بيت المتنبي في حلب يتحول إلى متحف في أواخر العام الحالي

«الشرق الأوسط» تزوره وتطلع على مراحل تأهيله

بيت المتنبي في حلب.. كان مركزا للقاء الأسري قبل ترميمه («الشرق الأوسط»)
TT

بعد بضعة أشهر من تحديد مكان البيت الذي سكنه أبو الطيب المتنبي، الشاعر الأشهر في تاريخ الأدب العربي، في مدينة حلب عاصمة الشمال السوري، انطلقت أخيرا أعمال ترميم البيت وإعادة تأهيله ليصبح متحفا يليق بمكانة الشاعر العظيم.

البيت اكتشفه في حلب القديمة الباحث السوري الحلبي محمد قجة، رئيس جمعية العاديات السورية. وكان قد استثمر على امتداد مئات السنين الماضية كمدرسة شرعية تحت اسم «المدرسة الصلاحية»، ومن ثم استثمر خلال السنوات العشر الماضية كمركز للقاء الأسري بحيث يتيسر لقاء الأولاد من والدين مطلقين بغية المشاهدة الدورية لوالدهم أو والدتهم. ولقد تم تسلم البيت من قبل محافظة مدينة حلب ووزارة الثقافة السورية، التي قررت تحويله إلى متحف خاص بأبي الطيب المتنبي وبتراث الدولة الحمدانية التي كانت عاصمتها مدينة حلب وعاش المتنبي ردحا من الزمن في كنفها، وقال في سيف الدولة الحمداني، أبرز أمرائها، بعض أروع قصائده.

«الشرق الأوسط» زارت «بيت المتنبي» بعد انطلاق أعمال الترميم والإصلاح فيه، والتقت الباحث محمد قجة، مكتشفه والمشرف حاليا على مشروع تحويل البيت إلى متحف. وقدم قجة شرحا لأهمية اكتشاف بيت المتنبي ومشروع استثماره ثقافيا، قائلا: «تجرى حاليا في البيت أعمال الترميم. ومن ثم ستنطلق أعمال التأهيل، وما يهمنا هنا التأهيل من حيث توظيف غرف البيت لتصبح متحفا يليق بالمتنبي. أما المبنى فهو في الحقيقة جزء من بيت المتنبي القديم، ذلك أن مدينة حلب تعرضت عبر السنين إلى الهدم عدة مرات، وفي كل مرة كانت تقضم أجزاء من البيت. واليوم تبلغ مساحة البيت الراهن نحو 400 متر مربع وهو مشيد وفق طراز معماري تقليدي بفسحة سماوية واسعة مع بركة ماء جميلة، مع أقواس عربية وزخارف وخطوط هندسية، وهو يضم 8 غرف معظمها في الطابق الأرضي، بينما لا يوجد في الطابق الأول سوى غرفة واحدة فقط».

وتابع قجة شرحه: «وفق المشروع سيصار إلى توظيف الغرف على الشكل التالي: هناك الغرفة الكبيرة التي ستخصص كجناح من المتحف لمرحلة العصر الحمداني وستعرض فيها مقتنيات ذلك العصر وما كانت عليه الأزياء والملابس، وسنوظف غرفة من البيت كقاعدة بيانات إلكترونية ستحوي معلومات كاملة عما يتصل بالمتنبي، وستضم غرفة ثالثة مكتبة ورقية من دواوين شعر المتنبي وسيرته الشخصية وما كتب عنه وما إلى ذلك، أما الغرفة الرابعة فستوظف كغرفة صوتية إلكترونية يسمع الزائر فيها قصائد المتنبي وهي تلقى بأصوات شخصيات متخصصة في الأدب والإلقاء الشعري، وبالتالي سيتاح للزائر أن يختار إلكترونيا القصيدة التي يرغب في سماعها للمتنبي بأصوات معاصرة. وأما الغرف المتبقية فستخصص لخدمة الزوار ومنها توزيع كتيبات وبيع كتب وتذكارات وغيرها، وغرفة استعلامات لإرشاد الضيوف والزوار إلى غرف البيت (المتحف)».

وأضاف قجة أنه تقرر مبدئيا افتتاح متحف «بيت المتنبي» في نهاية العام الحالي 2010 بعد اكتمال أعمال الترميم والتأهيل، وتابع أن الترميم جار تحت إشراف مديرية الآثار في سورية ومن الحجر نفسه المبني منه، وبالطراز المعماري نفسه حيث الأبواب الخشبية والنوافذ ذات الأقواس والجدران السميكة التي تضم نافذتين زجاجية وخشبية.

وحول قصة اكتشافه البيت، قال قجة: «في الحقيقة يعود الفضل في اكتشافي بيت المتنبي بعد تحديد موقعه بالضبط للمؤرخ الحلبي القديم ابن العديم، الذي عاش في العصر الأيوبي قبل نحو 800 سنة. وهو المؤرخ الوحيد الذي أشار إلى موقع بيت المتنبي في مدينة حلب. غير أن السؤال البديهي الذي يتبادر إلى الذهن هو.. لماذا لم ينتبه أحد لذلك حتى الأشهر الأخيرة؟ السبب ببساطة هو أن كتاب ابن العديم الشهير «بغية الطلب في تاريخ حلب» كان مفقودا، مع العلم أن للمؤرخ كتابا آخر لا يقل شهرة هو «زبدة الحلب من تاريخ حلب». ابن العديم يقول في سطر واحد: «كان نزول المتنبي عام 337هـ في حلب وكان بيته مجاورا لبيتنا في آذور - دور - بني كسرى». هذه الكلمات القليلة التقطتها وبدأت رحلة البحث انطلاقا منها. وحاليا في حلب طبعا لا يوجد لا آل العديم ولا آل بني كسرى، وعدت مجددا إلى التاريخ.. ووجدت في الكتاب الثاني لابن العديم قوله: «وحدثني والدي أن بيت المتنبي أصبح فيما بعد خانقاه (مضافة مجانية) سعد الدين كمشتين». وكمشتين هذا سهل الوصول إلى مضافته ذلك أنه كان وزيرا في الفترة السلجوقية والزنكية والأيوبية، وعندما هدمت حلب في آخر العصر الأيوبي على يد هولاكو المغولي وأعيد بناؤها من جديد كان قد صار هناك مجموعة كبيرة من المؤرخين مثل ابن شداد وابن الشحمة والعجمي وآخرين الذين أكدوا أنه أعيد بناء الخانقاه المهدوم من قبل شخص يدعى صلاح الدين الدوادار، وهذا جعله منزلا له، غير أنه انتقل فيما بعد إلى مدينة طرابلس، فأوقف البيت كمدرسة وسميت في الأوقاف ومن ذلك الوقت باسم «المدرسة الصلاحية الكبرى». وهذه المدرسة ومن خلال كل الإشارات التي بين أيدينا تؤكد أنها كانت مضافة (خانقاه) سعد الدين كمشتين وقبلها بيت المتنبي! وبعد غزو تيمورلنك عام 1400م وهدم المدينة تقلصت مساحة مبنى المدرسة لصالح بناء خان «خاير بيك»، وصار اسمها «المدرسة الصلاحية الصغرى» ولقد أعيد ترميم هذه المدرسة عام 1845 على يد أحد وجهاء مدينة حلب واسمه بهاء الدين المقدسي.. فسميت على اسمه «المدرسة البهائية»، مع أنها لا تزال في سجلات الأوقاف مدونة تحت اسم «المدرسة الصلاحية». هذا الشريط التاريخي العريض تتبعناه جميعه من خلال ندوات ثقافية نظمناها في كلية الآداب بجامعة حلب وفي اتحاد الكتاب. ومن ثم صدر القرار قبل فترة قصيرة من وزارة الثقافة بتحويل المبنى إلى متحف للمتنبي.