محمد الجنزوري: الكلاسيكية تدوم والإضاءة سر الصورة الناجحة

ورث المهنة أبا عن جد وأصبح من أشهر مصوري الزفاف في مصر

TT

المصور الفوتوغرافي شخص نثق به، ونسلم له أمانة حفظ وتسجيل ذكرياتنا، لتظل معنا لسنوات طويلة، وخاصة المناسبات المفصلية في حياة الإنسان، كالتخرج والخطبة والزفاف. وصور حفلات الزفاف، أو الأعراس، تخصص فيها كثير من المصورين .. لعل من أبرزهم محمد الجنزوري، الذي يعد أشهر مصوري الزفاف في مصر.

داخل الاستوديو الخاص به عمل محمد الجنزوري على تطوير مهنته التي ورثها أبا عن جد، محاولا أن يرسم البسمة على وجه كل عروسين يطرقان بابه. وهو يقول عن مهنته: «صور الزفاف عالم واسع. فالصورة الرئيسية تستعيد للعروسين كلما شاهداها سنوات الشباب، لأنها تسجل أحد أهم أحداث حياتهما، وربما، أهمها على الإطلاق، لما تحمله من حالة رومانسية. ولهذا أطلق المصريون مسمى (صورة العمر) على صورة الزفاف». ويكشف الجنزوري، في لقاء معه لـ«الشرق الأوسط» عن بعض أسرار مهنته وطرق تصويره، فيقول: «عالم التصوير فن وعلم، لذا فالحصول على صورة جيدة بشكل عام، وصورة زفاف بشكل خاص، يحتاج إلى تضافر عدة عناصر، لا بد أن يدركها المصور جيدا، ويأخذها في اعتباره .. منها عوامل فنية خاصة بالكاميرات، ومنها ما يتعلق بالألوان، ومنها أشياء خاصة بالإضاءة .. لأن كل حالة إضاءة يكون لها استعداد في التصوير. فالضوء الأبيض غير الأصفر، والتصوير في ضوء النهار الطبيعي غير التصوير في الظلام. وبالتالي، يجب أن تكون مساحات الضوء مدروسة إذا أردنا الحصول على صورة جيدة، وهذا ما يميز مصورا عن آخر». «بعد انتهاء الزفاف لا يتبقى إلا الصور»، لذا يعمل الجنزوري على أن تحمل صورة الزفاف معاني كلاسيكية ورومانسية، مع نعومة في الأوضاع والإضاءة تمكنها من الصمود طويلا. ولهذا السبب يشدد على رفضه الأساليب الحديثة في صور الزفاف «لأنها تفقد العريس والعروس الحالة الحالمة الملائكية» كما يقول، ولكن إذا طلبها البعض يمكن عمل صورة على سبيل الكوميديا .. لكنها لا تدوم بالمقارنة مع الصور الكلاسيكية، وتكون معرضة لأن تفقد بريقها». ثم يضيف: «العروس يجب أن تظهر كالملاك بفستانها الأبيض في صور الزفاف. ومن المهم جدا أن تأتي إضاءة الصورة ناعمة وهادئة كضوء الشموع، وهذا لا يمنع أن يكون لكل عروسين حالة روحية معينة تنعكس بشكل واضح على الصور، فهناك عروسان يغلب عليهما الخجل، وآخران يتميزان بـ(خفة الدم). وبناء عليه، يتوجب على المصور الجيد إظهار هذه الروح في الصور».

مئات الصور تزين جدران استوديو الجنزوري، التقطتها عدساته عبر السنوات. وعندما تتجول بينها بعينيك تلاحظ تنوع زوايا تصويرها، إلى جانب الأوضاع المختلفة التي يتخذها العروسان بتوجيه من المصور، وهنا يقول: «ليس هناك ثوابت أو (أكليشيهات) في عالم التصوير، وبالذات مع صور الزفاف، لأن كل ثنائي يختلف عن الآخر في الشكل، وبالتالي في طريقة التصوير. فالفارق الكبير في الطول مثلا، قد لا تنفع معه أوضاع معينة، كذلك إذا كان أحد الطرفين ممتلئ الجسم أو نحيفا. وهنا على المصور ملاحظة هذه الفوارق ومعالجتها. ومن الناحية التقنية، هناك تقنيات كثيرة، اليوم يمكنها المساعدة في إخفاء العيوب والتعامل معها. ثم إن شكل فستان العروس ينبغي أن يؤخذ في الاعتبار .. فإذا كان له ذيل طويل مثلا، فلا بد أن يراعى هذا في التصوير».

من الأمور التي يفضلها المصور المخضرم في صورة الزفاف استخدام اللونين الأبيض، لما تتسم به هذه التوليفة من رونق وجمال، فالتصوير باللونين الأبيض والأسود فقط، يعطي إحساسا ودراماتيكية أكثر من الإحساس المتولد عن الصور الملونة، ويكون له بريقه الذي يدوم. وعلى المصور المحترف - في رأي الجنزوري - أن يعرف قيمة الأبيض والأسود ويجعل لهما مكانا في عمله .. فهو استلهام للماضي بأدوات عصرية، وعملا بمقولة «من ليس له ماض فليس له حاضر».

ولا يقتصر عمل الجنزوري على صور الزفاف، بل يمتد ليشمل تصوير حفل الزفاف ذاته، وهذا أمر لا يقل عنها أهمية. إذ يجب أن يكون المصور على دراية كاملة ببرنامج الحفل وفقراته وترتيبها، ومن ثم يستطيع «تصيد» كل لحظة .. ويعمل على تصوير العروسين والمدعوين وجميع الفقرات فيه. وحتى المواقف الطريفة يفضل تصويرها، لأنها ستكون ذكرى في ما بعد. ويتابع: «كل هذه الأمور تتطلب من مصور الحفل أن يكون شخصية لبقة وسلسة في التعامل .. ويتمتع بقوة الملاحظة، وبذوق ابتكاري. فعلى سبيل المثال، يمكن أن يقدم المصور للعروسين خدمة thank you card التي تعني أن يرسل العروسان بطاقة تحتوي على صورتهما خلال الزفاف إلى المدعوين الذين حضروا مع توجيه كلمات شكر لهم على حضورهم، وهذه ثقافة غير موجودة في مصر .. لكنها تكون لفتة رقيقة من العروسين وذكرى يحتفظ بها المدعوون».

من ناحية أخرى، للتكنولوجيا وبرامج الكمبيوتر دورهما في عالم التصوير اليوم. وحسب الجنزوري «هذا تطور له مزاياه وأيضا له عيوبه. فقد ساهمت هذه الأدوات في أن يصبح التصوير أسهل من ذي قبل، خاصة للأفراد العاديين، وذلك مع انتشار الكاميرات الرقمية (الديجيتال) وكاميرات الهاتف الجوال، كما بات متيسرا تعديل أو إضافة بعض الرتوش البسيطة على الصور، غير أن هناك من يسيئون استخدام التكنولوجيا، بجعل الصور تبدو مصطنعة .. إما بإضافة لمسات مفتعلة على الأشخاص أو بإضافة خلفيات غير منطقية وغير مناسبة. واليوم هناك اتجاه عالمي يسمىuntouched pic ، وهو ضد تدخل التكنولوجيا في الصور والعمل على إيجاد حلول من خلال الإضاءة والماكياج لأي عيب. قبل ظهور الكمبيوتر والتكنولوجيا العصرية كانت الصور تأتي من دون أي تدخل وبكاميرات بدائية جدا، ومع هذا كانت تظهر في النهاية كلوحات فنية حقيقية خاصة في صور البورتريه».

وعن كيفية اختيار العروسين للمصور قبل الزفاف، يوضح الجنزوري «حاليا، مع انتشار التكنولوجيا ووسائل الاتصال، بات لأغلب المصورين مواقعهم على شبكة الإنترنت، عبرها يعرضون أعمالهم بطريقة تيسر للمقبلين على الزواج التجول بينها واختيار ما يناسبهم، ولكن هذه الخطوة من المفضل أن يعقبها زيارة المصور والاطلاع على أعماله، فالمقابلة والحوار سيكشفان أشياء كثيرة، ويوضحان هل سيسهل الاتفاق بين الطرفين أم لا، لأن الراحة النفسية بين الجانبين من أهم عوامل نجاح صورة الزفاف».