ثورة «الإتيكيت» من فرنسا إلى السعودية

مع افتتاح أول معهد لها بالمملكة

أميرة الصايغ.. أول سعودية تتخصص في تعلم وتعليم فن الإتيكيت
TT

كيف تصافح؟ أين تجلس؟ متى تتكلم؟ ماذا تقول في موقف معيّن؟

تفاصيل كثيرة قد لا يكترث بها البعض، لكنها علم مستقل يُعرف بـ«فن الإتيكيت»، الذي يعود تاريخه إلى الفرنسيين، ذلك أن الملك لويس السادس عشر هو أول من ينسب إليه صوغ قواعد تحدد السلوك الجيد والملابس الملائمة وفرضها على زوار قصر فرساي. وقد أطلق على هذه الممارسات لفظ «إتيكيت»، التي تعني بالفرنسية «التذكرة الصغيرة»، وهذه التذكرة كانت تمنح للفرنسيين في الاحتفالات، ويكتب عليها تعليمات خاصة بنظام الحفل.

واليوم، بعد مرور أكثر من 250 سنة على قصة هذا الابتكار الذي قدمته فرنسا للعالم، وفي ظل التواصل مع العالم، بدأ في المملكة العربية السعودية «فن الإتيكيت» ينتشر، بل ويشهد ثورة كبيرة لدى مختلف الفئات، إذ يقبل السعوديون اليوم على حضور دورات تعلّم أصول السلوك والتواصل الراقي مع الآخرين، الأمر الذي دفع أخيرا لفتح أول معهد متخصص لتعليم «فن الإتيكيت» والبروتوكول على مستوى السعودية، سيدشن خلال أيام.

أماني الحصان، مديرة «معهد الحصان لفن البروتوكول والإتيكيت» في مدينة الدمام، بالمنطقة الشرقية من السعودية، تفسّر سر الإقدام على هذه الخطوة بقولها إن «الإتيكيت هو نمط الحياة». وتوضح أن «تعلم هذا الفن من شأنه أن يجعل الفرد قادرا على تقبل الثقافات المختلفة»، مضيفة أن معهدها يقدم خمسة برامج، تشمل: السلوك العام، وفن تحضير الموائد، وآداب الموائد، والبروتوكول في إعداد الدعوات، وحفلات الشاي. وعن النظرة الاجتماعية تقول الحصان: «الناس تتصوّر أن البروتوكول والإتيكيت ثقافة مستوردة من الغرب، لكن من خلال دراستي وجدت أن كل ما فيها موجود في ديننا الإسلامي». وأضافت أنه جرى اعتماد ذلك في إعداد البرامج التدريبية، بالتعاون مع شركة عالمية بمدينة دبي لفن البروتوكول والإتيكيت. أما عن مستوى الإقبال على الفكرة، فإنها تقول: «إلى الآن لا نعلم، فالتجربة ما زالت في بدايتها».

هذا، وبينما يرى البعض أن تعلم أصول الإتيكيت والبروتوكول نوع من الترف، لكونها ممارسات تهم الأرستقراطيين والأثرياء أو شريحة معينة من نخبة المجتمع لا غير، توضح الحصان أن معهدها ليس موجها إلى الفئة الراقية، مشددة على القول إن رسوم الدورات ليست غالية، بل متوافرة بنحو 1600 ريال (425 دولار) فقط، مضيفة: «هذا نمط حياة، الكل بإمكانه المشاركة فيه ومن مختلف المستويات».

من ناحية أخرى، ينبغي هنا التفريق بين لفظ «إتيكيت» الذي يقابله في اللغة العربية قول «السلوك الراقي»، وبين مصطلح «البروتوكول» الذي تقابله في العربية ألفاظ مثل المراسم والتشريفات، وهو مصطلح يوناني الأصل مأخوذ من «protocollon»، نسبة إلى اسم لشجرة كُتب على أوراقها كيفية تطبيق بنود إحدى الاتفاقيات في يوم ما، ومن ثم درجت العادة على إطلاق هذه الكلمة على كل ما يتعلق بكيفية التصرّف وكيفية تنظيم الأحداث وأصول عقد الاتفاقات... ونحو ذلك.

ولتفاصيل أكثر، التقت «الشرق الأوسط» خبيرة الإتيكيت السعودية أميرة الصايغ، التي تقول: «إن الأطفال في المرحلة العمرية الصغيرة يكتسبون السلوكيات الحسنة بشكل سريع. وإذا اكتسبوها مارسوها بتلقائية شديدة». وعن الحاجة إلى هذا العلم، تضيف: «نحن نشهد الآن انفتاحا على ثقافات شعوب أخرى وتطورا تكنولوجيا وسفرا للخارج، وفي السعودية يأتي إلينا أناس من مختلف دول العالم لأداء العمرة والحج، وعليه يفترض بنا أن نكون واعين بالسلوكيات الصحيحة التي ينبغي ممارستها مع الآخرين».

ومن واقع تأليفها سلسلة من الكتب المتخصصة في فن الإتيكيت، تقول الصايغ: «عندما بدأت بكتاب (أطفالنا والإتيكيت) وجدت أنه لا يوجد كتاب عربي متخصص في إتيكيت الأطفال، وحاولت ربط كتابي مع عاداتنا وقيمنا وأخلاقياتنا الإسلامية. ومع الإقبال الشديد أتأهب الآن لإطلاق الطبعة الرابعة منه»، مشيرة إلى أنها بعد الكتابة للطفل والفتيات والشباب تنوي كتابة مؤلفات تخص الأزواج والزوجات والأمهات والآباء.

وردا على سؤالها عن أبرز السلوكيات الخاطئة التي ترى انتشارها بين السعوديين، تقول الصايغ: «استخدام كلمات التهذيب السحرية أثناء التواصل مع الآخرين في الحديث يكاد يكون منعدما عندنا بشكل كبير جدا، والقصد هنا الكلمات الخاصة بالشكر والتحية والاستئذان والطلب والاعتذار، مثل قول: من فضلك، لو سمحت، تفضّل، حضرتك، عذرا».

ثم تضيف: «وعلى مستوى أكبر، نحن نفتقد احترام النظام وتطبيقه في معظم الأماكن، فعندما أقدم للصغار تعليمات حول احترام النظام واحترام النظافة، أفاجأ بردود فعل الأطفال وهم يقولون: بابا لا يفعل كذا، وماما تفعل كذا.. للأسف حتى القدوة الصحيحة مفتقدة لدينا». ويبدو غرس السلوكيات لدى الأطفال أمرا ممكنا، لكن ماذا عن الكبار؟ هل بالإمكان تقويم سلوكهم أم أنه لا يصلح العطار ما أفسد الدهر؟ هنا تقول الصايغ: «من تجربة وخبرة 9 سنوات في تدريب الإتيكيت أرى أن ذلك ممكن.. المجتمع السعودي لديه تعطش كبير لمعرفة أصول الإتيكيت والتعامل مع الآخرين بناء عليها».

وتمنت خبيرة الإتيكيت أن يحظى هذا العلم باهتمام وزارة التربية والتعلم السعودية عن طريق إدراجه كمنهج تعليمي لمختلف المراحل الدراسية، مشيرة إلى «أن تدريس فن الإتيكيت ضمن المناهج الدراسية من شأنه الإسهام في بناء سلوكيات حسنة داخل المجتمع، وتعلم الصفات التي تساعد في توجيه تصرفات الشباب والفتيات والأطفال نحو الأفضل». وتضيف بقولها: «الفكرة السائدة عن الإتيكيت أنه علم معقّد وصعب وله قوانين وأنظمة صارمة، لكننا نحاول تبسيط كل هذه الأمور، لأننا نتحدث عن أمور حيوية. صحيح أنني أتناول فن المشي وفن الجلوس، لكنني أركز أساسا على الحديث والتواصل بالعين واستخدام كلمات التهذيب والاحترام والتقدير، ومن ثم الدخول بالمظهر العام وتأثيره على الآخرين».