تونس: الاحتفال بمرور 75 سنة على تأسيس فرقة الرشيدية

هدفها المحافظة على التراث الموسيقي المغاربي ــ الأندلسي

الفرقة الرشيدية في إحدى حفلاتها بالمسرح البلدي في العاصمة التونسية («الشرق الأوسط»)
TT

الاحتفال ببقاء فرقة موسيقية قرابة 75 سنة على قيد الحياة من دون أن تصاب بأي مرض من أمراض العصر، يعد في حد ذاته شيئا يقرب من الاستحالة، فكيف إذا علمنا أن هذه الفرقة تعتمد على الموسيقى التراثية لا غير، ولا تتوخى دخول عالم الموسيقى الجديدة؟

المعهد الرشيدي للموسيقى التونسية، أو المدرسة الرشيدية - أو اختصارا «الرشيدية» - هو معهد متخصص للموسيقى في تونس، أسس عام 1934، وكان هدفه الأساسي إنهاض وتطوير الموسيقى التونسية في مواجهة المد الثقافي الفرنسي آنذاك. وهذا العام احتفلت الفرقة الموسيقية التابعة للمعهد خلال الفترة الممتدة بين 9 و14 يوليو(تموز) الماضي بمرور 75 سنة على إحيائها أول حفل موسيقي في المسرح البلدي في العاصمة التونسية.

الاحتفالات تضمنت دعوات لمجموعة من الفرق التراثية الموسيقية من الجزائر وليبيا والمغرب، وشملت فقرات البرنامج سهرة فنية لمدينة تلمسان الجزائرية تحت قيادة فيصل بن قلفاط بمشاركة حمدة البناني من قسنطينة، وندوة علمية تحت عنوان «الرشيدية أحد معالم التراث الموسيقي المغاربي - الأندلسي»، وجلستين علميتين، الأولى عنوانها «التراث الموسيقي المغاربي - الأندلسي»، والثانية عنوانها «الرشيدية واقع وآفاق» بمشاركة باحثين من بلدان المغرب العربي.

ويفسر التوجه نحو البعد المغاربي في الاحتفالات بمرور 75 سنة على تأسيس الفرقة الرشيدية في تونس، بوجود مجموعة من الفرق الموسيقية المهتمة بالتراث الموسيقي الأندلسي نفسه، المعروف باسم «المألوف» في بلدان المغرب العربي، وكان عميد الموسيقيين التونسيين محمد التركي قد جمع ودون 13 نوبة مألوف في تونس، في حين تمكنت الجزائر من تدوين 12 نوبة، والمغرب من تدوين 11 نوبة، ودونت ليبيا 10 نوبات مألوف.

مما يذكر أن «الرشيدية» ظهرت على أيدي مجموعة من المثقفين التونسيين، وأطلق عليها هذا الاسم نسبة إلى محمد الرشيد باي (1710 - 1759 م)، وهو أحد الأدباء والفنانين الذين ظهروا في القرن الثامن عشر الميلادي في تونس، وكان شاعرا مولعا بالموسيقى التونسية والعزف على بعض الآلات، وبالتالي، اختير أن يحمل المعهد وفرقته الموسيقية اسمه تكريما لذكراه.

والحقيقة أن الفرقة الرشيدية برزت وفرضت مكانتها في ظروف سياسية واجتماعية صعبة، واقترن تاريخ تأسيسها بتصاعد العمل النضالي ضد الاستعمار الفرنسي، وذلك على جميع الجبهات والأصعدة الفكرية والعلمية. وبناء عليه، اعتبرت الرشيدية في ذلك الوقت مساهمة فعالة في العمل الثقافي.. من أبرز غاياته المحافظة على الشخصية التونسية وحمايتها من الذوبان، وهو بالضبط ما تعمل عليه وتكافح من أجله حتى الآن.

هذا، وعملت الرشيدية - منذ تأسيسها - على تنمية التراث الموسيقي واجتهدت في الوصول إلى نوبات أخرى لـ«المألوف»، وإضافة مجموعة من الأعمال الموسيقية الفردية إلى رصيدها. كذلك سعت الفرقة إلى التعريف بالتراث الموسيقي التونسي، فقدمت عروضا موسيقية في كثير من البلدان العربية والإسلامية والأوروبية، ونشرت مجموعة من الكتب التي تعرف بـ«شيوخ الموسيقى» في تونس، في طليعتهم خميس الترنان وأحمد الوافي، كما نشرت كتابا يشرح مقامات الموسيقى العربية.

من جهة ثانية، عرفت الرشيدية بعروضها الشهرية المميزة في الفضاءات الثقافية التونسية، مثل المسرح البلدي في تونس العاصمة، ودار الأصرم، ودار حسين، وبئر الأحجار. كما أنها تنظم عروضا ودروسا في مختلف الاختصاصات بمقر الجمعية الرشيدية لفائدة الطلاب، وثمة دروس حول المقامات وأخرى حول الآلات المختلفة وتنظم دروسا أخرى حول الأداء وفي مجال تحسين الصوت.

وباختصار، وفرت الرشيدية مجالا رحبا لاستقطاب أفضل الأصوات الموسيقية التونسية، واكتشاف وصقل الخامات الصوتية الجديدة. ولقد عرفت في السابق بالفنانة التونسية ذائعة الصيت صليحة، كما كانت، إلى جانب الغناء، فضاء لممارسة هواية الموسيقى والعزف منذ تأسيسها ولتاريخ اليوم.