27 امرأة سورية يعملن في معامل الترميم الأثرية الحديثة

افتتحت في بداية يوليو الحالي

خبيرات ترميم سوريات في المعامل الترميمية الحديثة («الشرق الأوسط»)
TT

يعد العمل الترميمي في مجال الآثار واللقى الأثرية التي تُكتشف سنويا في مئات المواقع الأثرية التاريخية السورية من أصعب وأهم الأعمال التي تمر بها هذه اللقى قبل عرضها في نوافذ العرض الزجاجية بالمتاحف. وينفذ أعمال الترميم حاليا فريق سوري متخصص، يستخدم تجهيزات فنية متطورة أمكن الحصول عليها بفضل منحة إيطالية، في حين تولت مديرية الآثار السورية أمر المختبرات من الناحية الإنشائية المعمارية.

الدكتور عمار حيدر، مدير معامل (أو مختبرات) الترميم الأثرية في دمشق تحدث لـ«الشرق الأوسط» شارحا «أن تجهيزات المعامل التي بوشر بالعمل بها في أوائل شهر يوليو (تموز) الحالي، بعد دورات تدريبية واطلاعية مكثفة للعاملين في الترميم، هي - كما أعتقد - الأحدث والأرقى على مستوى دول الشرق الأوسط. وهي تضم أجهزة التحليل المخبرية والإشعاعية، والأخيرة تعتبر من الأحدث والأكثر تطورا في مجال الترميم، وتتوافر لأول مرة في سورية». وتابع «تتضمن هذه الأجهزة الراديوغرافي وجهاز تحليل المواد المعدنية وتحليل المواد العضوية وبعض المواد اللاعضوية.. وهذه تفيدنا كثيرا في مجال التحليل الأثري لمكونات القطعة قبل المباشرة بالترميم، وبناء على نتائج التحليل وبفضل الأجهزة الإشعاعية يتاح لنا التعرف على المواد المكونة لها.. ومن ثم نباشر بترميمها وفق الأساليب الحديثة. ثم هناك قسم المجاهر (الميكروسكوبات)، إذ استوردت مجاهر حديثة للشوارد المعدنية والبيولوجية العضوية، وثمة أجهزة الشرائح والصفائح لدراستها تحت المجهر، ويمكن القول إن المرحلة المقبلة ستشهد قفزة نوعية مهمة بالنسبة لترميم اللقى الأثرية السورية.. في ظل زيادة الإمكانيات وتحسن الخبرات والمهارات والقدرات. فقد بات الآن بالإمكان إجراء التحاليل المتقدمة والقراءات العلمية الدقيقة والاعتماد على الأسس العلمية الراسخة والأبحاث قبل ترميم أي قطعة أثرية، مما يكفل إعادتها إلى ما كانت عليها في الموقع المكتشفة فيه».

ومن جهة ثانية، قال الدكتور غياث كلسلي، معاون مدير الترميم في مديرية الآثار السورية، موضحا «في إطار التعاون بمجال المشروع السوري الإيطالي لتأهيل قلعة دمشق، تم تأهيل العاملين على الطرق والوسائل الحديثة في مجال الترميم، أقيمت دورة تدريبية على ترميم الفسيفساء ودورة أخرى طويلة لمدة 11 شهرا على جميع المواد القديمة كالمعادن والزجاج والفخار واللقى المسمارية والرسوم الجدارية ستختتم يوم 18 يوليو الجاري بورشة عمل كبيرة، وستوزع بنهايتها الشهادات، وعندها سيبدأ المجازون الفنيون عمليات الترميم في المختبرات والمعامل. وفيما يتعلق بتجهيز المختبرات تولى الجانب الإيطالي تجهيز المخابر بالأدوات الحديثة، ولا سيما في مجالي التحليل والترميم، بتكلفة بلغت نحو مليون ومائتي ألف يورو، في حين اضطلع الجانب السوري بالجانب الإنشائي الهيكلي، أيضا بتكلفة عالية».

الجدير بالذكر أن عدد العاملين السوريين في معامل الترميم الحديثة يصل إلى 30 خبيرا مرمما، ومن المفارقات اللطيفة هنا أن معظم هؤلاء من النساء، بواقع 27 عاملة في المعامل الترميمية من أصل 30). أما السبب في طغيان الجنس اللطيف، كما تقول المرممات أن أعمال الترميم تحتاج إلى الصبر والبال الطويل، بجانب الجهد والدقة. والنساء أكثر صبرا من الرجال على مراحل الترميم الدقيقة للقطعة الأثرية الواحدة. وفي هذا السياق تقول ميادة السعدي، الخبيرة في معامل الترميم «أنا متخصصة بترميم الآثار المعدنية التي تعتبر من الآثار المنقولة غير الثابتة، ومنها النقود والمسكوكات والأسلحة والأواني والأدوات. ونحن نعمل من خلال ترميمها على إطالة عمرها والمحافظة على وضعها بشكل جيد، وخاصة أن القطع عندما تأتينا من الحفريات تكون مكسوة بالأتربة والطين والغبار، ولذا نعكف بداية على توثيقها وتصويرها، ومن ثم، نختار طريقة الترميم المناسبة لها. فهناك الطريقة اليدوية عن طريق مشرط وأدوات ناعمة لإزالة الطبقات السطحية، والطريقة الميكانيكية - الكهربائية التي تعالج طبقة الأكسدة المضرة بالقطعة الأثرية، وطريقة التنظيف الكيماوي بواسطة مواد كيماوية حمضية لإزالة الأكاسيد. أما إذا كان هناك كسر في القطعة فإننا نجبره، ولذلك ترى أن عملنا يتضمن الترميم والتنظيف والصيانة مع استخدام مواد حافظة عازلة كي لا تتأثر القطعة بالرطوبة أو العوامل الجوية.. وبالتالي يصبح بالإمكان عرضها لاحقا في المتاحف».

وتشرح الخبيرة عبير قرضاب، في حديثها لـ«الشرق الأوسط»، قائلة «أنا أيضا أعمل في مجال ترميم القطع المعدنية، وهذا العمل صعب ونتعرض فيه لأخطار المهنة، ولذا نتخذ كل الاحتياطات الممكنة في هذا المجال، مع الحرص على المحافظة على القطع. ثمة جهد عضلي وفني كبير نبذله، ولا بد من تمتع المرمم بالمرونة، وخلفية الإلمام التاريخي لمعرفة تاريخ القطعة واستعمالاتها وطرق تشكيلها حتى يستطيع إعادتها إلى ما كانت عليه. وبالتالي، فالمطلوب من المرمم طول البال والصبر.. فقد يستغرق ترميم قطعة صغيرة عدة أيام، وباستخدام المجهر والعدسات المكبرة، ولهذا تلاحظ غالبية المرممين هن من النساء».

أما قاسم يحيى، أحد الرجال القلائل العاملين في المخابر العلمية الجديدة بمعامل الترميم، فيقول «يتضمن عملنا ضرورة التعرف على المادة الأساسية المكونة للقطعة الأثرية، وهل عليها تداخلات تاريخية سابقة، ومحاولة إيجاد حلول مناسبة للقطعة الأثرية من أجل إعادة ترميمها بحيث لا يؤثر الترميم على قيمتها التاريخية، أو تقديم النصح للمرمم لاختيار المواد المناسبة في أعماله الترميمية».