سراييفو: العودة إلى الطبيعة في البلقان.. في معرض الشاي والأعشاب والعسل

المشاركون حضروا من كل أنحاء البوسنة والهرسك

بائع أعشاب ذات روائح زكية من منطقة الهرسك البوسنية («الشرق الأوسط»)
TT

كانت ساحة الرئيس البوسني الراحل علي عزت بيغوفيتش، في الحي اللاتيني من العاصمة سراييفو، على موعد جديد مع المعرض السنوي للشاي الطبي والأعشاب الطبيعية والعسل، في أواخر يونيو (حزيران) الماضي.

المعرض عج بالمتسوقين والسياح، وقد وُضِعت في مدخله لوحات زيتية أضفت على المكان مزيدا من الروعة والجلال، وعلى مسافة بضع خطوات استوقفنا باعة الحلوى الطبيعية المصنوعة من العسل من شركة «سلادكا فاروش»، في غراتشانيتسا (140 كيلومترا شمال سراييفو)، المتخصصة في صناعة المأكولات والمرطبات وأنواع الخبز المختلفة.

كان الإقبال على شراء هذه الحلوى كثيفا، مما جعلنا ننتظر حتى انتهاء الطابور لاختطاف بعض التصريحات من القائم على البيع، ويدعى وليد ماسيتش. ماسيتش بادر بالترحيب بـ«الشرق الأوسط»، وأخبرنا أنه يشارك للمرة الرابعة في المعرض الذي استضافته سراييفو بين 23 و27 يونيو (حزيران) الماضي. وعلمنا أن عدد العمال بالورشة 17 عاملا، وأن صناعتهم منتشرة في البوسنة والهرسك، ولا يفكرون حاليا في البحث عن أسواق خارجية. وهي تصريحات ترددت كثيرا من قبل باعة آخرين. وكانت المفاجأة الكبرى عندما أخبرنا ماسيتش أنه باع نحو طن من الحلوى المصنوعة من العسل، وتابع أنهم راضون عن المبيعات رغم الأزمة المالية الراهنة، والظروف المناخية غير المواتية.

العسل كان حاضرا بقوة خلال المعرض، ذلك أن البوسنة بلاد العسل بكل أنواعه، ومنه صنع الكثير من الأدوية والدهون والسوائل الطبية والمشروبات.. وجميعها كانت حاضرة في المعرض. ولقد حدثنا عدنان دغونوزوفيتش، صاحب شركة «من سانسكي موست» (450 كيلومترا شمال غربي سراييفو) عن أنواع العسل، ومنه الجبلي، والمسمى بأنواع الزهور والنباتات التي يتغذى عليها النحل. وأشار إلى أنواع الأمراض التي تُعالج بالعسل أو مشتقاته ومستحضراته.. منها الكريمات، والصابون الذي يمثل العسل إحدى أهم المواد المستخدمة في إعداده. وحتى يزيل أي شطحات ذهنية للسائل، استشهد عدنان الذي يعمل في مجال المداواة بالعسل بشهادات من وزارة الصحة والمختبرات الكلينيكية تثبت صحة أقواله، مضيفا «أنا لست طبيبا شعبيا ولا كاهنا. هذه عصارة البحث العلمي الحديث، والمختبرات الطبية بيننا وبين من يشكك في هذا».

جميع المشاركين في المعرض لديهم تقاليد عريقة أيضا في إنتاج الشاي الطبي وبيع الأعشاب الطبيعية، بجانب تربية النحل وإنتاج العسل ومشتقاته ومستحضراته. من هؤلاء سفر بيليتش الآتي من منطقة الهرسك في جنوب البوسنة، وهي المنطقة القريبة من البحر الأدرياتيكي، ومناخها متوسطي، ولهذا توجد فيها نوعيات كثيرة من النباتات الطبية الموجودة في تونس والجزائر والمغرب وموريتانيا أو شبيهة بها. ويروي سفر قائلا: «تعمل عائلتي في هذا المجال منذ 100 سنة تقريبا.. وهي راضية عن عملي، وعن المردود المادي الذي أجنيه من تجارتي، على الرغم من أن الطقس بنهاية يونيو (حزيران) لم يكن مساعدا كثيرا على زيادة الإقبال على الشراء، فالمطر كان يهطل يوميا تقريبا، والغيوم تغطي السماء في معظم الأيام، حتى إن بعضهم شبه سراييفو بغابات الأمازون».

أيضا، ذكر سفر أن «المبيعات في البوسنة فقط». ويشرح جاره توميسلاف ميليتش ذلك بالقول: «هناك من يريد أن يكون إنتاج البوسنة مكرسا للاستهلاك المحلي.. إذ ليس لدينا أي فائض للتصدير». غير أن ماتي موسيتش، وهو أيضا من الهرسك، يخالفه الرأي قائلا: «لا.. نحن نريد أن نصدر إنتاجنا للخارج، ولكننا نحتاج للترويج، نحتاج للإعلان في وسائل الإعلام، إننا ننتظر من حكومتنا الترويج لبضاعتنا في الخارج». ماتي موسيتش لديه صيدليات مرخصة لبيع مستحضرات العسل، منها كريمات للجلد، ومواد لمعالجة الأمراض المزمنة وتنظيف الآذان، ومعالجة الآلام التي تطرأ على الأنف والأذن والحنجرة، وقال لـ«الشرق الأوسط»: إنه «يملك نحو 100 صندوق لتربية النحل، وهذه كمية تكفيه، وتكفي مصاريف أسرته».

أما أدمير خليلوفيتش، وهو الآخر من التجار المشاركين في المعرض، فلديه - كما قال - عسل: «ينوب عن الأعشاب في مقاومة الأمراض والشفاء منها، من تليف الكبد وحتى تنشيط الدورة الدموية، مرورا بالالتهابات المزمنة». وهو في الأصل مهندس، لكنه أحد أولئك الذين يمارسون مهنا حرة، لكنهم وجدوا أنفسهم في معمعة الشاي الطبي والأعشاب الطبيعية وإنتاج العسل، بحكم الوراثة. وتقول سعاد، زوجة أدمير: «إن التقاليد هي التي دعتنا لمزاولة هذا العمل.. فزوجي مهندس وأنا معلمة، ولكن تقاليد أسرة زوجتي فرضت علينا الحفاظ على هذا العمل، ونحن سعداء بذلك، فأوقات فراغنا نمضيها في هذا الموروث من التقاليد الأسرية».