فرجة بالمجان لرواد الساحة الأشهر في المغرب

ساحة جامع الفنا في مراكش اجتذبت نانسي عجرم والسينما.. والآن الملاكمة

جانب من عروض الملاكمة التي تحتضنها ساحة جامع الفنا بمراكش على مدار اليوم في إطار الفرجة التي تقترحها على الزوار والسياح («الشرق الأوسط»)
TT

بعد سهرة نانسي عجرم الغنائية، قبل سنوات، وعروض الألعاب السحرية والأفلام السينمائية، التي استقبلتهما، على مدى السنوات الماضية، في إطار المهرجان الدولي لفنون السحر والمهرجان الدولي للفيلم بمراكش، استضافت ساحة جامع الفنا أخيرا أمسية رياضية في الملاكمة الاحترافية، حولت هذه الساحة الشهيرة، التي صنفتها منظمة اليونيسكو، قبل تسع سنوات، تراثا شفويا إنسانيا، إلى قاعة مفتوحة في الهواء الطلق لعروض الملاكمة.

واستقطبت الأمسية جمهورا غفيرا، من سياح وزوار الساحة ومن عشاق هذه الرياضة، غصت به جنبات الساحة، مع حرص على متابعتها إلى نهايتها، على الرغم من أن نزالاتها تواصلت إلى ما بعد منتصف الليل. كما عرفت الأمسية حضور عدد من مشاهير الفن والرياضة، أمثال الممثل العالمي سعيد التغماوي وبطل العالم في الملاكمة خالد رحيلو. ومن بين المباريات التي تضمنها برنامج الأمسية لقاء جمع الملاكم الفرنسي، من أصل مغربي، محمد بولغشا، بالملاكم الأرجنتيني أريال هومبيرتو، وذلك في إطار مباريات بطولة العالم في وزن الذبابة الممتاز، وعرف فوز بولغشا بالضربة القاضية، كما واجه الملاكم الفرنسي، المغربي الأصل، حسن أندام، الملاكم البرازيلي عمر غبرييل ويس، في نزال يدخل ضمن البطولة العالمية للوزن المتوسط، في حين نازل الملاكم الفرنسي، المغربي الأصل، علي حلاب، الملاكم البلغاري أليك ساندار فلاديميروف، في لقاء يدخل ضمن منافسات وزن الديك الممتاز، في إطار بطولة أوروبا للملاكمة، فضلا عن نزالات أخرى، بينها نزال في الوزن الخفيف الممتاز جمع الملاكم الفرنسي، المغربي الأصل، أحمد الموساوي، بالملاكم الروماني روبير كريستيا، في حين نازل الملاكم الفرنسي، المغربي الأصل، رشيد جكيتو، الملاكم الروماني جورج دانوت.

وراهن المنظمون على أن تساعد هذه التظاهرة الرياضية الملاكمين المغاربة من تحسين مستواهم التقني والرفع من لياقتهم البدنية والاحتكاك بنظرائهم العالميين وتطوير خبرتهم في الملاكمة، وشددوا على أن التظاهرة تندرج ضمن استراتيجية عامة لإعطاء دينامية جديدة لهذه اللعبة في المغرب، وخاصة على مستوى توسيع قاعدة الممارسين.

وفي علاقة بين جامع الفنا والأمسية التي احتضنتها، يمكن القول إن الملاكمة ليست غريبة عن الساحة، التي لم تستطع أن تبقى بمنأى عن التحولات الاقتصادية والاجتماعية المحيطة بها، فزوارها ظلوا يتبدلون في عاداتهم وانتظاراتهم، كما أن حكم الزمن لم يمنح «أبطالها»، من حكواتيين ومغنين وغيرهم، مهلة الركون المستمر إلى نفس ما ظلوا يؤثثون به لحلقاتهم وعروضهم، فقصص «عنترة بن شداد» و«الأزلية» صارت تترك مكانها، شيئا فشيئا، للأكل والدخان، في وقت طورت فيه المطاعم الشعبية من خدماتها، فصارت تضيف إلى قائمة وجباتها أصناف أطعمة تساير بها تغير حال وأحوال الزوار. حتى الثعابين «الحية» صارت تنافسها ثعابين «بلاستيكية»، يقوم أطفال صغار بعرضها على السياح كتذكارات، وبأثمان مناسبة. ولم يشمل تبدل وجه جامع الفنا مضمون بعض حلقاتها، فقط، بعد أن «ابتكر» البعض أشكال فرجة جديدة ومعاصرة. وهكذا، وبدل أن يقنع السائح بالاستماع والمشاهدة، بصدد ما يقدم إليه من حكي وغناء، مثلا، صار بإمكانه أن يدخل حلبة ملاكمة ليوجه ضربات خاطفة أو قاضية إلى منافس آخر جاء مراكش، بدوره، باحثا عن المتعة والراحة، قبل أن ترمي به الساحة إلى حلبة التباري. والمثير في الأمر أن يسمح لـ«الملاكم»، داخل حلبات ساحة جامع الفنا، وعلى عكس قوانين الملاكمة، أن يكون من وزن الريشة ويواجه من هو من وزن الخفيف الممتاز أو الوزن الثقيل، وأن يواجه طفل في العاشرة شيخا في سن الستين، أو تنازل فتاة في العشرين فتى في العاشرة أو أكثر قليلا. أما بالنسبة لمن لا يستطيعون تسديد الضربات أو استقبالها، فيمكن لهم أن يستمتعوا بلعب «الغولف» و«البولينغ»، مقلدين أشهر الأبطال العالميين، ممن نتابعهم يتبخترون فوق المساحات الخضراء، في كل فصول السنة، وهم يضربون كرات صغيرة نحو حفر بعيدة. وبهذا، تكون الساحة قد دخلت منطق السوق وثنائية العرض والطلب، مما يؤكد حقيقة أن لا شيء يبقى على حاله وأن دوام الحال من المحال، وأن ساحة جامع الفنا، كما عايشها البعض في الستينات والسبعينات، على الأقل، تختلف عن ساحة بدايات الألفية الثالثة.