«جامعة الكبار» تفتح أبوابها داخل الجامعة الأميركية في بيروت

هدفها تشجيع المتقدمين في السن على التعلم والبقاء في حالة ذهنية وجسدية نشيطة

«جامعة الكبار».. مؤسسة تثقيفية تؤمن للمتقدمين في العمر متطلباتهم («الشرق الأوسط»)
TT

في وقت وصلت نسبة الذين يبلغون سن الـ72 سنة وما فوق من اللبنانيين القاطنين في لبنان إلى 7.5 في المائة، والذين يتجاوزون الـ60 سنة نحو 10 في المائة، وهي النسبة الأكبر بين الدول العربية نظرا إلى هجرة الشباب والحروب التي عصفت بالبلاد، خطت الجامعة الأميركية في بيروت خطوة متقدمة لإبقاء هؤلاء في صلب الحياة الثقافية والاجتماعية بدل أن يعيشوا على هامشها.

للوصول إلى هذا الهدف، وبعد دراسات عدة كشفت أن معظم كبار السن في لبنان، ولا سيما في المنطقة المحيطة بحرم الجامعة، يعيشون بمفردهم ولا يستفيدون من ساعات فراغهم رغم أنهم يتمتعون بصحة بدنية وفكرية جيدة، فتحت الجامعة مؤخرا ما سمته «جامعة للكبار». والفكرة من هذه «الجامعة» - الأولى من نوعها في العالم العربي - أن تكون ملاذا لهؤلاء من الراغبين بتطوير نشاطاتهم وتعويض ما فاتهم من هوايات أو ربما من مهارات معينة.

بعد سنتين من الإعداد والتخطيط والعمل في أوساط كبار السن، وما تخللها من حلقات حوارية تحت إشراف البروفسورة سينتيا مينتي التي تقود هذه المبادرة، والبروفسورة عبلة سباعي الخبيرة في التقدم في السن، تبين مدى اهتمام هؤلاء بمؤسسة تثقيفية تؤمن لهم متطلباتهم في هذه المرحلة من العمر لتخطي كل ما قد ينشأ عنها من مشكلات نفسية أو اجتماعية. وبالتالي، فإن أبرز أهداف «برنامج» هذه «الجامعة»، كما يعرف المسؤولون عنه، هو تشجيع التعلم من أجل متعة التعلم وتقديم فرصة مميزة للمتقدمين في السن للبقاء بحالة ذهنية محفزة، ومن ثم يبقون أعضاء فاعلين في المجتمع.

موعد الإطلاق الرسمي لهذا البرنامج سيكون رسميا في شتاء عام 2010. وسيكون مركزا على نشاطات تشمل محاضرات متنوعة تتناول طيفا واسعا من المواضيع، حسب اهتمامات المنتسبين ومتطلباتهم، بالإضافة إلى رحلات ترفيهية وتثقيفية مقابل بدل مادي مقبول. غير أنه بدأ فعليا في بداية الشهر الحالي ضمن مرحلة تجريبية يتلقى خلالها نحو 50 منتسبا 3 حلقات دراسية مجانية عن الكومبيوتر والموسيقى الكلاسيكية والتاريخ المعماري لبيروت.

الدكتورة سباعي تقول عن البرنامج «نحن نحترم كبارنا ونفترض أنهم سيواجهون كلما تقدمت بهم السن، تدهورا صحيا لا مفر منه مع ما يرافق ذلك من نقص في الاستقلالية.. ولكن هذا الواقع تغير. فكثرة من المتقدمين في السن لا يريدون تمضية العقود الأخيرة من حياتهم في حالة جمود، بل إنهم يسعون للبقاء في حالة نشاط فكري وترابط اجتماعي. كذلك فهم يريدون أن يبقوا أشخاصا نافعين في مجتمعهم، و(جامعة الكبار) في الجامعة الأميركية في بيروت تسعى لتلبية طلبهم وحثهم على عيش حياتهم بنظرة إيجابية وعيش شيخوخة صحية ونشيطة».

وعن تجربته كطالب على مقاعد «جامعة الكبار»، يشرح البروفسور المتقاعد من كلية العلوم الزراعية في الجامعة، وعميدها السابق، الدكتور نهاد داغر (75 سنة): «معلوماتي عن استخدام الكومبيوتر محدودة مقارنة مع متطلبات العمل في هذا العصر. وبالتالي، فإنني أحتاج إلى تعلم المزيد لمجاراة هذا الواقع، لا سيما أنني أتفرغ الآن لكتابة كتاب جديد عن تاريخ الجامعة الأميركية في بيروت، والكتابة تتطلب معرفة بتقنيات الكومبيوتر وتسهل علي المهمة، ووجدت هذه الفرصة في (جامعة الكبار)، وها أنا أتلقى في كل محاضرة معلومات جديدة من شأنها أن تساعدني في تحقيق الهدف الذي أصبو إليه».

من جهة ثانية، يشرح الدكتور أكرم نجار، أستاذ الموسيقى في «جامعة الكبار»، تجربته فيقول «لست متخصصا في الموسيقى، لكنني أحب هذا النوع من الفن، وعملت على تثقيف نفسي وما زلت. وأعتبر أنني صرت ملما بتاريخها وبكل ما يتعلق بها، وبإمكاني إفادة الآخرين من هذه المعلومات التي ترتكز عليها المحاضرات التي ألقيها للمنتسبين. والأهم هو كيفية تذوق الموسيقى والاستمتاع بها، وهذا ما جعلهم يبدون اهتماما واضحا بالمعلومات الجديدة التي يتلقونها».

أما الدكتورة مينتي فاعتبرت أن «هذا البرنامج الرائد، يسعى إلى تشجيع رؤية جديدة للتقدم في السن صحيا في لبنان والمنطقة». مع العلم أن «جامعة الكبار» تأتي في سياق «مبادرة الجوار» التي تقودها الدكتورة مينتي في الجامعة الأميركية في بيروت، وقد انطلقت هذه المبادرة في أواخر عام 2006 بتشجيع من الرئيس - آنذاك - جون واتربوري، لكي تسهم الجامعة في الصحة الاجتماعية والثقافية والاقتصادية لجوارها في منطقة رأس بيروت.

وعن شروط الانتساب إلى هذا البرنامج، تقول السباعي «ليس هناك من شروط معينة. المهم أن يكون المنتسب من الذين بلغوا الخمسين سنة وما فوق، والأهم أن يتمتع بشغف التعلم، مع ملاحظة أن البرامج التي يتلقاها كبار السن إنما يتلقونها على أيدي أساتذة من جيلهم ليسوا بالضرورة متخصصين بل هواة صقلوا موهبتهم واحترفوها، وتحدد تبعا لاهتماماتهم من دون أن يترتب عليهم في نهاية الفصل الخضوع إلى امتحانات أو ما شابه، لأن الهدف الأساسي هو الثقافة وزيادة المعرفة».