مصر: «الطريق الصحراوي» الشهير يعيش ورشة تطوير

يربط القاهرة بالإسكندرية والساحل الشمالي.. ويلهم كتاب الدراما

جانب من أعمال تطوير الطريق الصحراوي بين القاهرة والإسكندرية (تصوير عبد الستار حتيتة)
TT

حين رفع العمال المصريون معاولهم وأزالوا الحواجز ظهرت قصص وحكايات وصراعات على «الطريق الصحراوي» البالغ طوله 220 كيلومترا بين القاهرة والإسكندرية، والطريق الذي طالما ألهم كتاب المسلسلات والأفلام في الماضي، ويبدو أنه ما زال قادرا على ذلك لسنوات آتية.

أعمال التطوير على الطريق الشهير يؤمل أن تكتمل بعد سنتين. ويقول سعيد عبد اللطيف، صاحب محل «التحدي» على الطريق الصحراوي لبيع مأكولات ومشروبات للمسافرين، معلقا «نعم.. بدأت قصص جديدة هنا»، ويتابع «أن مَن يمكن أن تراهم على الطريق ليسوا فقط عمالا يسوون الأرض ويمهدون الإسفلت، بل هناك على جانبي الطريق رجال أعمال وفنانون ومصورون سينمائيون وسماسرة وفقراء وافدون من محافظات أخرى يتطلعون لتحقيق أحلامهم من مشروع التطوير».

في الواقع، يربط بين القاهرة والإسكندرية طريقان هما: الطريق الزراعي - وهو الأقدم - الذي يخترق محافظات الدلتا، بشمال البلاد، وتكثر فيه حوادث السير القاتلة، والطريق الصحراوي الذي يمر، حسب اسمه، عبر الصحراء الممتدة غرب القاهرة. وكان الثاني الأسرع والأكثر أمنا إلى أن ازدحم هو الآخر وغدت التقاطعات على جانبيه تعرقل انسياب المرور وتتسبب في الكثير من الحوادث، ولهذا بدأت الحكومة تطويره ضمن خطة لإقامة شبكة طرق طولها نحو ستة آلاف كيلومتر جديدة في عموم البلاد بتكلفة نحو 20 مليار جنيه (نحو 3.7 مليار دولار).

وبالنسبة للطريق الصحراوي يشرح مسؤول في شركة الرصف إن العمال والمهندسين وآلاتهم، يشرعون في العمل ولا يتوقفون إلا مع بداية موسم الصيف، حين تزداد الكثافة المرورية بسبب اتجاه غالبية المصريين والعرب من العاصمة إلى شواطئ الإسكندرية والساحل الشمالي ومرسى مطروح.. «ثم نعود للعمل مرة أخرى مع بداية فصل الشتاء، لرصف وتوسعة جزء من الطريق يتراوح طوله بين عشرين وثلاثين كيلومترا، أو أكثر.. الأجزاء التي انتهينا من تطويرها أصبحت مختلفة؛ مزودة بلوحات إرشادية وعلامات مضيئة، وكل حارة في الطريق أصبحت محددة المعالم».

طبعا، التطويرات أغرت بعض رجال الأعمال وسماسرة الأراضي، وامتلأت وسائل الإعلام المحلية بقصص عن حصول رجال أعمال على تصاريح بناء بموجب عقود غير قانونية لبناء فيلات ومنتجعات. ويقر مسؤول محلي في مدينة وادي النطرون الواقعة عند منتصف الطريق بين العاصمة والإسكندرية قائلا: «نرى رجال أعمال يطمحون في تحقيق مكاسب من التطوير الجديد للطريق.. فهم يريدون شراء أراض صحراوية على جانبي الطريق بأسعار زهيدة، لكن المتوقع أن ترتفع قيمتها بعد افتتاح الطريق السنة بعد المقبلة. إنهم يريدون تكرار التجربة»، في إشارة إلى تجربة سابقة استحوذ من خلالها رجال أعمال على أراض صحراوية بأسعار رمزية وأقاموا عليها مشاريع عند بعض جوانب الطريق الصحراوي وطريق وادي النطرون - العلمين البالغ طوله 130 كلم، خاصة عند شق الطريق الأخير للمرة الأولى في التسعينات.

هذه المرة، يبدو التطوير كبيرا ولافتا للنظر، لعدة أسباب أهمها توسيع الطريق الصحراوي إلى الضعفين، وتخصيص خط سير للشاحنات بعيدا عن السيارات الصغيرة، ونجاح عدة مشاريع صغيرة خدمية وسكنية سبق أن أقامها القطاع الخاص خلال السنوات الثلاثين الأخيرة هناك، ومن الأسباب أيضا وجود مشاريع سياحية ضخمة في الإسكندرية والساحل الشمالي، واعتزام محافظة الإسكندرية بناء تجمع عمراني جديد على مساحة مائة فدان بشرق المدينة، وكذلك تنفيذ مشروع مدينة الإسكندرية الجديدة على مساحة 3500 فدان، إلى جانب ربط هذا الطريق بالطرق الرئيسية الواصلة بين الدلتا والصعيد.

من جانبها، تأخذ الحكومة المصرية حذرها حتى لا تعم الفوضى على جانبي الطريق الصحراوي، عبر ضوابط صارمة لأي مشاريع أو عقود تخص أراض هناك، لأن التطوير يهدف في الأساس إلى تقليل نسبة الحوادث وزيادة الانسياب المروري وإخلاء الطريق من أي تقاطعات سطحية، وإقامة جسور (كباري) خاصة تربط بين جانبي الطريق في المواقع ذات الكثافة المرورية. ويقول مرسي أحمد المهندس المسؤول بمشروع تطوير الجزء الواقع قرب منطقة الـ«رست هاوس» الشهيرة على الطريق الصحراوي (نحو 90 كلم غرب القاهرة): «أدت مداخل المدن الجديدة ومنتجعات خاصة على جانبي الطريق لوجود تقاطعات أفقدته ميزاته القديمة كطريق سريع. نحن نأمل أن يحل المشروع الجديد كل هذه المشكلات».

في هذه الأثناء، توشك وزارة النقل المصرية على الانتهاء من أعمال التطوير ليس بين القاهرة والإسكندرية فقط، بل ستمتد، ضمن مرحلة لاحقة، إلى الطريق الدولي من غرب الإسكندرية إلى السلوم، على الحدود المصرية - الليبية، لخدمة حركة السياحة في قرى الساحل الشمالي مع قرب افتتاح مشاريع ضخمة لشركات سياحية مصرية وعربية. وتؤكد الجهات الحكومية المعنية أن جميع مراحل تطوير الطريق الصحراوي ستنتهي بالفعل في عام 2012. وبعيدا عن أحلام الطامحين في اقتناص جزء من «فطيرة» الطريق الصحراوي، يمكن للزائر أن يريح رأسه بالاستمتاع بمشاهدة بعض الممثلين الذين يقفون أمام كاميرات التصوير وهم يعدون أعمالا درامية تقع أحداثها على الطريق الصحراوي، الذي سبق وظهر في أفلام الحب والغرام والانتقام في السينما المصرية، أيام رشدي أباظة وشكري سرحان وهدى سلطان وفريد الأطرش.

وبينما كان عمال التطوير يغادرون، في إجازة من العمل تستمر طيلة الصيف، كانت فرق التمثيل والتصوير تعمل لإنجاز مسلسل «شحتة تيتانيك» عن سائق سيارة تاكسي يعمل على الطريق الصحراوي، وكذلك مسلسل اسمه «الصيف الماضي»، الذي تلعب حادثة سير على نفس الطريق محورا من محاوره الأساسية، كما يسعى كتاب سيناريو لتحويل مذبحة سقط فيها 11 قتيلا في نزاع على أرض على الطريق الصحراوي، إلى فيلم، بعدما صدر الحكم في أول درجة على 24 متهما في هذه القضية بالإعدام.