شباب الرياض وجدة يحوّلون المقاهي إلى ديوانيات ثقافية

تمرّد على «النخبوية».. ومحاولة لزيادة الوعي المعرفي

جانب من أحد المنتديات الثقافية في مقهى سعودي
TT

ربما هي محاولة لتجربة أجواء نخبوية، وقد تكون خطوة نحو تقديم النقاشات الثقافية للشباب في قالب خارج صورتها النمطية الكئيبة. ولكن أيا يكن الغرض فإن القائمين على الديوانيات الثقافية الشبابية يراهنون على نجاح فكرتهم وقدرتها على تغيير شيء من الواقع المعرفي للشباب السعودي.

وفي حين لا تعد الديوانيات الثقافية أمرا طارئا على المشهد الثقافي السعودي، فإن انتقال جمهورها من فئة تصنّف بـ«النخبة» وبـ«رموز المشهد» إلى شبان تتراوح أعمارهم بين 19 و24 سنة هو الجديد الذي يقدمه أنموذجان من هذه الديوانيات يديرهما شبان جامعيون في مدينتَي الرياض وجدة وجارٍ العمل على إنشاء ثالثة في المنطقة الشرقية.

تقدم هذه الديوانيات العناوين الثقافية الكبرى، التي ظلت حكرا على الوجوه النخبوية في المشهد السعودي، بطريقة مناسبة لفئة الشباب تكسر الإطار الغليظ لهذه العناوين. وهذه الديوانيات يمكن أن تجدها في أي من مقاهي الرياض وجدة حيث يذهب الشباب لمشاهدة مباراة في الدوري الأوروبي أو ممارسة لعبة الشطرنج أو «البلوت».

طارق المبارك الذي يدير ديوانية ثقافية لمجموعة من الشباب الجامعيين في مدينة الرياض يقول معبرا عن هوية الديوانية وحضورها: «إنهم يحملون أسئلة جيلهم ويتناقشون دون وصاية ثقافية من رموز اجتماعية». وهذه أسئلة تلاحق الإشكالات الثقافية التي قد يتوانى الرموز عن طرحها وتتجاوز النقاش الذي يطغى في الساحة الإعلامية لقضايا تحولت إلى جدل بيزنطي مستحيل الحل.

وحول بداية الديوانية يقول المبارك إنها «جاءت تلبية لحاجة الشباب إلى مناخ ثقافي يتناقشون فيه مع المثقفين البارزين على الساحة». مضيفا أن «هذه الحاجة لم تلبِّها الصالونات الثقافية الموجودة في الرياض، التي غالبا ما تكون (نخبوية) مغلقة أو رسمية الطابع واحتفائية المضمون. ومن هنا بدأ مجهود ثلاثة أشخاص في دعوة الشباب والمثقفين إلى النقاش في فضاء ثقافي خارج الإطار النخبوي.. فكانت الديوانية».

وفي جدة يدير حمزة كاشغري، وهو طالب في جامعة الملك عبد العزيز، ديوانية ثقافية مع مجموعة من أقرانه المهتمين، ويصف حمزة الديوانية بأنها «حلم يقظة أو مشروع ذهني أصبح قابلا للتطبيق وسط عدد لا نهائي من المشروعات التي تدور في بال أمثاله».

وحول النشاطات التي تمارسها الديوانية، يشير كاشغري إلى نوعين من النشاطات الثقافية، يجري في النوع الأول استضافة وجوه فكرية وثقافية وإعلامية للاستفادة منها في رفع مستوى الوعي لدى أفراد الديوانية عبر النقاشات والحوارات التي تجري ضمن هذه الاستضافة. وفي النوع الثاني يتبادل أعضاء الديوانية النقاش حول القضايا الثقافية الراهنة في عملية مثاقفة متبادلة.

وحول سمات الديوانية، يوضح طارق المبارك: «نطمح أن لا نخلق أجواء نخبوية رغم نسبيتها، فنحن نستهدف الشاب القارئ، وليس كل شرائح الشباب. ونحاول أن نطرح الأسئلة المهمة التي تدور في أذهانهم ومناقشتها مع الرموز الثقافية والفكرية أو في ما بين الشباب».

ضمان استمرارية هذا النشاط وعدم تحوله إلى موضة يهجرها الشباب بمجرد ظهور غيرها يظل هاجسا قائما أمام المبارك وزملائه في ديوانية الرياض. غير أنه يؤكد أن هذا الأمر يتم عبر إشراك الجميع في الإحساس بالانتماء إلى الديوانية وأنها ملك لهم. ويتطلع المبارك عبر نشاطات الديوانية إلى الوصول بحضورها إلى مستوى فكري وحواري أعمق يعود عليهم بالنفع في حياتهم العملية والاجتماعية. وفي الصدد ذاته يتطلع حمزة كاشغري عبر ديوانية جدة إلى «صقل التجربة الفكرية والمعرفية عبر الاحتكاك بكبار المثقفين ومناقشتهم ومخالفتهم والاستفادة منهم حتى تزداد الرؤى نضجا وعمقا». ويرى كاشغري أن فكرة الديوانية الشبابية ذات سمات مختلفة عن بقية الصالونات الثقافية التي يكون محورها في الغالب الرموز الفكرية لا جمهورها. ويشرح كاشغري: «نحاول التمرد على الأجواء النخبوية القاتمة، لكننا لا نريد أيضا أن نتجه إلى الطرف الآخر. يمكنك أن تقول إننا تجربة لها سماتها الخاصة»، مؤكدا أنها «وُجدت لتكون ذات طابع شبابي، وستبقى كذلك دون أن تتجه إلى التحول إلى (برستيج) اجتماعي متعلق بالأوهام والصناعات الثقافية». ويردف: «نعمل مع مجموعة من الشباب الرائع الذي يجتمع في المقاهي والبيوت والسيارات من أجل إنجاح هذا الجهد».

وهنا يعلق مصطفى الحسن، أستاذ التفسير بجامعة الملك فهد، وهو أحد المهتمين بالصالونات والديوانيات الثقافية: «انتشار هذه المقاهي والديوانيات ليس أمرا سلبيا، بل إنه يلبي حاجة الإنسان إلى الكلام والتعبير ليعلن عما في داخله ويرتقي بذاته». وهو يعرّف الصالونات والديوانيات الثقافية بقوله: «الصالونات - أو الديوانيات - الثقافية، إذا أردت أن أصفها ببساطة، سأقول إنها اجتماع وتواصل واقعي لتبادل الأفكار، كلام من إنسان لإنسان وجها لوجه، أفكار ورؤى تُطرح وتتطور شيئا فشيئا».

ويؤكد الحسن أن هذه الديوانيات والحوارات التي تجري خلالها تكون فاعلة إذا كان الحوار من أجل يرتقي المتحاورون بأفكارهم وقدراتهم على الطرح دون أن يتحول الحوار إلى وسيلة لإثبات الاستعلاء والحط من قدر الآخر أو لبيان حماقاته.