تونس: حرفي واحد يناضل من أجل «إنقاذ» الفراشية الأندلسية

غطاء ولباس لكل الفصول

العم محمد يعالج في محله الصغير مكونات الفراشية الأندلسية («الشرق الأوسط»)
TT

إذا دخلت في يوم من الأيام إلى مدينة قلعة الأندلس التونسية زائرا، ستدرك على الفور ما يميزها عن باقي المدن التونسية. فالقائمة تشتمل على الملوخية بالإوز و«الفراشية القلعية» التي لا يخلو منها أي بيت.

ولئن كانت الملوخية بالإوز من العادات الغذائية المميزة للمدينة ذات الأصول الأندلسية وكل العائلات هناك تطبخها ببراعة، فإن الفراشية هي الغطاء الموحد والمميز للباس المرأة في قلعة الأندلس الواقعة على بعد 30 كلم من العاصمة التونسية تونس. ولكن، في المقابل، هناك حرفي واحد فقط يتقن صناعة الفراشية. إنه صانع متمكن وصبور يصارع الزمن ويواصل الحرفة منذ عشرات السنين من أجل المحافظة على ذاك اللباس المميز، أما اسمه فـ«العم» محمد بن حميدة، وهو شيخ في السبعين من العمر، آمن بهذه الصنعة فبقي الصانع الوحيد الذي يتقنها في المدينة.

«العم» محمد يقول إن هذه الصنعة «هي الميزة التي عرفت بها المدينة، وأنا لا أستطيع أن أتقن عملا آخر غيرها، ولذلك نحن التقينا منذ زمن ومن الصعب أن يفارق أحدنا الآخر..»، ثم يتنهد ويستطرد قائلا: «إنها عشرة طويلة تربط بيننا».

ويشرح «العم» محمد عن هذه الصناعة، فيقول إن «مراحلها تبدأ من إحضار الصوف الطبيعي بطريقة متقنة جدا تراعي ما سنصنعه بالصوف لاحقا.. ثم ننطلق نحو النول الذي يجب أن تخصص له غرفة فسيحة. وبعد ذلك تأتي مرحلة تثبيت الصوف، ثم يأتي الغزل كمرحلة أخيرة. ومن ثم نكون قد وصلنا بعد جهد يستغرق أياما متتالية إلى الفراشية التي تستعمل إما كغطاء يقي من برد الشتاء، أو كذلك كلباس يومي يدفئ المرأة من ناحية.. ويحفظها من الأعين من ناحية أخرى».

ويتابع «العم» محمد شرحه بأن «الفراشية تختلف بين الشتاء والصيف، ولكل موسم الفراشية المواتية له.. وهي مهيأة للتكيف مع المعطيات المناخية. ثم، لأن تركيبتها طبيعية، فبالإمكان لبسها خلال فترة الحر لكونها تقي الجسد من وهج الحرارة الصيفية، وهي تقوم تماما بدور مكيف الهواء.. فتمتص الحرارة وتزود الجسد ببرودة طبيعية مصدرها الأساسي الصوف الطبيعي». أما عن استعمالات الفراشية، فيؤكد أنها «نسائية في الأساس، وهي تغطي كامل جسد المرأة فلا يبقى ظاهرا منها غير العينين. ولأن استعمالها مزدوج بين الغطاء واللباس، فإن أهالي قلعة الأندلس يرددون ذاك المثل الشعبي المعروف: «فراشية فراش.. منها حلاس (غطاء) ومنها غطاء رأس».. كدلالة على استعمالاتها المتعددة.

وعن مصير هذه الصنعة اليدوية، التي تدرج في التراث المحلي، يذكر «العم» محمد أن زوجة ابنه «تمرنت معه بما فيه الكفاية.. وبات بإمكانها أن تواصل صناعة الفراشية إذا ما رغبت في ذلك». ويضيف: «من المنتظر أن تتطور هذه الصناعة لاحقا وذلك بالنظر للطلب المحلي الكبير عليها خاصة من قبل المقبلين على التزويق الداخلي للمنازل. كذلك بإمكان هذه الصنعة أن تواكب العصر وتتلاءم مع الأذواق. وقد تم إدراج بعض الألوان الزاهية، مثل الوردي والأزرق، في صناعتها خلال الفترة الأخيرة بعدما ظلت لعقود محافظة على ألوانها الطبيعية الأصلية وهي الأبيض والأسود والرمادي».

هذا، ويسعى «العم» محمد، في إطار تطويرات الفراشية، لتخفيف وزنها البالغ في غالب الأحيان - حسب طبيعة الصوف المستعمل – إلى ما بين 5 و8 كيلوغرامات. أما سعر الفراشية فهو في حدود 140 دينارا تونسيا (نحو 120 دولارا أميركيا)، وهو سعر في المتناول وبالتالي يراعي القدرة الشرائية للمشتري ويوفر هامش ربح معقولا للصانع.

وحقا، لا يمكن أن تعبر اليوم مدينة قلعة الأندلس من دون أن ترى المرأة القلعية تجوب المنطقة وتؤدي كل الأعمال التي تضطرها إلى الخروج إلى الشارع، خاصة المهن الفلاحية، وهي مرتدية الفراشية الأندلسية.. فهي، إلى جانب الذهب، مكون أساسي من مكونات جهاز العروس هناك.