المدرسة الصادقية في تونس تحتفل بمرور 135 سنة على تأسيسها

أسسها المصلح خير الدين باشا وتخرج فيها الحبيب بورقيبة و70 وزيرا تونسيا

تمكنت المدرسة الصادقية من ضخ دماء جديدة في المجتمع التونسي من القيادات الوطنية التي أرست دعائم التحديث الاجتماعي والاقتصادي في تونس («الشرق الأوسط»)
TT

حين فتحت المدرسة الصادقية بتونس العاصمة أبوابها أمام طلاب العلم يوم 27 فبراير (شباط) عام 1875 كانت متأهبة للإشعاع، ولتكوين أجيال من التونسيين سيكون معظمهم ممن يسيرون دواليب الدولة التونسية، سواء خلال عقود الكفاح ضد المستعمر الفرنسي أو كذلك قيادة الدولة الحديثة مباشرة بعد استقلال تونس في 20 مارس (آذار) سنة 1956.

هذه المدرسة التي لا تزال توفر العلم والمعرفة لأجيال التونسيين أسسها المصلح التونسي خير الدين باشا وهو يعلم تمام العالم كما ورد في الوثائق التاريخية «أن القوم سبقونا إلى الحضارة بأحقاب» على حد العبارة الشهيرة للمؤرخ التونسي أحمد ابن أبي الضياف، «وعلى المدرسة الصادقية أن توفر التعليم الحديث الذي ينصهر في العصر ويكمل بعلومه الصحيحة من حساب وهندسة واقتصاد وغيرها من العلوم ما كانت تقدمه آنذاك الجامعة الزيتونية من علوم شرعية بالأساس».

خير الدين باشا المصلح التونسي ورجل الدولة عند توليه أمور «الوزارة الكبرى» في حكومة البايات الذين حكموا تونس، وذلك من 1873 إلى سنة 1877، اغتنم الفرصة وأرسى دعائم هذه المدرسة ذات المناهج العصرية في التعليم، وهذه السنة تكون هذه المدرسة الصادقية لها من العمر ما لا يقل عن 135 سنة بالتمام والكمال. وقد نجحت نباهة المصلح التونسي خير الدين باشا، فقد تمكنت هذه المدرسة من ضخ دماء جديدة في المجتمع التونسي، ومكنته من مجموعة مهمة من القيادات الوطنية التي أرست دعائم التحديث الاجتماعي والاقتصادي في تونس.

المدرسة الصادقية كان مقرها في 55 نهج الزنايدية بالقرب من جامع الزيتونة المعمور، وقد انطلقت في التدريس بـ150 تلميذا سنة 1875، ولم تنتقل المدرسة إلى مقرها الحالي بالقصبة إلا سنة 1987، وظلت على هضبة القصبة بالعاصمة التونسية متباهية بقبابها ومنارتها الشامخة. وللتدليل على أهمية هذه المدرسة في النهوض السياسي والاجتماعي التونسي تتباهى المدرسة الصادقية بأنها كانت المدرسة التونسية الأولى التي تخرج فيها أول طبيب تونسي، كما أنها خرجت أول مهندس تونسي سنة 1901، وساهمت بأول أستاذ تونسي في العلوم الطبيعية سنة 1937، وأفرزت كذلك أول دكتوراه دولة في الآداب وفي الاقتصاد، وأول باي تونسي (المنصف باي)، وأول رئيس للجمهورية التونسية الحبيب بورقيبة، وأول رئيس تونسي لمنظمة المؤتمر الإسلامي (الحبيب الشطي)، إلى جانب كثير الأسماء من اللامعة في مجالات الأدب والسياسة.

وعرفت المدرسة الصادقية كذلك مرور معظم قادة الحركة الوطنية التونسية وبناة ومؤسسي تونس الحديثة. وبالنظر للأهمية الحضارية التي لعبتها نعتها الشيح سالم بوحاجب بـ«المحل الأكرم»، وقال عنها الشيخ الفاضل بن عاشور إنها «المنار الرفيع»، أما الزعيم الحبيب بورقيبة فقد ذكرها في أكثر من مناسبة، وقال عنها «الصادقية موئل صباي ومورد تربيتي وثقافتي الذي نهلت منه وتغذيت به، وقدرت ما للصادقية من فضل على هذا الوطن». وقد تخرج في المدرسة الصادقية ما يناهز السبعين وزيرا تونسيا، وما لا يقع تحت الحصر من الأطباء والمحامين ورجال الاقتصاد والعلوم والثقافة والرياضة.

عن المدرسة الصادقية قال فؤاد المبزع، رئيس مجلس النواب التونسي الحالي ورئيس جمعية قدماء الصادقية «هي المدرسة التي كان لها الفضل في جمع التونسيين من كل أنحاء الوطن، مما كون لحمة فيما بينهم»، مشيرا إلى أنها «ساهمت منذ تأسيسها من قبل المصلح خير الدين باشا في تكوين نخبة من المثقفين لتؤثر على الشعب وتشارك في نهضته». وقال حاتم بن سالم، وزير التربية التونسي الحالي «للمدرسة الصادقية تاريخ عريق يخول لها أن تكون معلما من معالم تونس، فهي منارة تواكب العملية التطويرية للنهوض بالمنظومة التربوية»، مضيفا أن «الوزارة ستعمل على مزيد الاهتمام بها قصد تفادي بعض النقائص، لا سيما منها المتعلقة بالبنية الأساسية، لتكون خلال الموسم الدراسي القادم في أبهى حلة».