«الفاترينست».. بلمسة جمال يصبح التسوق متعة

مهنة تختصر تاريخ التحولات الاجتماعية في مصر

مع بداية الرواج التجاري وافتتاح الكثير من المراكز التجارية الفخمة أصبحت للفاترينات قصة وحكاية يرويها المصمم بكل قطعة وإكسسوار يستخدمها («الشرق الأوسط»)
TT

بعد سنوات من الغياب عاد الـ«فاترينست» أو مصمم واجهات المحال التجارية بقوة إلى الشارع المصري ليعيد تشكيل فضاء العرض ويعطي ملمحا مختلفا للتسوق، محملا بمعارف وخبرات فنية وتسويقية ليضفي طابعا جماليا افتقرت إليه أرصفة الشوارع التجارية بالقاهرة لزمن طويل.

ويختصر تاريخ مهنة الفاترينست التحولات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية التي شهدتها مصر خلال تاريخها الحديث، فمع بدايات القرن الماضي ظهر الفاترينست في مصر وبالتحديد في القاهرة، عبر واجهات محال الإنجليز واليهود. ليقوم بتنسيق أنيق لواجهات المحال الكبرى في العاصمة، تصميم يتغير مع بداية كل شهر، حيث كانت المانيكانات المستخدمة في هذا الغرض تأتي خصيصا من فرنسا لتصنع موضة العام في ثلاثينات وأربعينات القرن الماضي، ولأن الرحلة من أوروبا إلى مصر كانت مكلفة حينذاك أدى هذا الأمر إلى ارتفاع أسعارها، فلم يكن أمام المصمم الغربي أو الفاترينست إلا أن يكتفي بوضع مانيكان واحد أو اثنين على الأكثر.

وكانت ميزة اقتناء مانيكان داخل الفاترينة (واجهة العرض) في ذلك الوقت تقتصر على المحال الكبرى فقط كـ«صيدناوي»، و«عمر أفندي»، و«شيكوريل»، و«شملا». وهو ما جعل مشاهير الفنانات وسيدات العائلات الكبرى يتهافتن على اقتناء ما كان يعرض في الفاترينة على «المانيكان». ويقول إيهاب معوض منسق ومصمم الفاترينات: «إن السنوات القليلة الماضية شهدت عودة مهنة الفاترينست بعد غيابها خلال سنوات مصر الاشتراكية، منذ أن غادر مصممو الواجهات من الإنجليز والأرمن، ولم يعد يمارس المهنة متخصص، إنما منسق ومساعد له، تقتصر أدواته على خيط من البلاستيك ليعلق به المنتجات بطريقة لافتة، لكنها تفتقر إلى الجمال ولا تحمل رسالة».

لكن مع بداية الرواج التجاري وافتتاح الكثير من المراكز التجارية الفخمة بدأت الفاترينات تتخذ مناحي فنية أخرى وأصبح لها قصة وحكاية يرويها المصمم بكل قطعة وإكسسوار يستخدمها، واقتصرت الواجهات التي تحتوي على عشرات الموديلات وتحمل أسعارها في المناطق الشعبية التي لا يقبل فيها الأشخاص سوى على المعروض في الواجهة فقط ويخشى أن يدخل إلى المحل ويطلب قطعة لا تحمل إشارة لسعرها.

ويضيف معوض أن مهنة الفاترينست عادت إلى البلاد على يد المهندس محمد شريف، الذي بدأ رحلاته إلى تركيا من أجل شراء المستلزمات التي احتاج إليها ليعيد إحياء هذه المهنة من جديد، وبعده بدأ عدد من المصممين في الاجتهاد من أجل إثبات الذات، وهو ما خلق حالة من التنافس الشريف ومساحة للابتكار والتجديد. وعلى الفاترينست الجيد أن يملك إلى جانب فلسفته الخاصة إدراكا لعدد من الأمور، أولها: مكان واجهة العرض، فتحديد المستوى الاجتماعي والثقافي لمكان الفاترينة يؤثر في اللغة التي يستخدمها الفاترينست، وكذلك فصول السنة، فالمصمم الناجح هو من ينقل إليك حالة الفاترينة وهذا التأثير الإيجابي يؤثر بقوة في حجم المبيعات؛ ففي الشتاء يجب أن تشعر بالبرد عندما تقوم بتفحص ديكور ومحتويات الفاترينة، وفى الصيف تنتظر أخذ الإجازة لقضاء بعض الوقت في أحضان البحر، أما الربيع فتعدد الألوان المرحة ينقل إليك الشعور بالانطلاق والإشراق، وهناك عدد من الفاترينات المتخصصة، مثل ملابس السهرة، تكون محفز لك لحضور بعض المناسبات. وتعد فاترينات آخر الموسم مهمة جدا، لأنها يجب أن تزيد المبيعات في هذا الوقت حتى لا يصاب الموسم بالكساد، وتعتمد الواجهة أكثر على إرشادات باللغة الإنجليزية والعربية، مثلا التخفيض حتى 50%، وغالبيتها مكتوبة باللون الأحمر، كما تكثر كلمة «تخفيضات» أو « أوكازيون».

وأشهر فاترينة في العالم كله هي الخاصة بأوقات «رأس السنة» أو «الكريسماس»، و«عيد الحب»، حيث يتفنن المصمم في ابتكار الجديد وكلما زادت المبيعات شعر بنجاحه. واشتهرت في العالم كله مهنة مصمم الفاترينات وبات أصحابها منشغلين بتطويرها بين الحين والآخر، ولهذا ظهر في المكتبات الأوروبية كتالوج (store windows)، وهو أضخم كتالوج لتصميم الفاترينات، ومهمة هذا الكتالوج أن يطوف العالم ليرصد أجمل الواجهات واسم مصممها واسم المحل، كما يختار من بينها أفضل الفاترينات.

ويذكر معوض أحد الفاترينات التي حصلت على لقب أفضل فاترينة عرض، حيث اعتمدت فكرتها على عرض حي للمانيكان، إذ يجلس رجل يرتدي الملابس المراد عرضها في مقابل أن يحصل العارض على الحلة التي قام بعرضها.

ويؤكد معوض أن عودة مهنة الفاترينست أسهمت بشكل كبير في أن يصبح التسوق في مصر متعة بصرية، لكنه يشير إلى أن بعض المصممين تستغرقهم الأفكار الفنية دون مراعاة أن هذه المهنة أساسها تسويقي، وأخطر أمراض هذه المهنة أن تبتعد في تصميماتك عن هذا الهدف. كما أن التفاهم بين المصمم وصاحب المشروع أمر مهم جدا، إذ إن هذا التفاهم يضع المصمم على الطريق الصحيح لفهم الرسالة التي يوجهها المحل ويحدد الطريقة الأنسب لتوصيل هذه الرسالة للشخص المستهدف، فالفاترينست هو ساعي بريد عليه أن يجد طريقه ببساطة وأن يملك الموهبة ليصنع بصمة.