النارجيلة.. ظاهرة تجتذب الشباب في دول البلقان

مع أنها دخلت المنطقة منذ عهد قريب

نارجيلات بانتظار مدخنين في سراييفو («الشرق الأوسط»)
TT

حكم الأتراك العثمانيون منطقة غرب البلقان لمدة 5 قرون، وتركوا بصماتهم على المكان والزمان والذاكرة. فقد جلبوا إلى المنطقة الكثير من الفنون، بينها فن المعمار، غير أن النارجيلة - الشيشة أو الأركيلة في المشرق العربي - لم تدخل إلى غرب البلقان سوى في السنوات الأخيرة.

واليوم غدا تدخين النارجيلة ظاهرة واضحة للعيان، لا سيما في الحواضر العتيقة كسراييفو وبلغراد وزغرب وسكوبيا، بل حتى على شواطئ البحر الأدرياتيكي. وقد مثلت ظاهرة انتشار النارجيلة سؤالا محيرا للأطباء وعلماء الاجتماع في جمهورية البوسنة والهرسك، فهي تنتشر روائحها ويتصاعد دخانها في المقاهي والشوارع والأزقة بينما تتقلص حالة تدخين السجائر بفعل المنع المتصاعد في دول المنطقة. كذلك يساعد في الانتشار اعتقاد الكثير من الناس - وحتى بعض السلطات الرقابية - أن النارجيلة أقل ضررا من السجائر للمدخنين ومن يكونون بجوارهم.. وأقل تلويثا للبيئة. أما أسعار النارجيلة الواحدة فتتراوح في البوسنة بين 2 و2.5 يورو.

يفيد أغلب الذين استطلعت «الشرق الأوسط» آراءهم أن النارجيلة جاءت إلى البلقان من تركيا، أو جلبها الأتراك الوافدون من بلادهم إلى دول المنطقة، ولا سيما البوسنة وألبانيا. ولكنّ آخرين يعتقدون أن مصدرها المباشر تونس ومصر والأردن، إذ كان بعض الطلبة ومن زاروا هذه البلدان كسياح يجلبون معهم قوارير النارجيلة وخراطيمها وروائحها ودخانها إلى المقاهي، فيثيرون بذلك فضول كثيرين ولا سيما المدخنين، فيقبلون عليها بنهم من باب الفضول والتجربة.. حتى غدت موضة، فظاهرة، ثم حالة مستنبتة في المنطقة. واليوم ترى في المقاهي أنواعا كثيرة من النارجيلة تقدم بنكهات التفاح والنعناع والفراولة (الفريز) وغيرها.

نرمين برانكوفيتش (26 سنة) قال لـ«الشرق الأوسط» لدى سؤاله: «أنا أدخن النارجيلة بمعدل 10 مرات أو 15 مرة في الأسبوع، وأحيانا مرتين أو ثلاث مرات في اليوم الواحد.. وكانت بداية علاقتي بها بدافع التجربة. فقد أردت أن أجرب، وراقت لي حتى أصبحت مولعا بها». وعن الأنواع المفضلة لديه قال: «الغابية والفراولة في بعض الأحيان.. وأغلب الأحيان آخذ معي صديقا أو أكثر ونجلس حول النارجيلة في جو من الاسترخاء وسط رائحتها التي تشبه البخور وبين دخانها، بينما تظل النار في داخلنا».

وقال ألمير طاليتش (23 سنة): «أنا مدخّن ومدمن على التدخين، ومن الصعوبة بمكان، لا سيما في المرحلة الجامعية، أن أقلع عن التدخين.. وهذا يجعلني أقل ميلا إلى النارجيلة». وعن المرات التي يدخّن فيها النارجيلة أجاب: «أسعارها مرتفعة ولا تناسبني كطالب.. فسعر الواحدة يوازي سعر 4 أو 5 علب سجائر، وفي اعتقادي أن مدخني السجائر لا يحبون النارجيلة بطبعهم.. غير أنني عندما أجلس مع أصدقائي في أوقات الفراغ بالمقهى ويطلبون نارجيلة أدخن معهم من باب المسايرة ليس إلا».

ولكن ماذا عن أصحاب المقاهي التي تقدم لزبائنها «خدمة» النارجيلة؟ وهل هم راضون عن العوائد التي يجنونها من إعدادها وتقديمها للراغبين في التدخين؟

سمير كوجياك، وهو صاحب مقهى اسمه «ميريس» - أي الروائح أو العطر - قال: «الجميع يدخن النارجيلة، ولا سيما الشباب. وهي لم تكن موجودة في المنطقة من قبل.. لكنها تلقى قبولا من الشباب ومن كلا الجنسين». وعما إذا كان هو شخصيا يدخنها، أجاب: «لا.. لا أحبها ولا أستسيغها أبدا». وعن عدد مبيعاته يوميا ذكر أنه هناك ما لا يقل عن 10 أشخاص على الأقل يأتون إلى المقهى يوميا ويطلبون النارجيلة، وفي مقاهٍ أخرى يكون العدد أكبر».

الدكتور فخري إسماعيلوفيتش، الباحث في علم الاجتماع، يرى أن ارتفاع نسبة الإقبال على النارجيلة «ليس لأنها موضة جديدة لم تكن معروفة من قبل، بل لأسباب نفسية واجتماعية وثقافية. فتدخين النارجيلة يعطي المدخن فرصة للإيحاء للآخرين بأكثر من طريقة. وإذا كان مدخن السيجارة يحاول أن يلفت الانتباه بالدخان المنبعث من سيجارته فقط، فإن مدخن النارجيلة يحاول أن يلفت الانتباه إليه بالدخان وبصوت القارورة المنبعث من أعماقها أيضا كما لو أنه آتٍ من أعماق المدخن». وأردف: «يتمثّل البعد الاجتماعي في محاولة بعض مدخنيها أن يبرزوا مستواهم الاجتماعي الحقيقي أو الموهوم، إذ يريد البعض أن يغرس انطباعا بأنه مرفّه اجتماعيا لمجرد أن تدخين النارجيلة أغلى سعرا من تدخين السيجارة. أما بالنسبة إلى البعد الثقافي فيتمثل في كون النارجيلة شرقية المصدر.. أي من الجذور الثقافية التي قطعت أسلاكها واستمرت باللاسلكي، إن صح التعبير».

ويدلي الدكتور عصمة بيروفيتش، الاختصاصي في أمراض الجهاز التنفسي، بدلوه ضد تدخين النارجيلة، وبقوة، قائلا: «يقتل التدخين سنويا أكثر من 6 ملايين إنسان.. وتدخين النارجيلة على صلة بمواد تسبب السرطان كما أكدت جميع الأبحاث التي أجريت سواء في أوروبا أو الولايات المتحدة أو المختبرات الموجودة في الكثير من الدول الشرقية نفسها. فهي تحتوي على نسبة من القار وأكسيد الكربون الأحادي الناتج عن حرق الفحم، بالإضافة إلى امتصاص الجسم أثناء التدخين عدة مواد خطرة على الصحة مثل الزرنيخ والنيكل والكروم التي تسبب سرطان الرئة وسرطان الفم وتجويفه، وهي من أسباب الأورام المختلفة إلى جانب التهاب الكبدي الوبائي والسل والأمراض الفطرية». وعن دور وسائل الإعلام رأى أن بإمكان وسائل الإعلام المساهمة في نشر الوعي بوقف تدخين النارجيلة، بل والتدخين بشتى أنواعه، وعلى الحكومات أن لا تكتفي بمنع التدخين في الأماكن العامة فحسب، بل يجب وقف إنتاج مختلف مواد التدخين من تبغ وتنبك وغيرهما وتجريم بيعها وتعاطيها».