطفال إليه، في العمل على تسجيل بياناتهم الشخصية وجميع المعلومات الخاصة بهم واستلام ما بحوزة الأطفال من مبالغ مالية وعينية ووضعها في الأمانات، بجانب تبديل ملابسهم القديمة بأخرى جديدة. كما يقوم المركز بإجراء فحوص طبية شاملة على الأطفال، وإعداد تقرير طبي بالحالة الصحية لكل طفل، إذ من الممكن أن يكون مصابا بأحد الأمراض المعدية التي قد تنتقل إلى الأطفال الأصحاء؛ ومن يصار إلى إيداعهم في دور المركز الإيوائية بحسب الفئة العمرية وتعريفهم على برنامج المركز اليومي». وحول أعداد الأطفال المودعين يوميا بالمركز؛ قال زارع الحكمي: «يتراوح أعداد الأطفال المودعين يوميا بين 5 أطفال إلى 10 أطفال؛ وبلغ عدد الأطفال الذين جرى ترحيلهم منذ إنشاء المركز في موسم حج 1424هـ، 5958 طفلا كما جرى إطلاق سراح 1570 طفلا في أعقاب حصولهم على إقامات نظامية من إدارة الجوازات بعد دفع الغرامة المترتبة على ذلك، والتعهد بعدم العودة للتسول؛ ويوجد اليوم في المركز 43 طفلا من جنسيات مختلفة منهن 8 فتيات و35 فتى».

وكشف الحكمي في الوقت ذاته أنه من خلال الدراسات البحثية في المركز تبين أن عددا كبيرا من الأطفال، خصوصا من أبناء الجنسيات الأفريقية، يتبعون منظمات تستغلهم في مثل هذه الأعمال، وتدخلهم إلى البلاد بطرق غير شرعية عبر استخراج جوازات تسجيل الأطفال كأبناء لهم، وتسليمهم إلى بعض الأشخاص في الداخل، وهو ما كشفت عنه بعض الحالات وسط استغلال من بعض ضعاف النفوس لأوضاع الأطفال. كما أشار إلى أن بعض الأطفال تضبط معهم مبالغ مالية كان أكبرها مبلغ 5 آلاف ريال. الجدير بالذكر، أن المركز أنشئ بتوجيه من الأمير عبد المجيد بن عبد العزيز أمير مكة المكرمة بداية موسم حج 1424هـ من أجل إيواء الأطفال المتسولين الذين يجري القبض عليهم، سواء بتهمة التسول أو بينما يمارسون البيع عند الإشارات المرورية، إلى حين ترحيلهم، وذلك بالتنسيق مع هيئة الإغاثة الإسلامية والندوة العالمية للشباب الإسلامي، أو استلامهم عن طريق ذويهم من أجل القضاء على ظاهرة التسول عند الإشارات المرورية وفي الأسواق، والتي انتشرت بشكل كبير في جدة، وأسند هذا المركز وجميع أعماله إلى جمعية البر بجدة.