«طوال القامة 6» يحتفلون بمرور 335 سنة على تأسيس وحدتهم

فرقة عمالقة المشاة البروسية تستعرض في بوتسدام ملابسها العسكرية

التاريخ البروسي يكشف أن الفرقة كانت عام 1707 تضم 60 ضابطا، و165 ضابط صف و2160 جنديا، يضاف إليهم 53 طبالا، و15 بواقا و15 طبيبا («الشرق الأوسط»)
TT

في مدينة غومرسباخ القريبة من كولون، عقد قصار القامة مؤتمرهم السنوي للتباحث في أفضل أساليب لفت انتباه المجتمع والدولة إلى مشكلاتهم. واختار الأقزام، من طراز 71 - 150 سم، فندق «فيكتور» في هذه المدينة الصغيرة لأن هذا النزل يوفر أفضل وسائل الراحة لقصار القامة. فالأسرة هنا غير عالية وصغيرة، وكذلك مناضد الطعام، ودرجات السلالم صغيرة، ومنضدة الاستقبال قريبة من الأرض، والأهم أن أطوال العاملين في الفندق لا تزيد عن 170 سم.

وبعيدا عنهم، في جزيرة شترالزوند السياحية، عقد طوال القامة الأوروبيون مؤتمرهم الثالث والأربعين، بحضور 220 شخصا تتراوح أطوالهم بين 191 و220 سم. والمؤتمر، من جديد، مخصص لمناقشة مشكلات الحياة اليومية التي تواجه طوال القامة وكيفية مواجهتها. بدءا من ولوج كابينة الهاتف في الشارع بغرض إجراء مكالمة بسيطة، مرورا بالحيرة في توفير مكان للقدمين في طائرات الخطوط الجوية، وانتهاء بصعوبة الحصول على ملابس تناسب مقاساتهم.

وطبيعي أن فارق الطول كبير بين حضور مؤتمر غومرسباخ وحضور مؤتمر شترالزوند، إلا أن المعاناة واحدة، وهي أن الحياة اليومية مفصلة للناس المعتدلي القوام وهو بالتالي إما قصير جدا بالنسبة لهم وإما طويل أكثر من اللازم. وهناك 100 ألف إنسان يقل طولهم عن 160 سم في ألمانيا وعدد مماثل ممن يزيد طولهم عن 191 سم. لكن عضوية الناديين، (هناك نواد لطوال وقصار القامة)، لا تضم سوى بضعة آلاف فقط ولا يشكلون بالتالي قوة ضغط موحدة على المجتمع من أجل توفير «مكان» مناسب لهم.

في نهاية الأسبوع نفسه احتفل «طوال القامة 6» بمرور 335 سنة على التأسيس، ومرور 20 عاما على تأسيس اتحادهم الجديد الذي يتخصص في الاستعراضات والموسيقى. وخرج نحو 60 عملاقا في شوارع بوتسدام (شرق) بملابسهم العسكرية حمراء اللون يعزفون المارشات العسكرية القديمة ويؤدون الحركات الاستعراضية وهم مدججون بكامل أسلحتهم التاريخية. وكانت تظاهرتهم ظاهرة دفعت الكثيرين لالتقاط الصور التذكارية معهم ومرافقتهم في جولتهم في المدينة القديمة. وتضم وحدة «طوال القامة 6» حاليا أكثر من 60 عضوا وجاء في فقرة الأهداف، من نظامهم الداخلي، أنهم يودون العمل على إحياء التراث القديم وتشجيع السياحة في بوتسدام. وفعلا فقد شجعت اللجنة الثقافية في المدينة تأسيس الاتحاد وقدمت لهم الدعم المالي والمعنوي اللازمين.

وفرقة مشاة «طوال القامة 6» تعود إلى الحرس الملكي البروسي وتأسست عام 1675 في بوتسدام بأمر الملك فيلهلم فون براندنبورغ. وخدمت الوحدة أكثر من 120 سنة في الإمبراطورية البروسية كوحدة أميرية، يقودها الأمراء من أولياء العهد، وتم حلها عام 1806 أي بعد خسارة بروسيا الحرب ضد فرنسا.

والتصق الرقم 6 بالوحدة منذ تأسيسها لأنها لم تكن تقبل بمنتمين أو متطوعين يقل طولهم عن 6 أقدام نمساوية (مقياس الراين) وهو ما يعادل 188 سم. وتم رسم هذا الرقم على راية وحدة مشاة طوال القامة عام 1806 أي قبل أشهر من حلها. وكان الأمير فريدريش فون براندنبورغ أول من قاد هذه الوحدة التي ضمت الصيادين والعمال الطوال في القصر، إضافة إلى بعض المتطوعين الموثوقين. وعموما كانت أطوال المتطوعين تتراوح بين 188 و210 سم، عدا عن الجاويش الشهير جيمس كيركلاند الذي كان يبلغ 217 سم.

والعودة إلى التاريخ البروسي تكشف لنا أن الفرقة كانت عام 1707 تضم 60 ضابطا، و165 ضابط صف و2160 جنديا، يضاف إليهم 53 طبالا، و15 بواقا، و15 طبيبا. وكانت نسبة الهروب من الخدمة ترتفع إلى 3 - 5 في المائة رغم الرواتب الجيدة، وكان الهارب يعاقب عادة بالإعدام.

وهناك جانب آخر بشع في العملية كما هو الحال في تاريخ الإمبراطوريات والتجنيد والحروب، رغم أن وحدة طوال القامة 6 كانت تضم «المتطوعين» فقط. إذ سن فريدريش فيلهلم الأول عام 1707 قانونا يقضي بقبول طوال القامة «الأجانب» في القوة، ويسمح بتجنيدهم قسرا في خدمة الإمبراطورية. وأدى القانون إلى انتعاش تجارة عبودية طوال القامة على أيدي نخاسين أوروبيين يعملون لصالح الإمبراطورية النمساوية ويجلبون العمالقة العبيد من هولندا وروسيا وهنغاريا وصربيا ويبيعون «الأصحاء» منهم إلى الإمبراطور النمساوي لقاء 7650 طالر (عملة ذلك الزمان في الإمبراطورية النمساوية). ويجري دمج وتجنيد هؤلاء قسرا في وحدة طوال القامة وهو ما أدى إلى زيادة حالات الهروب رغم حكم الإعدام الذي يتهدد الهارب من الخدمة.

ولا يبدو أن ملوك أوروبا الآخرين كانوا يعترضون على خطف اثنين أو ثلاثة من مواطنيهم العمالقة، كما كان بعض الملوك يصمتون عن تجارة العبيد هذه خشية فقدان علاقاتهم الطيبة مع الإمبراطورية النمساوية. بل كان القيصر الروسي بطرس الأول يرسل إلى صديقه إمبراطور النمسا فريدريش فون براندنبورغ الأول، حفنة من طوال القامة كلما نال بعض الهدايا القيمة منه.

وتتحدث كتب التاريخ عن رواج صناعة الأسلحة، والسيوف الطويلة والبنادق الخاصة، مع توسع نشاط وحدة طوال القامة 6. ومع توسع الوحدة ازدهرت تجارة «رقيق العمالقة» في المنطقة، وهرب طلاب جامعات فيينا وبوتسدام من الجامعة لا لسبب إلا لخوفهم من التجنيد القسري، كونهم من طوال القامة.

وعندما أصبح الأمير فيلهلم فريدريش الأول ملكا عام 1713 وسع الفرقة لتضم أكثر من 2000 عملاق وخصهم بمرتبات عالية، وجعل الخياطين يصممون الملابس الحمراء لهم، وزودهم ببنادق خاصة للمدى البعيد، وأطلق عليهم اسم «الحرس الأحمر». وبلغ عدد جنود الوحدة لحظة وفاة الملك فريدريش فيلهلم عام 1740 أكثر من 3200.

وخاضت وحدة طوال القامة 6 كثيرا من الحروب إلى أن حلها الملك بعد خسارة حرب 1806 بسبب تكلفتها العالية، حيث خاضت حروب شليزين وزور وهوهنريدبيرغ وحرب السنوات السبع (1757 - 1763). والظاهر أن الملك فيلهلم فون براندنبورغ كان متواضعا، في ذلك الزمان، حينما حدد الطول الأدنى للمتطوح بـ 188 سم، لأن جمعية طوال القامة الحالية لا تقبل من يقل طوله عن 191 سم. وهي نفس الشروط التي يضعها اتحاد طوال القامة الألمان الذي يضم 3600 عضو. وعلى أي حال يستطيع طويل القامة أن ينضم للاتحاد الجديد في بوتسدام دون خوف لأن النظام الداخلي للاتحاد لا يهدد أعضاءه بالإعدام عند «الهروب» من الخدمة.