«شهر المونديال».. موسم للمقاهي في سورية

فيه يتحول الجميع إلى خبراء ومحللين رياضيين

مشهد خارج مقهى دمشقي في شهر المونديال («الشرق الأوسط»)
TT

لمى امرأة سورية شابة مقيمة في دبي بدولة الإمارات العربية المتحدة، جاءت إلى دمشق في زيارة لمدة يومين لحضور مناسبة اجتماعية، ولكن قبل أن تحصل لمى على قسط من الراحة بعد عناء السفر، بادرت إلى الاتصال ببعض مقاهي وكافيتريات حارتها الدمشقية لتحجز مكانا لها لحضور مباراة منتخبي الأرجنتين وألمانيا في نهائيات بطولة كأس العالم لكرة القدم، أو «مونديال جنوب أفريقيا 2010».

غير أن النبأ غير السار الذي صدم لمى أنها لم تجد لها مكانا فارغا في أي من المقاهي أو الكافيتريات لأن كل الأمكنة محجوزة منذ بداية المونديال تقريبا لزبائن هذه المقاهي اليوميين. وبالتالي، اضطرت لمشاهدة المباراة في منزل أسرتها.. رغم أنها - كما تقول - تفضل مشاهدتها في المقهى «حيث الجو حماسي واجتماعي جميل وهو فرصة لا تتكرر إلا مرة كل أربع سنوات»! وحقا، تعج المقاهي والكافيتريات السورية في شهر تنظيم المونديال بالرواد، حتى إن صاحب كافيتريا «الدومينو» في منطقة باب توما الدمشقية اضطر - وهذا يسعده بالطبع - لوضع طاولات وكراسي لأجل زبائن المقهى في فترات المباريات على قطعة الأرض الفارغة المجاورة له، وعلق في واجهات مقهاه الأربع شاشات تلفزيونية كبيرة. وعلى الرغم من امتلاء الكراسي فإن كثيرين من عشاق كرة القدم الدمشقيين، رجالا ونساء، كانوا يقفون بالعشرات بجانب المقهى لمتابعة المباريات، ولا سيما، الحاسمة منها.

وهذا المشهد تكرر خلال شهر المونديال أمام ناظري كل زائر للعاصمة السورية. إذ تجمع الناس وقوفا أمام بعض الدكاكين في أسواق الصالحية والقصاع والحمراء وغيرها لمشاهدة المباريات من خارج المحل وعبر الزجاج، بينما كان صاحب المحل يتابعها مع أصدقائه.

شادي محمد، وهو بائع في وكالة لبيع الألبسة في سوق الشعلان الدمشقي وليس من هواة كرة القدم، قال لـ«الشرق الأوسط» بامتعاض واضح: «أثناء المباريات تتوقف حركة البيع عندنا تقريبا.. ولذا أعتبر شهر المونديال شهر الدخل المنخفض لأنني لا أحصل على علاوات إضافية بسبب انخفاض حركة بيع الألبسة من محلنا. ولكن، الحمد لله، أن هذا الشهر لا يمر إلا مرة كل أربع سنوات».

ولكن بعكس شادي، نجد العاملين في المقاهي والمطاعم الدمشقية سعداء جدا بهذا الشهر الموسمي الاستثنائي، ونرى كيف لا تهدأ حركتهم وهم يلبون طلبات الزبائن الكثر قبل بدء المباراة وأثناءها وحتى بعد انتهائها.. حين يفرح أنصار الفريق الرابح ويظلون في المقهى للاحتفال بانتصار فريقهم المفضل، بينما يخرج أنصار الفريق الخاسر حزينين.

وكانت أبرز مظاهر الحزن الجماهيري البادية في الشارع الدمشقي هي تلك التي واكبت خروج المنتخبين البرازيلي والأرجنتيني اللذين يتمتعان بشعبية واسعة ولديهما نسبة عالية من المناصرين في سورية. وفي المقابل، كانت واضحة فرحة أنصار منتخبات ألمانيا وإسبانيا وهولندا من المراهقين والشباب، إذ كانوا يجوبون الشوارع والأسواق محتفلين بفوز الفريقين وتأهلهما لنصف النهائي رافعين علمي البلدين وصور نجومهما. كان كثيرون قد علقوا أعلام دول المنتخبات المشاركة على السيارات والشرفات، وبطبيعة الحال، بادر بعضهم إلى إزالتها بعد خسارة الفريق الذي يشجع.

في أي حال، يرى كثير من السوريين، في دمشق والمدن الأخرى، أن «شهر المونديال» هو بحق شهر المقاهي العادية ومقاهي الإنترنت والكافيتريات. وفي «سرفيس» (حافلة صغيرة) للنقل الداخلي كانت متجهة نحو منطقة المهاجرين بدمشق جلس شابان بجانب السائق من محطة انطلاقها في منطقة البحصة، ويبدو أنهما كانا يتحدثان في موضوع خسارة منتخب الأرجنتين أمام ألمانيا، وقد واصلا حديثهما بعدما استقلا الحافلة، ليتدخل السائق ناهرا إياهما «لقد صرعتمونا بحديث المونديال وتحليلاته... الكل صار محللا رياضيا. ما رأيكما لو تتعاقدان مع التلفزيون لتحللا فيه سير المباريات؟!». وعندها، ضحك الشابان ورد أحدهما معلقا: وماذا يزعجك في الأمر؟ فالناس كلها تشاهد المباريات كما تشاهد وتتابع مسلسل «وادي الذئاب» التركي المدبلج وبطله «مراد»؟ وهنا أكد السائق كلامهما بغير قصد منه.. وبشكل تلقائي صار يشاركهما التحليل الرياضي، بل أعادهما لمباراة البرازيل وهولندا وكيف حزن كثيرا لخروج منتخب البرازيل! والواقع أنه مع قرب نهاية المونديال، ودخول المباريات المراحل الإقصائية الحاسمة تحولت جلسات السوريين في البيوت والمقاهي والمطاعم وغيرها إلى جلسات تحليل لأسباب خسارة هذا الفريق وانتصار ذلك الفريق. وبين المتابعين المتحمسين ديمه بياعة، الممثلة السورية الشابة، التي مثلها مثل كثيرين من الممثلين السوريين، تتابع المونديال وتتفاعل مع مبارياته ونتائجه.. وتعلق على المباريات مع صديقاتها.

وتقول ديمة: رغم انشغالي بأعمال تصوير الجزء الثاني من مسلسل «صبايا» فإنني أتابع مباريات المونديال. ومع أن فريقي المفضل خرج خاسرا فهو كان يستحق الخسارة - تقولها ديمة بكلام المحللة العارفة بفنيات كرة القدم - وكنت أتوقع خروجه المبكر من المونديال الحالي لأنه لم يكن بمستوى لعبه المعروف في السابق. وقبل أن نسألها أخبرتنا ديمة أنها من مشجعي المنتخب الإيطالي؟!..