في السعودية.. «أفيشات» المسلسلات تسبق هلال رمضان

نجوم التلفزيون يلاحقون المشاهدين بابتساماتهم وأسماء أعمالهم.. في كل مكان

أفيشات المسلسلات تنتشر في المجمعات التجارية والأماكن العامة في السعودية («الشرق الأوسط»)
TT

قبل أيام من انطلاقة «ماراثون» الدراما الرمضانية، غصّت الأماكن العامة في المملكة العربية السعودية بـ«أفيشات» المسلسلات، في صراع شرس يحاول اقتناص أكبر حصة من المشاهدين، وهذا بعدما كانت المسلسلات تكتفي بالإعلان عن نفسها في الصحف والمجلات. و«الأفيش» كلمة تعني ملصق الفيلم، أي اللوحة التي تستخدم للدعاية السينمائية وتحتوي على موجز لكل ما في الفيلم وأبطاله ومخرجه ومؤلفه. وتنتشر «الأفيشات» في الشوارع والأماكن العامة ووسائل النقل. وكانت هذه الموضة الخاصة بالمسلسلات قد انطلقت من مصر خلال العقد الأخير، ثم وصلت إلى السعودية، لتصبح أحد أقوى التوجهات الدعائية.

وحقا، اليوم تعد «أفيشات» الدراما تقليعة جديدة في السعودية، إذ فرضت نفسها بشكل لافت هذا العام، بعدما حضرت «بخجل» في العام الماضي. ومعها بات المتسوق السعودي يدخل إلى مجمّع تجاري فيرى أمامه ابتسامة الفنان السوري جمال سليمان في أحد «الأفيشات» المتدلية من الأسقف، وصار سائق السيارة يمشي بجوار لافتات الطرق (موبي) وهي تضيء بأحدث أعمال الفنان المصري خالد صالح، أو يتوقف لإشارة المرور فيشاهد إعلانا متحركا لمسلسل خليجي يجمع الفنانة سعاد عبد الله بالفنان محمد المنصور.

واللافت أن تخمة الإعلانات الدرامية حاصرت المشاهد السعودي باكرا، وانطلقت قبل فترة طويلة من دخول شهر رمضان، بخلاف الأعوام السابقة. وهذا أمر يرجعه الخبراء إلى رغبة القنوات الفضائية المعلنة في حجز نصيبها المبكر من كعكة إعلانات موسم رمضان، بواسطة التسويق لكمية كبيرة من الأعمال الدرامية.. وختمها بعبارات ترويجية للقناة الفضائية.

ويصف أحد الخبراء، وهو الدكتور حمزة بيت المال، أستاذ الإعلام بجامعة الملك سعود في الرياض، صراع «الأفيشات» من خلال رسائل «البروموشن» والملصقات (أو «البوسترات») الموضوعة في الأسواق بأنه «انعكاس لحمى المنافسة وقوتها بين القنوات الفضائية». ويرى أن شهر رمضان «أصبح موسما حيويا لعرض الأعمال الدرامية وتسويقها في العالم العربي كله»، مضيفا أن «صنّاع الدراما لا يلامون في ذلك، فنسب المشاهدة خلال رمضان عالية جدا، وهم يبحثون عن الفرص الزمانية والمكانية لتحقيق أرباح لاستثماراتهم».

ويتابع بيت المال معلقا على صخب الإعلانات الدرامية في السعودية، بالقول: «الجمهور السعودي يمثل كثافة سكانية وقوة اقتصادية، وبالتالي كثيرة هي القنوات الفضائية التي تسعى للوصول إلى هذا الجمهور عبر عرضها المسلسلات بتوقيت السعودية ونحو ذلك»، ويضيف: «في ظل الكم الهائل من القنوات الفضائية أصبحت درجة المنافسة بينها عالية، وكل قناة تسعى لاستقطاع حصة من هذا الجمهور الكبير في السعودية، الذي يملك قوة شرائية وإعلانية كبيرة».

تركيز «أفيشات» المسلسلات الرمضانية و«بوستراتها» يبدو أكثر وضوحا داخل المجمّعات التجارية، حيث تحاصر المارّة والمتسوقين صور الفنانين وأسماء أعمالهم وقنوات عرضها، وهو ما يرجعه البعض إلى كون هذه المجمّعات المتنفس الصيفي للسعوديين وأهم وجهة لهم داخل البلاد، الأمر الذي يجعلها مرتكز حملات الإعلانات. إذ يوضح محمد بلعبيد، مشرف «الشاطئ مول» التجاري في الدمام، لـ«الشرق الأوسط»، أن «حركة مرتادي المجمّعات التجارية خلال الإجازة الصيفية تزيد بنحو الضعف (50%) عنها من بقية فترات السنة، وأن المهرجانات والمسابقات والفعاليات التي تقيمها بعض المجمّعات تسهم في جذب أعداد كبيرة من الأسر السعودية، مما يدفع بدوره لزيادة المنافسة بين اللافتات الإعلانية داخل هذه المجمّعات. ومن ناحية ثانية، يضاعف من قيمة ذلك فترات العمل الطويلة، إذ يفيد بلعبيد أن «دوام المجمّعات التجارية يتغيّر أثناء الإجازة الصيفية، ويصل في المنطقة الشرقية إلى الواحدة والنصف صباحا، بعدما كانت أنوار المجمّعات تطفأ في الحادية عشرة والنصف قبل الإجازة. في حين تتواصل ساعات صخب المجمّعات التجارية لساعات الصباح الأولى في مدينة جدة».

وبالنظر إلى طبيعة «أفيشات» مسلسلات رمضان في السعودية، تتضح بساطة صنعها واكتفاء كل «بوستر» إعلاني بصورة البطل أو النجم الأبرز في العمل، مع إضافة بعض المؤثّرات المرئية والاعتماد على الألوان الساطعة، في حين يبدو لافتا طمس أعين الفنانات (النساء) أو معالجتها بالتظليل الخفيف، لكي يتلاءم «الأفيش» مع طبيعة المجتمع السعودي.

ولمعرفة رأي الجمهور السعودي في جرعة الإعلانات الدرامية المكثفة، التقت «الشرق الأوسط» عيّنة عشوائية. فقالت لمى الناصر (طالبة جامعية) إن «ملصقات وصور الفنانين كسرت جمود الأسواق.. ولقد تعودنا مع قرب رمضان أن نرى إعلانات الشوربة والتوت وشرائح السمبوسة، لكن هذه السنة إعلانات المسلسلات سحبت البساط بقوة». ويتفق فهد محمد مع هذا الرأي فيقول: «ذكرتني هذه الظاهرة بأفيشات السينما المنتشرة في شوارع القاهرة»، إلا أنه ينتقد تشابه «بوسترات» المسلسلات وتكدسها في أماكن معينة، بقوله: «أغلبها مضمونها واحد، صورة لبطل المسلسل واسم المسلسل مع عبارة (تابعونا).. نتمنى أن يكون هناك ابتكار وبحث عن شباب موهوب يصمم ويبدع بأفكار جديدة ولافتة».

تجدر الإشارة إلى أن هوس الترويج الدرامي لم يقتصر على صناعة «الأفيش» فقط، بل دخل موقع «فيس بوك» الشهير على خط المنافسة، في عمل المجموعات والصفحات الخاصة بكل مسلسل رمضاني، مرفقا بعبارة «رمضان 2010». ثم هناك أغاني «التترات» (أي العناوين الرئيسية) وترويجها من خلال المواقع الإلكترونية كنوع من الدعاية للمسلسل، الأمر الذي يجعل المشاهد في حيرة من أمره وسط حلبة الصراع الدرامي التي تشتد يوما بعد آخر.