«قصر قارون» يجدد أسطورته على أطراف بحيرته بالفيوم

حائر بين حقائق التاريخ والجغرافيا

TT

مثلما أحاطت به الأساطير، في قديم الزمان، يعيد قصر «قارون» الواقع على الطرف الجنوبي للبحيرة المسماة باسمه، نسج أسطورته من جديد، فلا يزال القصر محتفظا بجميع تفاصيله، وشكله الخارجي، وطريقة بنائه على غرار الطريقة التي شيدت بها الأهرامات الفرعونية.. فكل يوم يتسع فضاء الحكايات والخرافات الشعبية، التي تروى عنه، بعضها أخذ من الحقائق التاريخية خيطا أو أكثر، ومع ذلك لا يزال السؤال حائرا على ألسنة علماء الآثار والتاريخ: هل هذا الصرح الأثري هو معبد «ديونسياس» أم «قصر قارون». ولا يوجد من حقائق الجغرافيا ما يشكل دليلا دامغا على ذلك، بيد أن البعض يسترشد بالقرآن الكريم، وقصة قارون الذي نزل عليه عقاب الله، عندما طلب منه سيدنا موسى مساعدة الفقراء، بدفع زكاة أمواله ولكن قارون تجبر وقال «إنما أوتيته على علم عندي» فخسفت به وبداره الأرض.

الخبير السياحي نبيل حنظل يقول: «ليست الحكايات هي البطل الأوحد في هذه المنطقة الأثرية من الفيوم، ولكن في كل مناطق الآثار بمصر، كالأهرامات والأقصر وأسوان، وأكبر مثال على ذلك (فرعون موسى) الذي ما زال يجتهد العلماء في معرفته لليوم، لكن الشيء الجدير بالذكر أن بحيرة قارون، التي يقع القصر فيها كان اسمها الأصلي بحيرة (قرون) وذلك لشكلها الجغرافي، فهي ذات عدة قرون بارزة، وتقع في وسطها (جزيرة القرن الذهبي)، لكن مع مرور العصور اقتبست اسمها من القصر الواقع على ضفافها».

يضيف حنظل: «من يشاهد القصر يجده فرعوني الشكل روماني الطراز، ويبلغ عرض المعبد 21 ياردة، وطوله 29.5 ياردة، ويضم مدخلين، أحدهما الواقع في الجهة الشرقية، أمامه سور طوله 14 ياردة، وإلى اليمين من خارج المعبد عمود ضخم من الحجر الغرانيتي، شبيه بالأعمدة الموجودة في معابد الأقصر وأسوان. أما المدخل الثاني شرق المعبد، فيوجد فيه معبدان صغيران في الحجم وبحالة جيدة، ومن يقف عند السور يلاحظ وجود آثار لمدينة ومجموعة من الجبانات الأثرية «المقابر». ويزين مدخل القصر قرص الشمس المنقوش ببراعة، بشكل يجعلك تشعر وكأنها تشرق من هنا، بالإضافة إلى كثير من الرسومات البارزة الأخرى، بحالة جيدة. والباب يؤدى بك إلى بهو القصر، حيث تجد مكان جلوس قارون أو «قدس الأقداس» كما هو الحال في أغلب المعابد الفرعونية، ويقال إنه مكان خسف قارون، وتستطيع أن ترى بوضوح حفرة عميقة في هذا المكان، غير معروف لها سبب علمي، وفي زاوية من البهو تقبع رحايا كبيرة، كانت تستخدم في طحن احتياجات القصر من الحبوب، وأخرى صغيرة للعامة، بالإضافة إلى مدق للفول، والقصر يحتوى على سلمين، واحد في الجهة اليمنى للصعود، والآخر في الجهة اليسرى للنزول، وفي الدور الثاني، نجد كثيرا من الغرف، أشهرها غرفة المؤن، التي صممت بطريقة تجعل تخزين اللحم والحبوب يدوم طويلا، وحتى اليوم لا تزال تتدلى من السقف آثار الحبال، التي كانت ترفع أوعية اللحم، حتى لا تفسد من الحرارة، ثم غرفة الخزائن، وفيها نجد 3 فتحات تصل إلى الدور الأول، يقال إنها خزائن قارون للذهب والفضة. وفي جوانب القصر نلمح فتحات أخرى منتشرة ترجعها الأساطير إلى أنها عبارة عن مسارب موصولة بنفق يؤدي إلى معبد قصر الصاغة، ولكن لليوم لم تكشف الحملات الأثرية صحة أو خطأ ما يتناقل.

وحول عمارة القصر يوضح الخبير السياحي «أنه بني بهندسة دقيقة، فالفتحة في الجدار لا تتعدى مساحتها نصف متر، وتضيء الغرفة بالكامل، والأخرى وضعت في مكان لجذب الهواء البارد صيفا وطرد الساخن، ونجد أن هذا النوع من الهندسة الفرعونية اقتبس منها كثير من المبدعين، كان أشهرهم المهندس حسن فتحي، الذي رفض العمارة الأوروبية، بدمج الفرعوني مع الحديث في ثوب واحد، وأخيرا نجد في الدور العلوي وهو أكثر الأدوار تضررا بالعوامل الجوية، وبه صالة مكشوفة يتوسطها جدار نقشت عليه صورة (الإله آمون خوتم)، الذي كان رأسه رأس خروف». ويشير الخبير السياحي إلى أن القصر كان يتمتع بنقاط حماية، تتمثل في عدد من «المزاريب» لتصريف مياه الأمطار، فلا تؤذى الدور العلوي بتجمعها، بالإضافة إلى تمثال لأسد من الحجر الغرانيت، وضع في أحد جوانب القصر، فعند هبوب رياح قوية تدخل في تجويفه وتخرج من فمه، فتصدر صوتا يفزع اللصوص والعامة، فلا يقتربون من أسوار القصر. وحول الموقع الفريد للقصر يضيف حنظل: «موقع القصر يمتاز بكونه في منطقة مرتفعة، فتستطيع منه مشاهدة البحيرة بجمالها الأخاذ وجبال القطراني، بالإضافة إلى سحر الخضرة، التي تمتاز بها الفيوم، وتحيط بالقصر من كل اتجاه، ومن أعلى القصر، نلمح بعض آثار البيوت، التي كانت موجودة وقتها، ويقر التاريخ في كل الأزمنة بأنه كان لا يسمح لأي فرد بالبناء بالقرب من قصور الحكام والسادة، وقرب البيت منهم يدل على رفعة وعظم شأن صاحبه، لذا نجد بيوت الفقراء واللصوص في أطراف القرية.

يلتقط طرف الحديث د عبد الرحمن العايدي، المشرف على الإدارة المركزية لآثار مصر الوسطى ويقول: «هذا المعبد واحد من سلسلة معابد موجودة في الفيوم، والأثر العلمي لم يؤكد أنه قصر قارون، ولكن آيات القرآن أكدت على وجود القصر، ولهذا السبب قد أدرج في قائمة الآثار باسم (قصر قارون) ولكن التاريخ الأثري أكد بناء هذه المدينة في القرن الثالث، ولكن لم تشتهر سوى في بداية العصر الروماني، وقد خضع كمرحلة أولى لترميمه، وهذا ليس كل شيء، فهو من الأماكن الأثرية المهمة، ولكن لا يعرفها الكثير، وهو اليوم يخضع لخطة كبيرة من إدارة تطوير المواقع الأثرية، بالإضافة إلى خطة لإلحاقه بمشروع الصوت والضوء وذلك لإضفاء لمسة سحرية عليه، والقصر يستعد يوميا لاستقبال زواره من المصريين والأجانب من الساعة 9 صباحا إلى 5 مساء، وإذا كان بصحبتك واحد من أبناء الفيوم، ممن يعملون بالإرشاد السياحي، فسوف يحكي لك عن القصر كثيرا من القصص المثيرة والطريفة».