«سبيل محمد علي».. تحفة معمارية تحتضن متحف النسيج المصري

متحف متميز يضم 450 قطعة من مختلف العصور

سبيل محمد علي الذي تحول إلى متحف للنسيج بشارع المعز لدين الله («الشرق الأوسط»)
TT

على الرغم من أن مباني شارع المعز لدين الله، الذي يزيد عمره على ألف سنة، تعد من آيات العمارة الإسلامية في العاصمة المصرية القاهرة، فإن «سبيل محمد علي» الواقع في بداية الشارع من ناحية حي بين القصرين يكاد يفوق في جماله كل آثار الشارع العتيق، التي صارت تزدان بحلة جديدة منذ أكثر من سنة، عقب تحويل الشارع إلى متحف مفتوح.

«السبيل» صار متحفا للنسيج المصري، بعد التوافق على أن يضم نماذج من نسيج من مختلف العصور، بدلا من أن يقتصر على النسيج في العصر الإسلامي. وهو بعمارته البديعة يعبر عن حقبة تاريخية مهمة في تاريخ الأسبلة، فضلا عن كونه السبيل الوحيد والأثر الفريد من نوعه الذي شيده محمد علي الكبير في الشارع الأشهر. أما هدفه من بنائه، فكان تقديم خدمة خيرية وظيفية لسكان الشارع والمناطق المجاورة له، بعد وفاة ابنه إسماعيل باشا في السودان عام 1822، ليكون صدقة جارية على روحه.

هذه الخدمة الوظيفية للمبنى أسهمت في بقاء السبيل وتألقه، وهو ما لاحظته «الشرق الأوسط» في زيارتها للمتحف، الذي يشرف بواجهته الرئيسية على شارع النحاسين - شارع المعز لدين الله حاليا - ويواجه صرحين من صروح العمارة المملوكية الإسلامية، هما قبة ومدرسة الظاهر برقوق وقبة ومدرسة محمد بن قلاوون. أما واجهته الفرعية فتطل على شارع القاضي الجديد، وكان محل هذا الشارع المدرسة الظاهرية التي أنشأها الملك الظاهر بيبرس البندقداري، إلا أن المدرسة أزيلت عندما فتح الشارع.

السبيل من المباني المتأثرة بالطراز التركي وهو مكسو بالرخام المحلى بنقوش وكتابات غاية في الدقة والعمارة، إلا أنه يعتبر أيضا من النماذج المعمارية التي حملت تأثيرات وافدة على العمارة الإسلامية، إذ يلاحظ زائره البصمة الأوروبية على زخرفته، ولكن من الأخذ بأسلوب تصوير الأشخاص الذي كان سائدا في أوروبا آنذاك. ولقد ظهرت التأثيرات الأوروبية بشكل واضح وأعمق في معظم الأجزاء الداخلية للمبنى.

والواقع أن فريق ترميم المبنى واجه مشكلات كثيرة على طريق إعداده كمتحف، أهمها ما لاحظه فريق الصيانة من وجود بعض الأجزاء المفقودة، وتأثر الوزرات الرخامية بعوامل التعرية، وتشبع لوحة النص الكتابي بالجزء السفلي للواجهة الرئيسية للسبيل والأحواض الداخلية بالأملاح، وحدوث شروخ نافذة بأرضيات الموقع، وهو ما تعامل معه فريق الترميم بأساليب علمية حديثة.

وبعد الانتهاء من عمليات الترميم التي استغرقت نحو خمس سنوات، كان التفكير في بداية الأمر في تحويل السبيل إلى متحف للنسيج الإسلامي، لكن فاروق حسني، وزير الثقافة المصري، ارتأى تعميم الفكرة ليكون المتحف للنسيج المصري عموما، و خاصة أن العصور المتعاقبة - الفرعونية والقبطية والإسلامية - شهدت تطورا لافتا في صناعة النسيج. وأرجع الوزير حسني فكرة متحف للنسيج المصري، إلى أن مصر كانت من الدول الرائدة في صناعة النسيج منذ العصور الفرعونية وحتى العصر الحديث. وكان في حديث لـ«الشرق الأوسط» قد قال: «وجدنا مقتنيات مناسبة لكي يضمها المتحف تعبّر عن صناعة النسيج، حتى وصلت إلى 450 قطعة نسيج، وهي تصوّر تطور صناعته من العصر الفرعوني وحتى الحديث، مرورا بالعصور اليونانية والرومانية والقبطية والإسلامية والطولونية والمملوكية والعثمانية».

وحقا جرى تقسيم المتحف إلى أقسام خصص أحدها للنسيج الإسلامي وآخر للفرعوني وآخر للقبطي، وضم القسم الفرعوني تماثيل قديمة ارتدى أصحابها أنسجة، وأعدت له لوحات تبين ملامح من صناعة النسيج، والطرق التي كان تنظف بها الملابس في مصر القديمة. أما في القسم القبطي، فيشاهد الزائر مخطوطات قبطية ترشد الزائرين إلى مراحل تطور الصناعة في تلك الفترة، بالإضافة إلى بعض الصور الكنسية وبعض الرقائق التي عثر عليها في مواقع تاريخية مختلفة تبرز تطور صناعة النسيج في العصر القبطي.

وأما في القسم الإسلامي، فيشاهد المتجول في أروقته مجسمات صنعت بالشمع لأشخاص ينسجون الحرير الذي اكتسب شهرة كبيرة آنذاك، وتلاه القطن، وقد استخدم هؤلاء طرقا بدائية في عمليات النسج.

أيضا في السبيل مجموعة من الحجرات، أهمها حجرتان مستطيلتان تكتنفهما حجرة التسبيل من الجهة الشمالية والجنوبية، وتفتتح كل منهما على حجرة التسبيل بشباك مستطيل. وفي الطابق الثاني، يقع الكتَّاب الذي كان يستخدم لتحفيظ القرآن الكريم، وفتحت فيه نوافذ مستطيلة بعضها يطل على شارع المعز، والآخر يطل على شارع بيت القاضي.

فاروق عبد السلام، المشرف على مشروع التطوير، يقول إن توظيف السبيل كمبنى أثري وتحويله إلى متحف للنسيج كان بمثابة تحد لفريق تطوير مشروع القاهرة التاريخية، «إذ تطلب ذلك إنجاز إضافات معمارية داخلية ليتواءم المبنى مع الاستخدام الجديد، ومنها تجهيزات لتسهيل حركة ذوي الاحتياجات الخاصة سواء بإنشاء منحدرات أو عمل مصعد كهربائي، وتخصيص مكان لحفظ أمانات الزائرين». ويضيف: «لقد جرى غلق شبابيك السبيل بواسطة الزجاج، وعرض المقتنيات في (فترينات) زجاجية حديثة مجهزة لضبط درجات الحرارة والرطوبة داخلها، ولعزل المعروضات الأثرية عن عوامل التدهور البيئية. وأمّن المبنى من السرقة والحرائق، وكان هذا تحديا آخر لفريق تأهيل السبيل وتحويله إلى متحف للنسيج، إذ نفّذت له حماية من الشبابيك المعدنية أحاطت الشخشيخة العلوية للسبيل، بالإضافة إلى غلق الشبابيك المؤدية إلى الأسطح المجاورة، وعمل سقف في سطح دوره الأول، بحيث يسهل السيطرة الأمنية على أي محاولة للعبث به، علاوة على إعداد بوابة إلكترونية لدخول الزوار للمتحف، وشبكة إنذار ضد السرقات للإنذار عن الحرائق».