الحاج رشاد.. «صانع الفلايك» في الإسماعيلية

أصلح قارب والده قبل 40 سنة فكتب تاريخه الشخصي

الحاج رشاد في ورشته («الشرق الأوسط»)
TT

قبل نحو أربعين سنة، وبعدما راقب رجالا جادين كانوا يأتون من وقت لآخر إلى قريته لإصلاح «الفلايك» (جمع «فلوكة») - أو المراكب الصغيرة - مصحوبين باحترام وتقدير أهالي قريته، حاول الحاج رشاد، بيد مرتعشة، فكتب بهذه الواقعة الصغيرة تاريخه الشخصي.. ليعرف منذ ذلك التاريخ بـ«صانع الفلايك».

على الشاطئ الغربي لبحيرة الصيادين، تراصت مراكب صيد خشبية صغيرة، حديثة الصنع، ووقف الحاج رشاد يتفحص كلا منها وهو يحمل بيديه «صاروخا» صغيرا يسوّي به حواف القوارب التي انتهى من تركيباتها، وغدت جاهزة للإبحار في البحيرات لتستخدم في صيد الأسماك. وعلى الجانب الآخر، كانت بعض القوارب المتهالكة في انتظار منشار الحاج رشاد وأدواته قبل إصلاحها.

الحاج رشاد وأبناؤه، اتخذوا لهم مركزا تدار من خلاله عمليات إصلاح القوارب الصغيرة التي يستخدمها الصيادون من سكان القرية، على تبة عالية في عزبة الحلوس، على شاطئ البحيرة، تتيح مشاهدة حركة الملاحة الدولية بممر قناة السويس العالمي.

وخلال لقاء مع «الشرق الأوسط»، قال الحاج رشاد: «أصنع القوارب الخشبية منذ كان عمري 14 سنة. كنت أعمل بالصيد مع والدي، وفي أحد الأيام تعطل قارب الصيد الذي كنا نمتلكه وعندما جاء صانعو مراكب الصيد ليصلحوه، راقبتهم عن بعد لأتعلم منهم وكنت أذهب لأطبق ما أشاهده في القوارب القديمة حتى زادت ثقتي بنفسي وصرت أصلح قارب والدي». وتابع: «عندما زادت ثقة أبي بما أتقنه اشترى لي خشب سويد (الأبيض) وكولاندي (إحدى المعدات التي تستخدم في صناعة القوارب) وجميع المعدات اللازمة، وبعد بضع محاولات تمكنت من صناعة أول قارب في حياتي.. وها أنا أمارس الحرفة منذ 40 سنة، ويأتي إلي الزبائن من بورسعيد والسويس والقاهرة، ولي زبائن أيضا من أصحاب فنادق ومطاعم يطلبون مني صنع فلايك زينة».

تتكلّف صناعة «الفلوكة» الزينة نحو 600 جنيه، أما فلوكة الصيد العادية فتتراوح أسعارها بين 1300 و1800 جنيه حسب حجمها. ويستغرق صناعة الفلوكة الكبيرة نحو شهر، أما الصغيرة فيمكن إنجاز صناعة اثنتين منه في الشهر.

وأضاف رشاد: «يساعدني أولادي، فمنهم من يقوم بأعمال النجارة.. ومنهم مَن يقوم بأعمال النقاشة.. ومكسبي من هذه الصناعة شهريا يصل إلى 500 جنيه، بالإضافة إلى تصليح بعض القوارب العاطلة». وشرح كيف تطورت صناعة «الفلايك» على مر السنين، مشيرا إلى أنه في الماضي كان يستخدم الكتان والقطران لسد الفراغات بين سيور المراكب، وكان يوضع الكتان في الفراغات ثم يصب عليه «القطران» المغلي. ثم تطورت المواد فاستخدم صانعو القوارب الزنك (التوتياء) والقطران واللاكيه والمعجون في صناعة المراكب، إلا أنها لم تكن جيدة. أما حاليا فأصبح النجارون يستخدمون مادة «الفايبرغلاس»، وهي مادة مستخدمة منذ نحو 15 سنة، وهي أفضل المواد التي أثبتت كفاءتها في سد الفراغات بين سيور القوارب.

أما عن سر الحفاظ على توازن الفلوكة، فشرح أحمد، نجل الحاج رشاد، «إن الفلوكة التي يصل طولها إلى 6 أمتار تكون مساحة سطحها المواجه للماء 110 سنتيمترات، أما القارب الذي يصل طوله نحو 5 أمتار وربع تكون مساحة سطحه 100 سنتيمتر بالضبط». مشددا على أن أي خطأ في حساب مساحة السطح السفلي للمركب يفقد المركب توازنه. وأردف: «نقوم بشق اللوح الخام السميك من خشب التوت وخشب السويد إلى ثلاثة ألواح رفيعة. إن المركب الواحد يحتاج إلى 15 لوحا رفيعا، أي نحو خمسة ألواح خام».

وعن كيفية الصنع شرح أحمد: «أولا، نصنع مقدمة الفلوكة وهي الطرف المدبب، من خشب التوت، وبعد ذلك نصمم الجانبين على الأرض ثم نثبتهما مبتدئين بالطرف الأمامي أولا. وبعد ذلك، توضع قطع من الخشب في الوسط تسمى (مارينا) لتفتح المركب».

من ناحية ثانية، لا تزال الإجراءات الأمنية التي تفرضها السلطات المصرية على مجرى قناة السويس الملاحي منذ عدة سنوات تلقي بآثارها السلبية على الصيادين أصحاب الفلايك الصغيرة، الذين يُمنعون من الصيد ليلا، وهو ما كان له تأثيره السلبي على هذه الصناعة.

ويقول محمد الحلوس، أحد الصيادين في المنطقة، إن «أفضل موسم لصيد السمك هو فصل الصيف، وبالتحديد يوليو (تموز) وأغسطس (آب). أما في موسم حظر الصيد بالقناة، فإن حالتنا المادية تتأثر سلبيا كثيرا». ثم قال: «الصيد يعلمنا الصبر، فنحن في أيام الرزق الوفير نعمل حساب الأيام العجاف التي لا يعطينا فيها البحر شيئا، نحن مثل النمل الذي يعمل بكد طوال الصيف ليدخر الطعام للشتاء».