العم أبو حسن.. لا تكتمل زيارة دمشق من دون تذوق عصير فواكهه

ورث وصفة عمرها 100 سنة من معلمه القديم

أبو حسن.. ودكانه المتخصص في تقديم العصائر الطبيعية («الشرق الأوسط»)
TT

ما رأيك عزيزي القارئ أن تشرب الماء بالملعقة؟! قد تظن أن هذا ضرب من الجنون أو «الفانتازيا» أو حتى نكتة حمصية! ثم، ما رأيك في تناول كعكة لذيذة مغطاة بالسمسم مع العصير؟!.. قد تقول أيضا إنها مزحة فالكعك يؤكل إلى جانب كأس الحليب أو الشاي.

صحيح، ولكن هذا بالفعل ما يحصل عند أقدم بائع للعصير الطبيعي في العاصمة السورية دمشق.

إنه «العم أبو حسن»، الذي يمارس مهنته في دكانه الصغير الذي لا تتجاوز مساحته الـ10 أمتار. وهو على الرغم من تواضعه في زقاق يتفرع من سوق باب توما الدمشقي الشهير، فإنه يجتذب الزبائن منذ أكثر من نصف القرن. بل، وحتى قبله بنصف القرن أيضا من خلال دكان سابق في ساحة باب توما أزيل قبل 60 سنة بعد توسيع الساحة.

دكان «العم أبو حسن» يجتذب يوميا المئات من الزبائن بأسلوبه الفريد والنادر في تقديم المشروبات الطبيعية حتى إنه بات معروفا لدى زوار دمشق وسياحها من بلدان الخليج والأوروبيين. وصارت زيارة دكان أبو حسن وشرب العصير فيه من ثوابت أجندتهم. ثم إن وجود كراسي «أبو حسن» وطاولاته على الرصيف المجاور للدكان.. وحتى على أسفلت الشارع أعطى لتناول العصير في هذا المكان ميزة إضافية.

ولكن، بالطبع، هناك الميزات الأساسية الجاذبة التي شرحها «العم أبو حسن»، واسمه الكامل بدر الدين النبهان (76 سنة) لـ«الشرق الأوسط» قائلا: «.. لقد تخصصنا منذ البداية بتحضير العصائر الطبيعية مع خشاف المشمش (القمر الدين) الذي يعشق الدمشقيون تناوله، خصوصا في شهر رمضان المبارك. ومنذ افتتاح الدكان كان قرارنا أن يظل مفتوحا يقدم العصير لزبائنه طيلة اليوم.. إذ إننا نغلق أبوابنا فقط لساعتين ما بين الرابعة فجرا والسادسة صباحا فقط. وهذا أمر أعطى المحل ميزة أخرى».

وتابع «كان معلمي أبو حسن الصوص، وهو الذي تعلمت منه فن العصير وتحضيره بهذه الطريقة الفريدة، وذلك في دكان كان يستثمره في منطقة باب توما قبل أن أفتح دكاني هذا بأربعين سنة. أي أن العمل بالعصير، وبهذه الطريقة المميزة وغير الموجودة في أي بلد في العالم إلا عندي هنا، انطلق منذ 100 سنة. وبعد وفاة معلمي أبو حسن الصوص ورثت المهنة عنه، وكنت قد عملت معه لثماني سنوات، وانتقلت إلى الدكان الجديد الحالي منذ 55 سنة بعد تشييد الأبنية الجديدة في هذا الزقاق المتفرع من شارع باب توما الرئيسي. ولقد لقبت كما كان يلقب بـ(أبو حسن) أيضا.. وطورت العمل وعلمت أولادي أيضا طريقة العمل في المحل، حيث يعمل اثنان منهم فيه مع عدد من العمال.. بعدما قررت أن أستريح وأكتفي فقط بالإشراف على عملهم وأوجههم عند الضرورة».

وأكد «أبو حسن» أن سر الطعم اللذيذ لعصائره، الذي يختلف عما يقدمه غيره أنه يقدم العصائر «طبيعية مائة في المائة.. ثم إننا هنا نحضر العصير مع الثلج بشكل واضح أمام الزبون وعلى المكشوف ليتأكد من أنه طبيعي بشكل كامل في حين أن محلات كثيرة لا يمكن للزبون مشاهدة العامل فيها عندما يحضر العصير إذ يكون هناك حاجز مرتفع ما بين محضر العصير والزبون الواقف أمامه، ولذلك لدي زبائن من كل دول العالم، وهناك من يوصي أصدقاءه الآتين إلى دمشق بزيارة دكان (أبو حسن) لتناول العصير، ومنهم من يقول إنه إذا لم يزر دكاننا ويشرب العصير فيه فكأنه لم يزر دمشق ولم تكتمل سياحته فيها!».

وعن فرادة التقديم المتميز، قال «أبو حسن» بلا تردد «نحن نختلف عن غيرنا في طريقة تقديم العصير.. إذ إننا لا نقدم العصير في كؤوس بل في صحون (جنق أو زبدية) من البلور ونضيف له بضع حبات من اللوز الأبيض المقشر، وبالتالي يشرب الزبون العصير بالملعقة، كما أننا نقدم الكعكة معه.. وفي الماضي كانت الكعكة ذات شكل مستدير، لكننا حاليا نقدمها رفيعة طويلة. وهذه الكعكة كان الزبون في السابق يفتتها ويضعها في صحن العصير.. إلا أنه اليوم يتناولها كما هي، ويشرب العصير بعد كل قطعة يتناولها منها بواسطة الملعقة. وهذه الطريقة تزيد من تلذذ الزبون بطعم ومذاق العصير الطبيعي الذي يشربه عندنا. ثم من المزايا الخاصة التي نتمتع بها في تقديم العصير والتي حافظنا عليها منذ فتح الدكان أننا نأتي بقوالب الثلج من المعامل و(نبرشها) أمام الزبون ونضعها في صحن العصير مبروشة (مبشورة) ناعمة.. فيشعر الزبون معها وكأنها قطع ثلج طبيعية موجودة في صحنه.. وهذا أيضا يزيد من طعم العصير ومذاقه الطبيعي اللذيذ».

وحول سر تركيز «أبو حسن» على تقديم العصير بالملعقة، أجاب بلهجة الخبير «جرب.. وكما يفعل كثيرون عندما يتناولون العصير بواسطة القشة (الشاليموه) البلاستيكية التي تستخدم لمرة واحدة، سترى أن العصير عندما تشربه بواسطتها ينزل مباشرة إلى المعدة دون أن تتلذذ بطعمه ونكهته ومذاقه، في حين عندما تتناوله بالملعقة، فإنه يبقى لثوانٍ في فمك وحلقك فتستلذ بطعمه.. وهذه ميزة للاستفادة لأقصى حد ممكن من طعم العصائر الطبيعية اللذيذة. والمعروف أن أي شخص إذا قدم له طعام لذيذ وابتلعه بسرعة سيقول إنه لم يستطعم مذاقه، في حين أنه عندما يملأ فمه منه ويبقيه لبعض الوقت في فمه سيشعر فعلا بلذة الطعام. لهذا، قررنا ومنذ افتتاح محلنا استخدام هذه الطريقة ليتلذذ الزبون الذي يدفع مالا لقاء تناوله العصير بألذ طعم مقابل ما يدفعه من المال ثمنا له وليستمر لفترة أطول ما يمكنه في تناوله للعصير، وأن يشربه وهو مرتاح جالسا على الكرسي وأمامه طاولة يضع عليها صحن العصير وعلى مهله ينتهي منه».

ثم أضاف «نحن نقدم خدماتنا في المحل صيفا وشتاء.. ولكن في فصل الشتاء نقلل من كمية الثلج المبروش (المبشور) الذي نضيفه للعصير، كما أننا نقدم الخشافات، وخاصة القمر الدين الذي نحضره بشكل مستقل عن العصائر.. وهو يحضر من خلال نقع المشمش المجفف اليابس بماء ساخن ونغليه مع السكر (القطر).. ونضيف بعد ذلك شرائح القمر الدين للمشمش المنقوع فيتحول إلى خشاف، وهذا المنتج عادة ما يزداد عليه الطلب في شهر رمضان. أما الجلاب فيحضر من دبس الزبيب.. إذ يؤتى بالزبيب (العنب المجفف) ويعصر حتى يتحول إلى دبس ومن ثم نمزجه مع الماء بمعدل تنكة دبس مع تنكتي ماء ونضيف إليه ماء الورد لزيادة مذاقه اللذيذ وإعطائه رائحة طيبة».

ولكي تبقى الثمار الطبيعية موجودة لدى «أبو حسن» على مدار السنة، فإنه يحرص على تخزينها بشكل فني بحيث لا تفسد. ويقول «أبو حسن» مطمئنا لما لديه من مخزون لزوم عصائره «تعال، شاهد ما خزنت.. فلدي حاليا - على سبيل المثال - 20 طنا من ثمار الليمون قطعت بشكل دقيق ووضعت في أكياس وخزنت كل 3 أكياس في صندوق خشبي.. ووضعت هذه الصناديق في البراد لكي تبقى محافظة على نكهتها الطبيعية».