القاهرة: مقهى نجيب محفوظ مكان متميز من صفحات التراث

حيث تلتقي الثقافة مع الجاذب السياحي

أحد العاملين في المقهى.. والمطعم «التوأم» (الشرق الأوسط)
TT

عند زيارتك منطقة خان الخليلي في العاصمة المصرية القاهرة سيجذبك درب «البادستان» بعراقته وعبقه الشرقي الأصيل، ويغريك بالسير بين جنباته.. حيث تشعر في كل زاوية منه أنك تعيش قصة من ألف ليلة وليلة. فكل ما في المكان يحافظ على روح الأصالة الشرقية، من رائحة البخور والتوابل العربية التي تعطر المكان.. إلى المحلات والبازارات الصغيرة التي يحافظ أصحابها على حرفهم اليدوية من صناعة النحاسيات والجلود والمفروشات وتركيب العطور.

في ركن من أركان درب «البادستان» يقع مقهى اتخذ من المكان بعض ملامحه، وأطلق صاحبه عليه اسم «نجيب محفوظ». ولكن هذه الخطوة لم تأت بمحض الصدفة، إذ أن الكاتب المصري الكبير الراحل كان أهم مرتاديه الدائمين، وكان عام 1989 الذي افتتح فيه المقهى هو العام الذي حصل فيه نجيب محفوظ على جائزة نوبل للأدب، ولذلك نسب إليه احتفاء به وتكريما له.

سمير متري، المدير العام للمقهى، يقول معلقا «لا عجب من اختيار الأديب نجيب محفوظ هذا المكان، فبجوارنا يقع «حي الجمالية» مسقط رأسه ومسرح أغلب رواياته، وأغلب العطفات والحواري المحيطة بالمكان تحفل بالقصص الشعبية التي منها ما هو متناقل عن الأفراد والآخر خرج من صفحات رواياته. وكان نجيب محفوظ يأتي إلى هنا ويجلس لساعات يكتب ويتأمل. وكانت له طاولة «مخصوصة» يفضل الجلوس عليها دون غيرها لتناول قهوته المفضلة. وبعد وفاته وضعنا فوق هذه الطاولة صورة شخصية له «بورتريه» وعلى جانبها رف عليه بعض رواياته المغلفة بالجلد على الطريقة التقليدية، وأغلب أحداثها دارت في المنطقة مثل «السكرية» و«قصر الشوق» و«بين القصرين» و«خان الخليلي»، بالإضافة إلى بعض رواياته التي ترجمتها له الجامعة الأميركية بالقاهرة، وكان (رحمه الله) دائم الإشادة والثناء على المكان، وقد اختار عند المدخل عمودا خشبيا حفر اسمه عليه ليكون ذكرى خالدة منه».

ويضيف سمير «عند دخولك المكان تشعر بأجواء من الخصوصية تنقلك بالزمان إلى العصر الفاطمي. فباب المطعم باب أثري ذو نقوشات إسلامية عتيقة، يقف بجانبه باستمرار عامل استقبال يرتدي زيا فاطميا فيرحب بك ويعطيك انطباعا بأنك خلال لحظات ستدخل إلى قصر السلطان. ولقد فرش المكان كله بالأرضيات الرخامية ذات النقوش الإسلامية وأضيء السقف بالنجف النحاسي المزين بالآيات القرآنية كما كان السائد في العهد الفاطمي».

ويستطرد سمير متري، فيشرح «عندما أعطتنا شركة مصر للسياحة هذا المكان أدركنا منذ اليوم الأول القيمة التاريخية والتراثية الاستثنائية له. ولذا احتاج منا خمس سنوات لإعداده وجعله بالشكل اللائق، ويومذاك أطلقنا عليه اسم «خان الخليلي». ولكن بعدما أخذ نجيب محفوظ يرتاده، فصلنا أجواء المطعم عن المقهى، فاحتفظت الأولى باسم «خان الخليلي» وغدا الثاني «مقهى نجيب محفوظ».. وحرصنا «أن يكون المقهى جديرا بهذا الاسم وملائما لبعض طقوس القاهرة القديمة وأبرزها السهر حتى الساعات الأولى من فجر اليوم. فمواعيد عمل المقهى من العاشرة صباحا إلى الثانية من فجر اليوم التالي، ويمكن فيه تناول جميع المشروبات المصرية التقليدية كالسحلب والقرفة والشاي وانتهاء بحمص الشام، وهي وتقدم في أكواب مميزة ذات طابع فولكلوري، بالإضافة إلى تدخين الشيشة بجميع أنواعها».

في أحد أركان المقهى يلفت نظرك ماسح الأحذية الذي يجلس بزي أنيق ومعه علبة أدواته النحاسية المتقنة التصميم، ويجلس ويعرض عليك بكل أدب أن ينظف حذاءك إلى أن تنتهي من مشروبك، وهذا ما كان يحدث في مقاهي مصر القديمة.

أما المطعم فيبدأ عمله من 12 ظهرا إلى الثانية فجرا، ومن الساعة التاسعة مساء تبدأ فرقة موسيقية شرقية عزف وغناء أجمل الأغاني القديمة و«الطقاطيق»، ويشتهر المطعم بتقديم جميع أنواع الأكلات المصرية الشهيرة مثل «الكبدة الإسكندراني» و«الممبار» و«الفلافل المصرية» و«الكشري»، وتلقى هذه الأصناف إقبالا كبيرا من السياح، مع العلم أن المكان ليس سياحيا فقط بل هو مفضل عند كثرة من الفنانين والمثقفين ورجال الأعمال الذين يرتادونه باستمرار.

ويختتم سمير متري مشوار التعريف بهذا المعلم السياحي ذي النسبة الثقافية الغالية، فيقول «كان لنا الفخر أن نحصل ثلاث مرات على المركز الأول للتقييم الخاص بغرفة المنشآت السياحية إذ منح المكان تصنيف 5 نجوم سياحية، بالإضافة إلى حصوله على جائزة (كريستال وورلد) crystal world العالمية لضمان مستوى الصحة والنظافة. والجدير بالذكر أن أغلب الزوار يغدقون ثناء خاصا على قائمة الطعام التي صممت بشكل أنيق وتحتوي كل صفحة من صفحاتها على أنواع المأكولات والمشروبات، بالإضافة إلى صور نادرة للقاهرة القديمة تحمل معلومات تاريخية.. ونقدم بجانب الخدمة الراقية معلومات تاريخية للزائر عن «قاهرة المعز» وقد حرصنا أن يتسع المكان لـ150 فردا لكي يستوعب أكبر عدد من الزوار يوميا».