«التوك توك» يطيح بـ«الكارو».. ويغير أنماط الحياة في غزة

في ظل الحصار وبسببه

«التوك توك» في غزة («الشرق الأوسط»)
TT

يجلس سلامة (25 سنة)، مكفهر الوجه شارد الذهن على ظهر العربة التي يجرها حصانه، لا يأبه بالجلبة التي تتفاعل على مدار الساعة في الميدان الرئيسي بمخيم «المغازي» للاجئين وسط قطاع غزة الفلسطيني.

بالنسبة إلى سلامة حسم الأمر. فقد بات موقنا أن عليه أن يبحث عن مصدر رزق آخر، إذ لم يعد أحد يستعين بخدماته كصاحب عربة يجرها حصان في نقل الأحمال من هنا إلى هناك، بعدما دخل «التوك توك» - أو الدراجة النارية ذات العجلات الثلاث - إلى حلبة سوق النقل.

«التوك توك»، حل بشكل أساسي محل عربات «الكارو» التي تجرها الحمير والخيول، والتي لم يعد أحد يتحمس لخدماتها. ولقد أدى دخول «التوك توك» إلى القطاع إلى فتح آفاق جديدة للفلسطينيين الذين يعاني ما يزيد على 70 في المائة منهم من آفة البطالة بسبب الحصار المفروض على القطاع.

محمد الناصري، الذي عانى البطالة منذ عدة سنوات، وجد ضالته المنشودة في «التوك توك». فهذا الشاب الذي كان يعمل سباكا لم يجد بدا من الاستدانة وشراء «توك توك» لتطوير عمله في مجال بيع أدوات التنظيف. وهو يستخدمه في تنقله اليومي من سوق شعبية إلى أخرى لبيع ما لديه. وكان محمد قبل شرائه «التوك توك» يجر عربة صنعها بنفسه وينتقل بها في الأحياء القريبة من منزله، لكن «التوك توك» فتح أمامه الآن آفاقا رحبة. وهو يشير إلى أنه استدان مبلغ 1800 دينار أردني من أحد أقاربه لكي يشتري هذه المركبة العملية جدا، مشيرا إلى أنه تمكن بعد مضي 6 أشهر من عمله من سداد 600 دينار من مجمل ما عليه من دين.

هذا، وأدت الأوضاع الاقتصادية والعجز عن إدخال سيارات إلى القطاع المحاصر إلى رواج استخدام «التوك توك» بالنظر إلى أنها وسيلة زهيدة الثمن (تباع بما بين 1200 و1800 دينار)، بجانب كونها سريعة الحركة ولا تسهم كثيرا في تلويث البيئة، وخفيفة التكلفة وبسيطة الاستعمال، كما أنها تتمتع بالقدرة على قلب الحمولة بيسر وسهولة.

اقتناء «التوك توك» أيضا مكن ياسر شملخ (28 سنة)، الذي يعمل في مجال بيع الفواكه، من توسيع نطاق عمله هذا الموسم، إذ غدا يبيع التين في شوارع مدينة غزة بواسطة مركبته التي اشتراها قبل بضعة أشهر، وهذا، بعدما كانت تجارته تقتصر على نصبه بسطة صغيرة على الشارع الساحلي يبيع من خلالها ما يقطفه من أرضه. ويصف ياسر «التوك توك» بأنه «نعمة» هبطت عليه، خاصة أنه يغنيه عن استخدام الحمير وغيرها من الدواب في النقل.. ذلك أن حجمه أصغر وقدرته على الحمل والشد أكبر، بالإضافة إلى أن له «قلابا» خلفيا لتنزيل ما يحمل عليه.. تماما مثل الشاحنات الكبيرة.

من جانب آخر، يقول الميكانيكي أبو محمد أبو وطفة، الذي يعمل في تصليح «التوك توك» إن هذه «الآلة قوية ومتينة ولديها قدرات عالية في الحركة.. وهي تؤمن سهولة بالغة في العمل لأنها صغيرة الحجم ولها ثلاث عجلات مما يسمح لها بالاستدارة الكاملة بسلاسة والدخول في الشوارع الفرعية الصغيرة وتفريغ حمولتها داخل المحلات بكل سلاسة ويسر». ويشير إلى أن قدرة محركات «التوك توك» المستخدمة في غزة تتفاوت من طراز إلى آخر، فمنها ما قدرة محركه 6 أحصنة ومنها ما تصل قدرته إلى 10 أحصنة. وهو يؤكد أن هذا النوع من المركبات يستطيع حمل طن ونصف الطن من البضائع.. مما يعني أنه يوفر على التجار والعمال الوقت والجهد في نقل البضائع من المخازن إلى المعارض للبيع.

والواقع، أن عمل «التوك توك» لا يقتصر على البيع والتوزيع فحسب، بل أصبح الآن معتمدا عند كثيرين من التجار لنقل البضائع داخل السوق حيث يمنع على السيارات الدخول إليها في حين يسمح له بذلك لصغر حجمه. ويقول مازن الدلو (35 سنة) الذي يعمل عطارا في سوق الزاوية، في هذا الشأن: «.. منذ أن دخل (التوك توك) إلى غزة اشتريت واحدا وهو مفيد جدا في نقل البضائع، إذ يمكنه الدخول إلى السوق بسهولة ويسر.. ويسمح له بذلك مثل بقية عربات الكارو وعربات النقل الحيوانية». واعتبر الدلو إدخال هذه الآلة إلى قطاع غزة «نعمة كبيرة للتجار في السوق» بعدما كانت سياراتهم الخاصة لا تصل إلى أماكن النقل والتنزيل.

انتشار هذه الدراجات الثلاثية العجلات ازداد بعد الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، إذ يجري إدخالها عبر أنفاق جديدة مفتوحة على الحدود المصرية، وقد أمكن توسيعها لتستطيع إدخال سيارات كاملة. وذكر أحد الأشخاص الذين هم على علاقة بـ«تجارة الأنفاق» أن عددا ما دخل من مركبات «التوك توك» إلى قطاع غزة يزيد على 300 مركبة أدخلت كلها بعلم «الحكومة» (المقالة) وقد جرى فحصها قبل إدخالها إلى القطاع. وأكدت الفحوص الميكانيكية صلاحيتها وقدرتها على العمل. وتابع أن «الحكومة» في غزة سمحت لهذه المركبات الخفيفة بالعمل في القطاع بسبب تعذر إدخال سيارات جديدة ولحاجة السكان إلى وسائل نقل في ظل الحصار الإسرائيلي الخانق عليهم.