«جودة» حاوي الإسكندرية: أنا صانع البهجة.. ومهنتي لن تنقرض

عروضه أمام المقاهي وعلى الشاطئ تجذب الصغار والكبار

أحمد جودة.. أو «أحمد العجيب» وحقيبته الصغيرة التي تحمل في طياتها أسرار مهنته المثيرة («الشرق الأوسط»)
TT

كثيرون هم صناع البهجة في المدينة العريقة عروس المتوسط التي تحمل اسم الإسكندر الأكبر.. بعضهم اتخذ من زرقة بحرها الحانية ملهما له، ولم يخذلهم البحر، بل عقدت شواطئه صكوك صداقة ومحبة مع مئات المقاهي التي يستمتع الملايين من روادها بمشاهدة منظره الساحر.

أحد صناع البهجة من هؤلاء تراه مترجلا ما بين هذه المقاهي مصطحبا في يده حقيبته الصغيرة التي تحمل في طياتها أسرار مهنته المثيرة.. يتوقف دقائق أمام كل مقهى ليقوم بتقديم استعراض فني يبهر من خلاله مشاهديه.

ورغم أن مهنته قد شارفت على الاندثار فإن أحمد جودة - أو أحمد العجيب كما هي شهرته – ما زال متمسكا بها إلى حد اعتبارها رسالته في الحياة كما كانت من قبل رسالة أبيه وجده.. ومهنتهما أيضا في ذات الوقت.

ويرى «أحمد العجيب» أن الألعاب السحرية التي يقوم بتقديمها ليمتع بها أهالي وضيوف الإسكندرية لا يمكن أن تندثر يوما طالما بقي هو على قيد الحياة.

أحمد جودة هو بلا منازع «حاوي» الإسكندرية الأول إن لم يكن الوحيد.. يعرفه رواد المدينة العريقة ويطلبونه بالاسم.. يذهبون إلى المقاهي والشواطئ التي يقدم عروضه فيها ويسألون عنه.

يقول جودة (50 عاما)، لـ«الشرق الأوسط»: «لقد تفتحت عيناي منذ الصغر على الألعاب السحرية فلم أتعلم شيئا سواها في حياتي.. رأيت والدي يبهر الناس باستعراضاته السحرية وأنا في مقتبل العمر فأحببت هذه المهنة وتعلقت بها. كنت ألازم والدي في كل رحلاته وجولاته بالموالد والأفراح الشعبية منذ كان عمري خمس سنوات».

ويروي عن طفولته قائلا: «عندما بلغت السادسة من عمري أراد أبي أن يكافئني فأوكل لي مهمة النوم في صندوق خشبي يقوم هو بنشره من المنتصف أمام الناس وأنا بداخله.. وقد كانت هذه اللعبة من أشهر الألعاب السحرية وقتها».

ورغم خطورة اللعبة وصغر سني، فإنه كان واثقا من نفسه، يقول: «لم أكن أخاف رغم صغر سني لأن أبي كان قد لقنني أسرار هذه المهنة وكنت مدركا تماما أن أمرها كله يقوم على الذكاء وخفة حركة اليد وسرعة البديهة».

استمر جودة في مساعدة أبيه حتى بلغ من العمر 18 عاما فآثر أن يستريح والده، بعد أن تقدمت به السن، وأصبح عليه أن يقوم بالعمل بمفرده وقد نجح في ذلك على مدى 22 عاما متصلة.

وبنبرة لا تخلو من الزهو يقول: «جمهوري دائما ينتظرني في مختلف مقاهي الكورنيش حيث اعتدت الوجود فيها لتقديم الاستعراضات. وبالنسبة للأفراح التي أقوم بتقديم فقرات فيها فأصحابها يجيئون لي في مقهى الفنانين بمنطقة كامب شيزار للتعاقد معي لإحيائها».

وعن أشهر مشاهديه يعتز جودة بأسماء كوكبة من الفنانين كانوا دائما حريصين على مشاهدة العروض التي يقدمها كلما جاءوا للإسكندرية، ومنهم سعيد صالح، والمرحوم يونس شلبي، ومظهر أبو النجا، ومحمد نجم، كانوا جميعا يجلسون في مقهى الفنانين وسط المدينة حينما يحضرون إلى الإسكندرية في الصيف لتقديم عروضهم المسرحية الصيفية.. يقول: «قدمني لهم صاحب المقهى، وقمت بعمل استعراضات الألعاب السحرية أمامهم، وصارت من وقتها صداقه بيني وبينهم، حتى إن معظمهم كان يستعين بي في أعمال مسرحيه لأؤدي دور الحاوي الذي يقوم بتقديم الألعاب السحرية».

وعن الأعمال الفنية التي شارك فيها يقول جودة قال: «شاركت في الكثير من الأعمال الفنية، لكن ليس كممثل وإنما لأداء دور الحاوي، حيث تصادف وجود هذا الدور ببعض الأعمال وكان لا يستطيع القيام به سوى شخص محترف يتقن القيام بهذه الأعمال». ويذكر من هذه الأعمال مسرحيات: «(زقاق المدق)، بطولة الفنانة معالي زايد، حيث كنت أقوم بدور الحاوي الذي يقدم استعراضات سحرية ويتجمع حوله الناس في الحارة لمشاهدته.. كما قمت أيضا بأداء دور الحاوي مع الفنان مظهر أبو النجا في مسرحية صيفية عرضها في الإسكندرية باسم (راجل وعشر ستات).. وأيضا قمت بالدور ذاته مع الفنان المرحوم يونس شلبي في مسرحية صيفية بعنوان (زندو يغزو الفضاء)».

ويؤكد جودة على أنه حريص على الابتكار والتجديد في مهنته ليحافظ على معجبيه وجمهوره حيث يقوم دائما بابتكار ألعاب سحرية جديدة حتى لا يشعر مشاهدوه بالملل وحتى يظل يحمل لهم دائما مفاجآت متجددة تضمن إسعادهم وإدخال البهجة إلى قلوبهم. ومن أهم الألعاب السحرية التي قام بابتكارها ونالت شهرة واسعة، حتى بات معجبوه يطلبون منه أداءها دائما، لعبة يمسك فيها بسكين ويفاجئ جمهوره بأنه يجعلها تخترق يده لتخرج من الناحية الأخرى! وعن هذه اللعبة يقول: «قمت بابتكار هذه اللعبة وأعتبرها الأكثر خطورة وإثارة بين كل الألعاب التي أؤديها.. وعندما يكون المشاهدون من الكبار فإنني أسكب بعض السائل الأحمر على يدي ليظهر كأنه دم، ويظن المشاهد أن ما يراه حقيقي».. ويتابع: «لكن في حالة وجود أطفال بين المشاهدين لا أسكب السائل الأحمر حتى لا يصاب أحد منهم بالخوف».

ويلفت جودة إلى أن كل ما يقوم به من ألعاب - ومنها هذه اللعبة - إنما هو خفة يد منه ينتج عنها خداع بصري لأنه بالطبع لا تخترق السكين يده في الحقيقة.

وعن رأيه في أداء دور «الحاوي» في السينما المصرية وهل قام من أدوه من الفنانين بالتعبير حقيقة عنه. قال: «لقد أعجبني الفنان محمود عبد العزيز عندما قام بأداء دور (الحاوي) في فيلم (الساحر)، وشعرت كما لو كنت أشاهد نفسي فعلا. لقد أعجبت وفرحت بأدائه إلى حد البكاء».. ويضيف: «أحتفظ بنسخة مسجلة فيديو لفيلم (الساحر) لمشاهدتها بين الحين والآخر».

ويتابع: «كل ما أتمناه هو أن تعترف نقابة المهن التمثيلية بمهنتي وتنشئ شعبة تابعه لها».. ويتساءل قائلا: «هناك شعبه للرقص الشعبي فلماذا لا تكون هناك شعبه للألعاب السحرية؟!».

وحول أوقات رواج العمل يقول: «يزيد الرزق في فصل الصيف حيث يتوافد على الإسكندرية ملايين المصطافين فأعمل على مدار اليوم كله.. وأبدأ جولاتي على الشواطئ وأقدم استعراضاتي للمصطافين الذين يرتادونها منذ الصباح الباكر.. ثم أعاود مرة أخرى في المساء لأقدم هذه الاستعراضات أمام المقاهي الكبرى بكورنيش الإسكندرية المواجه للبحر».

ويشير حاوي السكندرية إلى أن أهل المدينة ومسؤوليها يعتبرون استعراضاته فلكلورا، حيث تضفي البهجة والسعادة عليهم وتسهم في رسم البسمة على وجوه زوارها، ولذلك لا يتعرض له أحد من رجال الأمن رغم الزحام الشديد الذي يحدث عندما يقوم بتقديم أحد عروضه في شوارع المدينة أمام المقاهي وبجوار البحر.. يقول: «رجال الأمن يقومون بحمايتي ويؤمنون عروضي، فأنا أصبحت جزءا من معالم المدينة الفنية والسياحية».